5:53 مساءً / 25 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

شهادات بلا مهارات و بلا أخلاق كشيكات بلا أرصدة، بقلم : د. فواز عقل

شهادات بلا مهارات و بلا أخلاق كشيكات بلا أرصدة، بقلم : د. فواز عقل

كنت محظوظا أثناء دراستي أنني درست مساقا عن التربية المقارنة بين دول كثيرة في العالم و كيف يربون و يعلمون أبنائهم و كنت محظوظا أكثر عندما علمت هذا المساق و اتطلعت مرة أخرى على تجارب تربوية تعليمية للكثير من الدول، و أنا دائما أردد ما قاله سقراط:أن التربية التي جعلت الإغريقي إغريقيا و ليس المولد ، وما ذكره ابن خلدون عن دور التعليم في خلق ملكة التعلم في نفوس المتعلمين و اطلعت كذلك على أدلة جامعية لمتطلبات الحصول على شهادة البكالوريوس في العالم الآخر و التي تحدد المهارات و القدرات و المعلومات و المدونة السلوكية لكل مهنة التي يجب على المتعلم امتلاكها في تخصصه قبل الحصول على الشهادة.

و اطلعت كذلك على أدلة جامعية لجامعات في العالم الثالث والتي تتطلب فقط من المتعلم أن ينهي عدد ساعات محدودة للحصول على شهادة في هذا التخصص و هنا أقول :في هذا العصر فإن الانفجار المعلوماتي وصل لمستوى أن صلاحية المعلومة و الشهادة التي سيحملها الإنسان ستحدد من ثلاث إلى خمس سنوات مثل المعلبات و الدواء، و الأدهى من ذلك أن كثير من حملة الشهادات يعتبرونها نهاية الطريق و أقول: أن التقدم التكنولوجي قد غير من فلسفة العملية التعليمية و فتح الأبواب و النوافذ الجديدة أمام سيل عارم للمعلومات و لم يعد الكتاب هو المصدر الوحيد للمعلومة.

فالمعلومة الآن موجودة على جهاز الموبايل متاحة للجميع، و لم يعد المعلم المصدر الوحيد للمعلومة إذا لم يجدد و يطور مهاراته و معلوماته بشكل يومي، و هنا أردد ما قاله شمس الدين التبريزي: لا تنام بنفس العقل الذي استيقظت به، و لم تعد غرفة الصف و المدرسة هي المكان الوحيد للتعلم، فالتعلم يمكن أن يحدث في أي مكان وأي زمان و في هذا العصر الكل متعلم و الأمي في هذا العصر هو الذي لا يتعلم ذاتيا،و المتعلم الآن هو في المقعد الأمامي من العملية التعليمية،و في هذا العصر من غير المقبول أن يأتي شخص بشهادة ما محدود المهارات و الخبرة و القدرات و يدعي أنه يمتلك المهارات و القدرات و الأفكار التي قد تقلب الطاولة، رحم الله الشاعر الذي قال :


قل لمن يدعي في العلم فلسفة             حفظت شيئا وغابت عنك أشياء
 
و في هذا العصر لم يعد مقبولا أن يعطي المعلم تفسيرات قديمة لأفكار جديدة تنتقل من عصر لآخر على حساب تفسيرات من قبل الطالب تناسب العصر،فتعليم المهارات لا يعني السير على خطى من سبقوا (هذا ما وجدنا عليه آباءنا) على حساب البحث و الاكتشاف و اشغال العقل و إيجاد تفسيرات جديدة و الوصول لاستنتاجات جديدة نحن بحاجة لتعليم يهز قناعات المتعلم و يفتح نوافذ جديدة أمامه ، في التعليم لا يوجد معرفة مقيدة يحقن بها المتعلم و تقوم على تفسيرات المعلم لأن المتعلم في هذا العصر بحاجة إلى من يشير إلى الطريق و يتركه يكتشف لوحده أي عدم تقديم المعلومة للمتعلم بشكلها النهائي.


و كما يقول جبران خليل جبران: المعلم الحقيقي هو الذي يستخدم نفسه كجسر يعبر عليه الطلاب ثم يدمر الجسر ليشجعهم على بناء جسورهم
و ما قاله أرسطو: إن من يريد أن يكون معلما عليه أن يكون جسرا


إن دور المعلم في هذا العصر،خصوصا معلم الجامعة الذي يعتبر مولدا للمعرفة و ليس ناقلا لها، نقل المتعلم إلى العصر الذي يعيش فيه و اكتشاف مواهب وقدرات ومهارات المتعلم و تطويرها وتوجيهها و تنميتها،و ليعلم المتعلم أنه إذا لم يرغب في التعلم فلا أحد يستطيع أن يساعده،و إذا صمم على التعلم لا أحد يستطيع أن يوقفه،


التعليم يجب أن يخلق عقلا متفتحا و يعمل على تغذيته بأفكار إيجابية مع وجود أهداف واضحة و مساعدة المتعلم على النمو،لأن النمو هو مفتاح الحياة.ومرة أخرى، لا بد من التركيز على ما يجري داخل الصف و وضع كل شيء تحت مجهر التقويم عن طريق المعلمين داخل نظام التعليم و الباحثين من المختصين من خارج نظام التعليم ليقوموا بأبحاث حول الحياة المدرسية و التربية و خلق حوار أكاديمي،إن تعليم المهارات و القيم و الحوار لا يمكن أن يكون لفظيا بل من خلال الممارسة داخل الصف و خارجه و توفير خبرات جديدة، ولا يمكن للتعليم أن يكون مدخلات لفظية و مخرجات لفظية. وما زلت أتذكر في مساق استراتيجية التعلم ما قاله مدرس المستاق في بداية الفصل


I am not a teacher, but an awakener
هذا يعني أنني لست معلماً ، بل موقظاً للعقل
What the teacher is, is most important than what he teaches.
من يكون المعلم ، أهم بكثير من الموضوع الذي يدرسه
و هنا أعجبني جدا ما قاله معلم سنغافوري:


كان علي ألا أتعلم فكرة أن التدريس يتعلق بمحتوى مادتي والكتاب ،كان علي أن أتع
لم أن التدريس يتعلق بتفكير الطلاب ومهاراتهم.
و أقول: الفهم قبل الشهادة، كما قال الشاعر:
إذا خلا المرء من فهم و معرفة        ظلمت نفسك لو تدعوه إنسانا
و كل شهادة لا تعكس تواضعا و معرفة لحاملها هي ورقة حاملها و الجدار سواء.
و أقول: نصف العلم أخطر من الجهل، وكما قال الشاعر :
أدهى من الجهل علم يطمئن له     أنصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا
ورحم الله الشاعر الذي قال:
حملوا الشهادة دون أي ثقافة       ختموا العلوم و أطفئوا القنديل
و هنا أدعو إلى تنويع مصادر الشهادات و التخصصات و المهارات و اللغات،و هنالك بعض الأسئلة تثقل كاهلي و كاهل آخرين:
-ماذا لو تم تحديد صلاحية الشهادة لمدة زمنية كالدواء و المعلبات؟ كما بدء في بعض الجامعات في العالم الآخر
-ما قيمة الشهادة التي يحملها الإنسان إذا تم تقييد الصلاحيات و تقييد العقل؟
-هل الشهادة تعطي صورة عن حاملها أم الشخص هو الذي يعطي معنى للشهادة؟
-هل صحيح ما يتناوله بعض المفكرين أن الشهادات في العالم العربي مثل الفطر بعد المطر؟
-هل يتم في يوم من الأيام تحديد المهارات المطلوبة و توجيه الطالب إليها؟
-إلى متى ستبقى الشهادة مرتبطة بإنهاء الطالب لعدد ساعات معينة في تخصصه دون تحديد المهارات المصاحبة لهذا التخصص؟


-هل كل من يحمل شهادة مثقف؟ علما بان كثير من المفكرين لا يحملون شهادات
-لماذا يريد البعض التركيز على شهادات مطلوبة فقط لسوق العمل و تلبي حاجات رجال الأعمال و تتجاهل تخصصات العلوم الإجتماعية و الإنسانية التي تعتبر أرقى العلوم؟


التقدم و التطور لا يأتي بكثرة الأطباء و المهندسين


و ختاما إن لكل زمان قدراته و تطلعاته و أدواته و طموحاته و أشخاصه و أفكار لا تستوعبها الكتب ولا الشهادات، لأن زماننا هذا الذي يتداخل فيه الطموح و الخوف له خصوصية لم نشهدها في الأزمنة السابقة، فيه عواصف و إبداعات و معارف لا حدود لها،خصوصا بعد ظهور الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحنا نجد أنفسنا أمام مستجدات فيها الكثير ما يبشر بزمن فيه الخير للبشر في مجالات عديدة و يحمل في نفس الوقت جوانب مرعبة، مخيفة، تضع البشر أما أسئلة كثيرة، و هنا أردد ما قاله الإمام محمد عبدو: إن مستقبل الأمة يقوم باستعدادها لكل زمان بما يناسبه و ما قاله مالكوم اكس الأمريكي : المستقبل ملك للذين يعدون له اليوم،و إذا لم يمتلك المتعلم المهارات المطلوبة فمثله كمن يحمل دفتر شيكات بنكي بدون رصيد،سيما وأن الكثير من الشركات و المؤسسات العالمية الكبرى لا تتطلب شهادات في موضوع ما لوظيفة ما بل تطلب مهارات تناسب تلك الوظيفة، و أنهي هذه المقالة بالحوار التالي:


المعلم الاول: لقد علمت فلان اللغة الإنجليزية
المعلم الثاني: و لكني لم أسمع فلان يتحدث اللغة الإنجليزية
المعلم الاول: أنا قلت لك أنني علمته اللغة الإنجليزية و لم أقل لك أنه تعلم
 ، و أقول: نحن التربويون المحاورون أصحاب اليقظة أصحاب البوصلة نصنع البوصلة للزمن التالي و لا ننتظرها.

  • – د. فواز عقل – باحث في شؤون التعليم و التعلم

شاهد أيضاً

وزارة العمل و مؤسسة سبارك توقعان مذكرة تفاهم لدعم الشباب والمشاريع الريادية

شفا – وقعت وزيرة العمل الدكتورة إيناس العطاري ومديرة البرنامج الإقليمي لمؤسسة سبارك في فلسطين …