أهمية منصات البحث العلمي للدراسات في رفع الوعي ومواجهة التحديات، بقلم : مروان إميل طوباسي
في ظل تصاعد جرائم العدوان الإسرائيلي على شعبنا الفلسطيني والدعم الأمريكي المستمر في إطار الشراكة العقائدية وغيرها من محددات العلاقة، تبرز أهمية مراكز الدراسات والأبحاث الفلسطينية التي تسعى جاهدة لتقديم تحليلات متعددة الجوانب للواقع المعقد في وطننا، ولمستقبل المنطقة في ظل النظام الدولي القائم.
هذه المراكز تعبر عن تجربة رائدة في إثارة التفكير من منطلقات مختلفة باسلوب البحث العلمي، بحيث يتوجب الاستفادة منها من قبل أصحاب القرار السياسي لتقديم خيارات وبدائل أمامهم تمكنهم من تحديد المسارات السياسية الأكثر فائدة والأقل ضررا وكلفة بالمعنى السياسي. في دول أخرى، تشكل هذه المراكز ونتائج أبحاثها أدوات حيوية لصناع القرار، إذ تعتمد على الخبرة والمعرفة التي اكتسبها الباحثون من مواقع سابقة سياسية وعسكرية.
في فلسطين، هناك حاجة ماسة لتنمية الوعي حول أهمية هذه المراكز والأبحاث العلمية لضمان أن تكون سياساتنا مبنية على رؤية علمية دقيقة بعيداً عن ردود الافعال. في الأسبوع الماضي، لفت انتباهي صدور العدد السادس من “مجلة فلسطين لأبحاث الأمن القومي”، والتي تمثل منصة بحثية رائدة بجانب غيرها من المجلات البحثية التي تصدر عن مراكز الدراسات الأخرى في فلسطين. هذه المجلات توفر تحليلاً عميقًا وشاملاً للقضايا الحيوية الناشئة. لكن ما يميز هذا العدد بشكل خاص هو التركيز على مؤثرات الأمن القومي الفلسطيني نتيجة استمرار حرب الإبادة والتهجير، وخاصة في قطاع غزة.
لقد سلط العدد السادس من المجلة الضوء على مجموعة من الدراسات التي تناولت القضايا الأكثر أهمية وتعقيدا في مكونات الصراع الجاري، ومن أبرزها:
**دور الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة في مواجهة العدوان الإسرائيلي.
تناولت إحدى الدراسات الدور المعقد للأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة في مواجهة العدوان الإسرائيلي في ظل نظام الهيمنة الدولي أحادي القطب. أظهرت الدراسة التحديات الكبيرة التي تواجهها المؤسسات الدولية في فرض القانون الدولي وحماية حقوق الفلسطينيين. ومع ذلك، شدد الباحث على ضرورة استمرار الضغط الدولي لتعزيز هذا الدور، مشيرًا إلى أن تلك الوكالات تبقى أساسية في الحفاظ على الشرعية الدولية والعمل على وقف الانتهاكات الإسرائيلية. كما طرحت الدراسة تساؤلات حيوية حول قدرة الأمم المتحدة وأزماتها، وأثر دولة الاحتلال في تقويض قراراتها.
**الدور الأمريكي خلال العدوان الإسرائيلي على غزة.
بحث آخر يوضح كيف أن الشراكة والدعم الأمريكي لإسرائيل قد أسهم بشكل كبير في تأجيج الصراع وتعميق معاناة الشعب الفلسطيني. يشير الباحث إلى أن هذا الدعم لا يقتصر على الجانب العسكري، بل يمتد إلى الأبعاد السياسية والدبلوماسية والمالية، ما يجعل الولايات المتحدة شريكًا رئيسيًا في استمرار هذا الصراع. كذلك، يسلط الضوء على الالتزامات والمصالح الأمريكية التي تجعل من هذا الدعم دعمًا مؤسسيًا، رغم وجود بعض الخلافات بين الحين والآخر.
** تفنيد الرواية الإسرائيلية لأحداث السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ .
في إطار محاربة التضليل الإعلامي، يتناول بحث آخر الرواية الإسرائيلية لأحداث السابع من أكتوبر ٢٠٢٣. يكشف البحث عن التزييف والتلاعب في الحقائق الذي تمارسه إسرائيل، ويقدم سردًا موثقًا للحقائق التي تتناقض مع الرواية الرسمية الإسرائيلية. هذه الدراسة تبرز أهمية التصدي للتضليل الإعلامي وأثره على فهم الأحداث الدولية، وتؤكد على الحاجة إلى بناء سردية فلسطينية موثوقة تواجه الأكاذيب الإسرائيلية.
**أهداف العدوان على الشعب الفلسطيني: بين الإبادة الجماعية والتهجير القسري.
يتناول العدد السادس أيضًا الأهداف غير المعلنة للعدوان الإسرائيلي، مشيرًا إلى أنها تشمل الإبادة الجماعية والتهجير القسري. يناقش الباحث السياسات الإسرائيلية التي تهدف إلى إضعاف واقتلاع الوجود الفلسطيني، مؤكدًا أن هذه الأهداف تمثل استمرارية للرؤية الصهيونية التوراتية. هذه الدراسة تعري السياسات الصهيونية وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في مواجهة هذه الجرائم.
**العدوان الإسرائيلي على غزة والتدمير الاستراتيجي للمؤسسات التعليمية .
يشير بحث آخر إلى الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية التعليمية في فلسطين نتيجة للعدوان الإسرائيلي المستمر. يوضح الباحث كيف أن هذا التدمير الممنهج يمثل جزءًا من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تقويض الإمكانيات الفلسطينية، مؤكدًا على ضرورة حماية المؤسسات التعليمية كجزء من نضال الشعب الفلسطيني نحو الحرية والاستقلال.
**الأثار النفسية للعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين: دراسة حالة غزة.
دراسة شاملة حول الأثار النفسية للعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، مع تركيز على حالة قطاع غزة. يُظهر المقال كيف أن الصدمات النفسية الناتجة عن تكرار العدوان تؤثر بشكل عميق على جميع شرائح المجتمع الفلسطيني، خاصة الأطفال والشباب. يؤكد البحث على ضرورة تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين كجزء من الجهود الأوسع لتعزيز الصمود الفلسطيني.
**مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي وأحداث ٧ أكتوبر.
بحث آخر يركز على مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي وكيفية تأثير أحداث 7 أكتوبر 2023 عليه. يشير الباحث إلى أن هذه الأحداث قد دفعت إسرائيل إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الأمنية، مما قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في سياساتها تجاه الفلسطينيين والدول المجاورة.
**مآلات ما بعد الإجراءات الاحترازية لمحكمة العدل الدولية.
هذا البحث عبارة عن دراسة قانونية ملخصة حول الاجراءات القانونية الجارية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية. يناقش الباحث الصلاحيات القانونية للمحاكم الدولية ودور مجلس الأمن، ويسلط الضوء على الأثر المحتمل لهذه الاجراءات في فضح دولة الاحتلال ككيان استيطاني عنصري ينتهك القانون الدولي.
**السياسات الفلسطينية والحرب على غزة: تحديات البنية السياسية والوحدة.
يتناول العدد تحديات البنية السياسية والوحدة الفلسطينية في ظل الحرب على غزة. يشير البحث إلى ضرورة تعزيز الوحدة الوطنية لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، ويدعو إلى إعادة صياغة المشروع الوطني كعقيدة سياسية جامعة.
في النهاية، يعكس العدد السادس من “مجلة فلسطين لأبحاث الأمن القومي” الجهود الأكاديمية المهمة التي تساهم في فهم أعمق للتحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني. تمثل هذه الدراسات محاولات جادة لتحليل الواقع الفلسطيني واستشراف المستقبل ضمن المعطيات القائمة. هذه الأبحاث أدوات حيوية لفهم قضايا الأمن القومي الفلسطيني ودعم القضية الفلسطينية ورفع الوعي حول طبيعة الكفاح الفلسطيني المتعدد الأوجه على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. إن إصرار الباحثين والمشرفين على تقديم محتوى علمي رصين يعزز من قدرة القارئ على فهم الأحداث الجارية والتفاعل معها بوعي ومعرفة.
ختاما، تبقى “مجلة فلسطين لأبحاث الأمن القومي” والمجلات البحثية المتخصصة الأخرى حارساً لذاكرة النضال الفلسطيني ومستقبل قضيته، ومفتاحاً لفهم أعمق للقضايا المحيطة الراهنة، وأداة هامة لمساندة صناع القرار في إقرار السياسات ومواجهة التحديات الراهنة واتخاذ القرارات اللازمة من أجل مستقبل أكثر إشراقاً نحو الحرية والاستقلال الوطني والبناء الديمقراطي.