حُسْن التصرّف ملكة لا تسلس قيادها إلّا لحكيم، بقلم: غدير حميدان الزبون
قال تعالى: “يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ” (البقرة:269).
الحكمة هي ضالة المؤمن أنّى يجدها فهو أولى وأحقّ بها، فأولو الألباب وهم أصحاب العقول الراجحة، والرؤى الواضحة، هم أهل الحكمة وأصحابها، وهم طلابها ومريدوها، والإنسان الحكيم هو من ينظر إلى الأمور بعين بصيرته، لا بعين بصره، ويقدر الأشياء بعقله وفكره، لا بعاطفته ووجدانه، والحكيم يا دام عزّكم هو الذي يقدر الأشياء حق التقدير، ويزنها بميزان الأناة والتروي، لا بمؤثر الانفعال والتعجل، فالحكيم هو الذي ينظر إلى عواقب الأمور ونتائجها، وآثارها المباشرة وغير المباشرة القريبة والبعيدة، والحكيم كذلك هو الذي يعلم كيف يخرج من الأشياء قبل أن يدخل فيها، ويعلم سبيل الخلاص من الأمور قبل الإقدام عليها وقبل فوات الأوان فحينها لن يصلح العطّار ما أفسده الدّهر، وما أسهل الكسر وما أصعب الجبر!.
والحكيم يحسن التصرف في المواقف ولديه القدرة على تخطي الصعاب والعقبات التي قد تواجهنا في حياتنا، فالحكمة هي ملكات وصفات قد نجدها في بعض الأشخاص من حولنا ولا نجدها في آخرين، لكنْ السؤال هنا: هل الحكمة في التصرف هي صفة يولد بها الإنسان أم أنها تكتسب من البيئة والمجتمع الذي يعيش فيه الفرد، بلا شك أنّها مكتسبة لأنّ الإنسان يولد صفحة بيضاء لا يوجد بها أي رتوش، ويكتسب الصفات والأخلاق والسلوكيات ممن حوله، الأسرة لها دور والمدرسة كذلك والأصدقاء وبيئة العمل وكل محطة ومرحلة عمرية للإنسان يكتسب فيها صفات، ربما تكون صفات إيجابية وقد يكون بعضها سلبيا، لكن في النهاية لابد وأن نتفق أن حسن التصرف والتعامل مع المواقف بالحكمة والعقل يجنب الإنسان الوقوع في كثير من الأخطاء أو المواقف الصعبة ونستطيع تعميم هذا الأمر على كثير من جوانب حياتنا سواء أكانت حياتنا الأسرية أو الحياة العملية أو علاقتنا بأصدقائنا ليس هذا فقط بل بمقدورنا أن نكسب من حولنا كيفية التصرف في الأمور بحكمة وعقل بأنْ نوجه له النصح ونضع يده على حلول لمشكلاته دون أن يصيبه الضرر ودون أن يتسبب لمن حوله في ضرر أو حتى إيذاء نفسي، لأنه وكما نعلم قد يفسر مَن أمامي نصيحتي له وكأنها تدخل في شؤون حياته أو رغبة في إحداث خلل ما في حياته، ولذلك اذا أردت أن تنصح فانصح بالعقل والحكمة، وإذا أردت أن تكسب ثقة من حولك فلا تكن مندفعا في التصرف وتروَّ قليلا لعلّ الله يحمل لك وله الخير وأنت لا تدري.
ومن مستلزمات الحكمة في حُسن التصرّف الرفق واللين، وإنزال الناس منازلهم، ومراعاة أحوالهم وظروفهم، ومخاطبتهم على قدر عقولهم وعلمهم وفهمهم وثقافتهم؛ فالناس متفاوتون في المستويات التعليمية الاجتماعية والفكرية وغيرها؛ فمنهم العالم، ومنهم الجاهل، ومنهم المسؤول، ومنهم الكبير، ومنهم الصغير، ومنهم الذكر، ومنهم الأنثى، فلابد من مراعاة هذه الأمور عند معاملة الناس، ومن مجالات الحكمة الحكمة في الإدارة فيجب أن يعي المسؤول أنّ العاملين تحت إدارته هم بشر لهم مشاعر يجب أنْ تُراعى، ولهم ظروف يجب أن تُقدّر، ولهم حقوق يجب أن تؤدّى، فلا إهانة لهم ولا تعالي عليهم، فعلى المسؤول أن يعامل موظفيه معاملة إنسانية كريمة، ويجعل لهم موضع محبة وإعزاز واحترام وتقدير وتكريم، وهذا لا يتعارض، ولا يتنافى مع توجيه أو محاسبة من قصّر في عمله، وأخلّ بوظيفته، فعلى الموظف أو العامل أن يؤدي ما عليه من واجبات على أكمل وجه، وفي الوقت ذاته هو يستحق كامل حقوقه المعنوية والمادية بعيدًا عن الكيد والحسد والأذى بغير وجه حقّ.
وربّما تتساءل أيّها القارىء: ماذا ينقصني لأنافس الآخرين؟
فأقولُ لكَ: ومن قال أنّه عليكَ أن تُنافسَ الآخرين؟!
إنّ التنافس مع الذات هو أفضل تنافس في العالم وكلما تنافس الانسان مع نفسه تطور بحيث لا يكون اليوم كما كان بالأمس ولا يكون غدا كما هو اليوم.
وقال الحسن -رحمه الله-: من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره.
ومع هذا؛ فالأولى والأكمل: أن يخلو القلب من المقارنة، والمنافسة مع الغير، فتكون الحركة للعمل لوجه الله خالصة، لا يشوبها منافسة أحد فهذه حال الكُمَّل،
وعلى هذا؛ فأجرك باق -إن شاء الله.
والحياة رحلة وليست سِباقاً يا فتى، فاستمتع بها ولا تحوّلها إلى معركة! ولا تقصد وجهة الأرنب والسلحفاة
فالسلحفاة والأرنب كلاهما أحمق.
فأيّ لذّة في أن يفوز الأرنب بسباقٍ ضد أبطأ المخلوقات على الأرض؟!
ولِمَ على السلحفاة أن تخوض سباقاً أملها الوحيد بكسبه هو أنْ ينام الأرنب؟!
طهِّرْ قلبكَ يا صاحبي،
وافرحْ بنجاحِ غيركَ كأنّه نجاحكَ،
وصفِّقْ للفائزين كأنكَ تُصفِّق لنفسكَ،
واسعَدْ بصفقة التاجر كأنها صفقتكَ، وبوظيفة جارك كأنّها وظيفتك.
النظر إلى ما في أيدي الناس سهمٌ مسموم، يُصيبك في قلبكَ قبل أن يُصيبَ الناس!
يا صاحبي إنّ كثيراً مما نسميه منافسة ما هو إلا حسدٌ مقنّع،
ولكنْ أسميناه منافسة لنقنع أنفسنا أنّها معركة تستحقُّ أن تخوضها!
وتذكَّرْ جيداً أنّ الحسد هو أول ذنبٍ عُصي الله سبحانه وتعالى به في السماء.
حيث رفضَ إبليسُ السجود لآدم وما معه من ذريعة إلا: أنا خير منه!
والحسدُ أول ذنبٍ عُصي الله تعالى به في الأرض حيث قتلَ قابيل أخاه هابيل لأجل امرأةٍ كانت أجمل من امرأته!
فلا يكن فيكَ شيءٌ من إبليس وقابيل ثم تقول لي أنا أخوض منافسة.
لا يا صاحبي أنتَ تحترقُ من الداخل لأنّ خيراً أصابَ غيركَ ولم يُصبكَ!
فحسن التصرف يا صاحبي هو مفهوم يعكس الطريقة الحكيمة التي يتصرف بها الفرد في مختلف المواقف والظروف فالحكيم الموصوف بكمال الحكمة، وبكمال الحكم بين المخلوقات، وهو واسع العلم والاطلاع على مبادئ الأمور وعواقبها، واسع الحمد تام القدرة غزير الرحمة، فهو الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها في خلقه وأمره، فلا يتوجه إليه سؤال، ولا يقدح في حكمته مقال.. إنّه جزء أساسي من السلوك الإنساني الذي يؤثر على العلاقات الشخصية والاجتماعية، ويعكس النضج والوعي الذاتي للفرد. ويتعامل حسن التصرف مع مجموعة واسعة من المفاهيم، بدءًا من الاحترام للآخرين وصولاً إلى فنون فعالة للتواصل.
من هنا اعتنِ بقلبكَ يا صاحبي.
نظِّفه جيداً، طهِّره بالذكر.
سمِّ الله على كلّ جميلٍ تقعُ عليه عينك،
وقل ما شاء الله على كلّ رزقٍ ليس لكَ،
وارضَ بما قسم الله لكَ.
فلم تنلْ سواه ولو كانت حياتك كلها سِباقاً.
وخالقِ النّاس بخلُق حسن والله يقول سبحانه: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” (البقرة:83).
- – غدير حميدان الزبون – فلسطين