4:27 صباحًا / 19 سبتمبر، 2024
آخر الاخبار

قصة قصيرة بعنوان “مساء الخير يا غسان”، بقلم : غدير حميدان الزبون

قصة قصيرة بعنوان: مساء الخير يا غسان، بقلم : غدير حميدان الزبون

قصة قصيرة بعنوان “مساء الخير يا غسان”، بقلم : غدير حميدان الزبون

على أعتاب ليلة الثالث والعشرين من آب الحارقة تجلس الشمس وباقي شهور العام، هو صيف الحجر والضجَر، نعاس القيلولة تلو القيلولة يداعب عينيها الواسعتين، وصوت (فيروز) قادما من اللامكان يخترق جلدها ويسكن رئتيها فتتسعا وتتنفس.


صورتهم لا تفارقها، لوحة ارتسمت من نور عينيها، تغيب وتعود بقسوة، تحزّ بسكين الوقت بؤبؤ عينها.


هاهم يواصلون السير دون كلل أو ملل، كان ذلك في خريف العام الماضي ولا زالت الأوراق تتساقط، وها نحن على عتبات خريف جديد.


استرخى شيخهم الكبير بقوّة حرّكت غبار الفضاء، هو مرهق في هذا اليوم، ارتمى بكلكل جسده فوق التراب الندي، للمرة الأولى تتغلغل إلى خلايا روحه خفقات قلب الأرض، كأنّه يحمل بين راحتيه بلبلا صغيرا حديث الفقس لا يقوى على الطيران، يمسك به بحنوّ، لا زال يخفق برتابة مع قلب الأرض يرنو إليه بعينيه الذابلتين.


-أنت تسبب لي الضحك، قلت الأرض الندية أوشكَ جسدي أن يتبخّر، لا يمكن أن يسقط من السماء في هذه الأيام إلّا قيظ وغبار ورصاص، لا تذهب ما بقي في رأسي من دماغ أنسيت أين أنت؟ أنسيت؟


-الجو حار كما يجب للجوّ الحار أن يكون وكما كان لرجالك الذين ماتوا من شدّة عشقهم للشمس أنْ يكون.


-بل هو حار كما تصف الجدات في الحَكايا بقولهن “حَرّ آب اللهّاب”، وكما يصف (دانتي) في (الجحيم) “إذا كنت تريد الجنة عليك ان تعبر الجحيم”، وكما أصف صدري في الغياب وفي الغضب “سعير يسري في جسدي”.
-تذكّرْ أنّ قصيدة دانتي ليست عن بؤس الجحيم، بل عن قوة الروح البشرية وقدرتها على مواجهة التحديات، مهما بلغت صعوبتها.


-لقد مات الناس وهم ينتظرون الخلاص.
-ما دام اسمك يُذكر، فلن تموت أبداً.
هل تؤمن بالكرامات والمقامات؟
-لا أومن قطعا بالمقامات في غير الموسيقى الكلاسيكية، ولا بالكرامات لغير الأحياء، ولا بجدوى التمسّح بزجاج الأضرحة.
-أنت حرٌّ في ذلك، أمّا عنّي أنا فلو سمح لك الوقت سأخبرك بما يتستّر عليه مستودع أسراري.


-إذن أنت لا تكتمين السرّ، ولكنْ سأصغي لك.
-أشكرك، سأخبرك، ولكنْ عِدني ألّا تَبُح بذلك لغير بطن الأرض.


-لا أعدُك.
-اسمعني إذن، لقد اشتريت دعوتين كانت إحداهما من سيدة عجوز ساعدتُّها على عبور الشارع، والأخرى لا ولن تفارقني -يا رضا الله ورضا الوالدين-، واشتريت مسحة عطر في صغري لم تزل متشبثة بيدي إلى اليوم كأنّها صديق عاهدني على البقاء للأبد!
-فديتكِ- يحمل الحُرّ النبيل كلّ أعباء هذا العالم، كل سماجة الدهر، وكل مخاوفه وأمنياته الضائعة، كلها يحملها فوق ظهره، ولا تُعجزه! أتعجزك مسحة العطر وأنت صاحبة الفكرة؟


-وأنت كذلك يا غسان لقد حملتَ في عينيك النجوم البعيدة، وأطياف عوالمك الحزينة، وكلّ عثراته وقلقه، ولم تعجزك!
أخبرته بذلك ولم يكن يعلم بأنّني حملت في خطوط كفي خريطة وطن لا زال أسيرا معذَّبا، أقبّله وأحبّه على عِلّاته، ولا يعجزني أنني أسيرته أو معذَّبته!


-لكنَّ حزنا يصيب أحِبَّته، غصة في أرواحهم، أو ألما ينتابهم، فيمدّ لهم يده، فلا تمتدّ أو لا تطول؛ ذلك الشعور الخانق بالعجز يعجزني!


ذلك الشعور الذي تصفين قادني إلى العزلة.
-تبّا للعزلة.

  • إنّ أسوأ أشكال الوحدة هو العزلة التي تنجم عن سوء الفهم، بإمكان هذا الشعور أن يجعل الناس يفقدون إحساسهم بالواقع في عالم ليس لنا. 
    صافح الموت شيخهم الكبير ثلاثا وقام شامخًا، لكنّه انكسر في الصيف لخذلان الأصدقاء، ولم يقدر لشدّة الهمّ على حمل البلبل فسقط من بين يديه ومن يومها فقد شعوره بخفقان قلب الأرض. 
    -لا تصدّقي من يقول لكِ: “أراكِ فَتَحْلو لَدَيَّ الحَيَاةُ ويملأُ نَفسي صَبَاحُ الأَملْ”.
    -لا غيَّبَ اللهُ وجهكِ- هذا الدهر مملّ ثقيل الظل كوقع الغياب وغياب الأمل.
    وإنّ سماء الأُسارى بغير نجوم، وإنّ نجوم الحُر في عينيه… فلا بأس.
    -وإنّ الحُر يحمل كل أعباء هذا العالم، كل سماجة الدهر، وكل مخاوفه وأمنياته الضائعة، وكل أطياف من رحلوا، كلّها يحملها في قلبه المثقَلِ بالغياب وبالألم، ولا تُعجزه… فلا بأس.

وإنّ المعجزات يحدث أن تكون -مرة أو مرتين- حتى لمن لم يتعوّدوها… فلا بأس.

شاهد أيضاً

اللواء علام السقا يلتقي وفد الهيئة المستقلة لحقوق الانسان

اللواء علام السقا يلتقي وفد الهيئة المستقلة لحقوق الانسان

شفا – التقى اللواء علام السقا مدير عام الشرطة الفلسطينية في مكتبه اليوم الدكتور عمار …