11:34 مساءً / 4 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

حصاد أعمالكم، بقلم : مروة زمر

حصاد أعمالكم، بقلم : مروة زمر

حصاد أعمالكم، بقلم : مروة زمر


تقول الأسطوره إنه في زمنٍ مضى، في قريةٍ تحيط بها الجبال الخضراء وتنساب فيها أنهار صافية، حكم ملك عادل وحكيم.


كان هذا الملك يتمتع بقلب طيب وحكمة بالغة، وكان يحب شعبه حباً جَمّاً، في أحد الأيام، جمع الملك حكماء القرية وأمرهم ببناء كرسي خشبي فريد من نوعه، وطلب منهم أن يضعوه في ساحة المدينة.

كان الكرسي مصنوعاً من أجود أنواع الخشب، وزين بنقوش معبرة عن القيم النبيلة التي كان الملك يسعى إلى غرسها في قلوب شعبه، وعندما اكتمل بناء الكرسي، أمر الملك الجميع بالجلوس عليه كل صباح، والتأمل في معنى الحياة والعطاء.


وكان يقول لهم: (هذا الكرسي ليس مجرد قطعة أثاث، بل هو رمز للتعاون والعطاء، عندما تجلسون عليه، تذكروا أنكم جزء من مجتمع واحد، وأن عليكم أن تساعدوا بعضكم البعض)


مرَّت الأجيال، وتوارث الناس هذا التقليد، أصبح الكرسي رمزاً للقرية، وجلس عليه الملوك والأمراء والفلاحون والرعاة، ومع مرور الزمن، نسيَ الناس سبب وجود هذا الكرسي، ولكنهم استمروا في الجلوس عليه بدافع العادة والتقاليد..
نحن اليوم نكرر نفس السيناريو، نجلس على كراسي حياتنا، نؤدي واجباتنا الروتينية، دون أن نتوقف لحظة لنفكر في معناها الحقيقي!!
كم منا يتذكر سبب شعورنا بالسعادة عند تقديم المساعدة للآخرين، أو سبب شعورنا بالبهجة عندما نسمع كلمة طيبة من شخص قدمنا له المساعدة على قارعة الطريق؟
إننا نعيش في زمن السرعة، حيث يغرق الناس في متاهات الحياة اليومية، وينسون قيماً أساسية كالعطاء والتعاون، ولكن، هل توقفنا يوماً لننظر إلى الوراء، لنستلهم من قصص الأولين؟


(ما أنفقته على نفسي ضاع مني وما أعطيته الناس باق لي أبد الدهر)

هذه الحكمة الخالدة تلخص جوهر العطاء وقيمته، فالعطاء ليس مجرد فعل عابر، بل هو استثمار أبدي في الآخرة، حيث تبقى الحسنات تتدفّق دون انقطاع، فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علمٌ يُنتفع به، أو ولدٌ صالحٌ يدعو له).


إن العطاء يترك أثراً خالداً في القلوب، ويفتح أبواب الرزق والبركة، ويقرب العبد من ربه، فهو ليس مجرد فعل مادي، بل هو حالة قلبية، وعندما نعطي بصدق وإخلاص، فإننا نشعر بسعادة لا توصف ورضا لا يضاهيه أي شيء.
(شفاء لما في الصدور) العطاء دواء نفسي وعلاج روحي


أثبتت الدراسات العلمية أن العطاء ليس مجرد فعل إنساني نبيل، بل هو دواء شافٍ لما في الصدور من آلام وأوجاع، وقد استخدمه العديد من علماء النفس كأحد أساليب العلاج النفسي الفعّال، لا سيما في حالات الاكتئاب والقلق، حيث إنه يعمل على تحفيز إفراز هرمونات السعادة الإندروفين، مما يؤدي إلى الشعور بالراحة والاسترخاء وتقليل حدة التوتر والقلق، كما أنه يعزز من الشعور بالهدف من الحياة ويعطي لها معنـى، ويمنح الإنسان إحساساً بالانتماء والقبول الاجتماعي، فالعمل التطوعي، على سبيل المثال، يساعد الأفراد على الشعور بالقيمة الذاتية في المجتمع، مما يزيد من ثقتهم بأنفسهم ويقلل من الشعور بالوحدة والعزلة، فالعطاء بمثابة مرهم شافٍ للجروح النفسية، يزيل الأحقاد والكراهية ويحل محلها المحبة والتسامح، إنه غذاء الروح الذي يقوي الإيمان ويقرب العبد من ربه، جميعنا عشنا هذا الشعور ولو لمرة واحدة، حيث وجدنا أنفسنا نتحرر من الأنانية والأحقاد، وأصبحنا أكثر قدرة على التعاطف مع أنفسنا ومع الآخرين إثر عطاءنا..


من أيِّ قومٍ أنْـت؟

(قد ماتَ قومٌ ومـا ماتت مكارِمَهُم، وعاشَ قومٌ وهُم في النّاس أموات) (الإمام الشافعي – رحمه الله) إن العطاء هو خير مكارم الأخلاق، وهو السبيل الأمثل لتحقيق الخلود الروحي، العطاء استثمار في السعادة، وهو مفتاح لتحقيق التوازن النفسي والاجتماعي، فالعطاء يجعلنا نشعر بأننا جزء من شيء أكبر من أنفسنا، ويمنحنا فرصة لإحداث تغيير إيجابي في العالم، هذه دعوة لنا جميعاً لِـنَعود لفطرتنا السليمة، لِنَـنشر الخير والعطاء، ولتكن حياتنا كلها عطاء، ولتكن قلوبنا عامرة بالحُب والخير.


أخصائية تعديل سلوك، ماجستير ارشاد نفسي وتربوي

شاهد أيضاً

تضرر مركبة في هجوم للمستوطنين شرق سلفيت

شفا – هاجم مستوطنون مساء اليوم الإثنين، مركبات المواطنين على طريق مدخل ياسوف شرق سلفيت. …