شفا – يُعاني كيان الاحتلال الإسرائيلي، اليوم وبعد 76 عامًا على تأسيسه في فلسطين المحتلة، من مُعضلة لطالما أقلقته وحشد لها الكثير من الحوافز و”المغريات”.. الهجرة العكسية؛ فقد بيّنت الأرقام والإحصائيات أن قرابة الـمليـون مستوطن إسرائيلي قد غادروا كيان الاحتلال منذ الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ونوهت الإحصائيات إلى أن نحو 40% من المستوطنين يُفكرون بالهجرة “عكسيًا” دون العودة مرة أخرى إلى فلسطين المحتلة، لا سيما بعد عملية “طوفان الأقصى” وتنامي عمليات المقاومة الفلسطينية.
وأوضح مختصون في الشأن الإسرائيلي، أن الهجرة من إسرائيل ترتبط بشكل أساسي بعوامل متعلقة بالوضع الأمني والتوترات السياسية، مشيران إلى أن الحرب على غزة وتداعياتها خلقت حالة من عدم الأمان دفعت الإسرائيليين للبحث عن ملاذات أكثر أمانًا خارج البلاد.
وقال الخبير في الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور، إن هناك أسبابًا عديدة تدفع الإسرائيليين للمغادرة، سواء بشكل مؤقت أو دائم. أبرزها هو الوضع الأمني وحالة عدم الاستقرار التي تشكل تهديدًا دائمًا، بالإضافة إلى الشعور بفقدان الأمان الشخصي وتأثير ذلك على الوضع الاقتصادي.
وأوضح “منصور” أن طبيعة الحكومة الحالية وتركيبتها المتطرفة يمينيًّا وقوميًا ودينيًّا تشعر العديد من الفئات داخل إسرائيل بالانغلاق والتوجه نحو مجتمع أكثر محافظة.
وأضاف أن الحرب وتداعياتها على المستوى الشخصي دفعت بعض الإسرائيليين للهجرة لأسباب شخصية، وأن كل هذه العوامل مجتمعة تولد شعورًا بعدم اليقين والخوف الدائم في ظل صراعات داخلية وحكومة غير مبالية.
وأشار “منصور” إلى أن العوامل الاقتصادية والأمنية والاجتماعية تدفع العديد من الإسرائيليين، وخاصة ذوي المشاريع ورأس المال والأكاديميين المتعلمين، للبحث عن ملاذ خارج البلاد.
وأكد أن إسرائيل لم تعد تشكل عنصر جذب كما كانت من قبل، نتيجة لفقدان الاستقرار وتقييد الحريات، وسمعة إسرائيل العالمية، والملاحقات القضائية الدولية ضدها، والتضييقات التي يتعرض لها الإسرائيليون بسبب تماهيهم مع هذه الدولة وجرائمها في غزة، كلها أمور تدفع الإسرائيليين نحو الهجرة.
وأردف “منصور” أن انتماء بعض الإسرائيليين للدولة هش، ويعتمد بشكل كبير على مستوى الرفاهية والحياة، كما أن التوترات الإقليمية والشعور بالتهديد المستمر بإمكانية اندلاع حرب مدمرة لا يشجعهم على البقاء في البلاد.
وأشار إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تبذل جهودًا كافية لتعزيز شعور الأمان لدى مواطنيها، ولا تسعى لتخفيف أعباء الحرب عليهم، بل تكرس حالة الخوف من سيطرة مجموعة معينة على البلاد وعدم مبالاة الحكومة بمصالح المواطنين، مما يجعل بعض الإسرائيليين يشعرون بأن هذا المجتمع لم يعد يشبههم.
وشدد “منصور” أن الحكومة تبذل جهودًا لجذب الإسرائيليين واستقطابهم من الخارج، وتحفيز المستوطنين على البقاء، مُبيّنًا أن جزءًا كبيرًا من الهجرة التي تحدث مؤقتة وليست دائمة، إذ يهاجر الإسرائيليون بسبب الحرب، ولكنهم يعودون عند انتهائها.
ولفت ضيفنا إلى أن كل هذه العوامل، من الصراع والتشريعات وهوية الدولة إلى التطرف والصراعات الداخلية والتهديدات الإقليمية، كلها مترابطة وتؤثر بشكل مباشر على قرار الإسرائيليين بالهجرة أو البقاء.
الحرب على غزة تدفع إلى الهجرة..
من جانبه، عبّر الكاتب والباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت، أن هناك تعتيمًا كبيرًا على موضوع الهجرة من إسرائيل، إلى جانب فرض رقابة عسكرية مشددة على الأخبار المتعلقة بها.
وأوضح “شلحت”، أن إسرائيل كونها دولة تعتمد على الهجرة، وتعتبر هذه المسألة جزءًا من أمنها القومي، خاصة وأنها دولة مدمنة على العنف والحروب المتكررة.
وأشار إلى أن الحرب على غزة، التي تعد أطول حرب تخوضها إسرائيل، هي العامل الأكثر تأثيرًا في زيادة الهجرة حاليًا، مضيفًا أن الحرب فتحت مواجهات عسكرية جديدة، أبرزها الجبهة الشمالية مع حزب الله، مما زاد من حدة الهجرة.
ورأى “شلحت” أن هذه الظاهرة تحمل دلالات خطيرة، وأبرز هذه الدلالات هو تحول إسرائيل إلى الدولة الأقل أماناً لليهود في العالم، وهو ما يضرب في صميم العقيدة الصهيونية التي تأسست عليها دولة الاحتلال.
وأعرب شلحت عن اعتقاده بأن فشل هذه العقيدة سيؤثر على مستقبل إسرائيل وعلاقتها باليهود في الفترة المقبلة، رغم صعوبة تحديد تداعيات ذلك بشكل دقيق في الوقت الحالي.
وأكد “شلحت” أن الهجرة من إسرائيل ليست مرتبطة فقط بالحرب على غزة، بل كانت سابقة لها. وأوضح أن هذه الهجرة تتفاقم نتيجة الانزياح السياسي في إسرائيل نحو اليمين المتطرف، الذي يعادي الفلسطينيين وكل من يخالفه الرأي، حتى داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه.
وأضاف أن حركة الهجرة تفاقمت بشكل ملحوظ مع تولي الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تعتبر الأكثر يمينية قوميًا ودينيًا، السلطة في نهاية عام 2022، خاصة بعد طرحها خطة لإصلاح الجهاز القضائي، والتي اعتبرها الكثيرون انقلابًا على القضاء وتكريسًا لديكتاتورية اليمين المتطرف.
وأوضح أن الهجرة تزيد من أزمة نقص الأعداد البشرية اللازمة للجيش، وهو أمر تجلى بوضوح خلال الحرب على غزة، حيث أثبتت الحاجة الماسة للجنود.
وفي ختام حديثه، أكد “شلحت” أن هجرة العقول لها تداعيات خطيرة على الاقتصاد، وتقلل من جاذبية إسرائيل لدى يهود الشتات، الذين تحرص إسرائيل على استقطابهم لضمان استمرار تطورها وللحفاظ على مكانتها في العالم، وخاصة في الغرب.