من سخريات القدر أن يصبح البوم والغربان هم من يملكون القرار ويقدرون الموقف ولهم حق الاستشارة في سورية، في غياب العقل وموت الضمير لدى حكام دمشق البغاة، الذين استباحوا الإنسان والحيوان والطير والشجر والحجر وكل ما يمت إلى سورية التاريخ والحضارة والمدنية بصلة، وانسلاخ عما يميز السوريين من قيم وأخلاق ورقة وشفافية ونخوة ورجولة ونجدة وإيثار ووفاء، ووضاءة وجه وطلاوة حديث وحسن عشرة وكرم ضيافة.
أقول إنه من سخريات القدر وسوء حظ السوريين أن يقف إلى جانب النظام الباغي في دمشق صفوي حاقد ينعق بكلمات التأييد والمباركة والتشجيع لهذا النظام الذي يقتل شعبه بدم بارد منذ ما يزيد على عام، بخلاف كل الناس الذين زكمت أنوفهم رائحة الموت التي تفوح من بيوت وشوارع وأزقة وأحياء وساحات كل مدينة وبلدة وقرية سورية، مطالبين بوقف نزيف الدم وكف يد القاتل، وهذا ليس جديداً على هؤلاء الحاقدين، فالتاريخ يحدثنا عما فعله المعز العبيدي بالشيخ الفقيه أبو بكر النابلسي عندما أُحضر إلى مجلسه مكبلاً يرفس بالأصفاد والحديد، حيث بادره المعز قائلاً: بلغني عنك أنك قلت: لو أن معي عشرة أسهم لرميت الروم بتسعة، ورميت المصريين (أي العبيدين) بسهم.
فقال الإمام النابلسي: ما قلت هذا، بل قلت: ينبغي أن نرميكم بتسعة ثم نرميهم بالعاشر.
قال: ولِمَ؟
قال: لأنكم غيرتم دين الأمة، وقتلتم الصالحين، وأطفأتم نور الإلهية، وادعيتم ما ليس لكم.
فأمر المعز بإشهاره في أول يوم، ثم ضُرب في اليوم الثاني بالسياط ضرباً شديداً مبرحاً. وفي اليوم الثالث، أمر جزاراً يهودياً بسلخه، فسُلخ من مفرق رأسه حتى بلغ الوجه، فكان يذكر الله ويصبر، حتى بلغ العضد، فرحمه الجزار اليهودي وأخذته رقة عليه، فوكز السكين في موضع القلب، فقضى عليه، وحشي جلده تبناً، وصُلب.
وما أشبه اليوم بالبارحة فهذا الصفوي الحاقد محمود أحمدي نجاد، المشكوك في شرعية وصوله إلى سدة الحكم في طهران من قبل الشعب الإيراني، يأبى إلا ان يكون إلى جانب الباغي وصوت الباطل الناعق من خلف الحدود تأييداً لجلاد سورية وطاغيتها، مشيداً – كما ذكرت وكالة رويترز – بالطريقة التي اتبعتها القيادة السورية في التعامل مع الانتفاضة التي بدأت قبل عام وقتل فيها الآلاف، وغيب الآلاف بين مفقود ومعتقل، وهجّر الآلاف بين مدن الوطن وإلى خارجه، معرباً، أثناء محادثات له مع نائب وزير خارجية النظام فيصل المقداد مبعوث الأسد الصغير، “عن سعادته البالغة بتعامل المسؤولين السوريين مع الأوضاع في بلادهم”.
وأضاف نجاد في حديثه لوسائل إعلام إيرانية “أن طهران ستبذل كل ما في وسعها لدعم أوثق حليف عربي لها”. واتهم الرئيس الايراني الغرب بالتآمر مع دول عربية للإطاحة بالقيادة السورية وتعزيز وضع إسرائيل في المنطقة.
وقال أحمدي نجاد “إنه لا توجد حدود لتوسيع الروابط مع سورية، وإن إيران ستفعل كل ما في طاقتها لمساندة هذا البلد”، وهذا ما يحصل على الأرض بالفعل حيث أقام هذا الصفوي جسراً برياً وآخر جوياً عير الأراضي العراقية وسمائها لتزويد النظام الباغي بأحدث ما تمتلكه إيران من أسلحة ووسائل قمع وأجهزة تشويش على الاتصالات والفضائيات ليقمع بها شعبه الثائر.
ومن جانب آخر خرج علينا الصفوي الحاقد نصر اللات في لهجة جديدة ونعيب مقزز مستبعداً سقوط النظام السوري بالخيار العسكري، داعياً الى حل سياسي يقوم على حوار بين السلطة والمعارضة، ولم نسمع من هذا الصفوي، في خطبه المتتابعة في تأييده ومباركته للنظام السوري ودعمه الميداني بالقتلة والشبيحة والخبراء والمدربين ووقوفه إلى جانبه في كل ما يقترفه من إجرام بحق شعبه، لم نسمع منه ولو لمرة واحدة كلمة حق أو نصيحة صديق صدوق يوجهها لحليفه الأسد الصغير، يطلب إليه فيها التوقف عن الحل الأمني الذي أثبت فشله وإخفاقه، حقناً للدماء والحفاظ على كيان الدولة السورية، والاعتراف بأن هناك أزمة حقيقية في سورية لا يمكن حلها إلا بالطرق السلمية والاستجابة إلى مطالب الشعب المحقة!
وبعكس ذلك قال نصر اللات في خطاب القاه عبر شاشة أمام حشد من أنصاره في الضاحية الجنوبية لبيروت “أنه من خلال الوضع الاقليمي والدولي فإن اسقاط النظام السوري بالخيار العسكري انتهى”. محذراً من أن “الرهان على العمل العسكري لإسقاط النظام هو رهان خاسر وأعباؤه كبيرة جداً، المزيد من نزف الدماء والضحايا والخسائر البشرية والمادية من الطرفين”.
نصر اللات يؤكد أن سقوط النظام بالخيار العسكري انتهى، ولكنه تغافل عن قول الحقيقة للوجه الثاني للأزمة بأن الحل الأمني أيضاً أخفق وانتهى وفشل في وقف الانتفاضة أو انحسار الثورة الشعبية، رغم كل أشكال القمع البشعة التي مارسها النظام بحق الشعب السوري وشبابه الثائر، وباستخدامه كل الأسلحة الجهنمية والمدمرة والفتاكة التي دفع ثمنها الشعب السوري من عرقه وجهده ليدافع بها عن حياض الوطن ويحرر الأرض، فقمع بها المنتفضين السلميين من أبناء شعبه، وهذه الأسلحة نفسها كانت إلى الأمس القريب مكدسة ورهينة في المستودعات تغط في نوم عميق وثبات مقيت، بانتظار الزمان والمكان لاستعمالها، ليس في مقارعة العدو وتحرير الأرض كما كان يدعي الأسد الصغير وأبيه من قبله، بل في قمع شعبه وقتله إذا ما فكر بالثورة على نظام البغي والاستبداد، وهذا ما حصل بالفعل ويحصل.