1:08 صباحًا / 23 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

“إخوان” مصر ولعبة “الشَّاطِر”!بقلم:جواد البشيتي

"إخوان" مصر ولعبة "الشَّاطِر"!بقلم:جواد البشيتي

في انتخابات برلمانية خَلَت من “التزوير”، إلاَّ من نوعه المسمَّى “تزوير إرادة الشعب”، واجتذبت إلى صناديق الاقتراع الخاصة بها غالبية الناخبين المصريين، هيمنت جماعة “الإخوان المسلمين”، وعَبْر ذراعها السياسية، حزب “الحرية والعدالة”، على البرلمان بمجلسيه؛ ثمَّ هيمنت على “الجمعية التأسيسية” المُكلَّفة بصياغة دستور جديد للبلاد؛ ومع إضافة “السلفيين (حزب “النور”)” إليهم، يصبح “الإسلام السياسي” هو القوَّة المهيمِنة هيمنة شبه تامة على “البرلمان” و”الجمعية”.

والآن، قرَّرت جماعة “الإخوان المسلمين” خوض انتخابات الرئاسة (في أيار المقبل) بمرشَّح خاص بها هو رجل الأعمال خيرت الشاطر، والذي من أجل أنْ يكون رئيساً للمصريين جميعاً، إذا ما فاز، استقال من منصبه الحزبي (منصب نائب المرشد العام للجماعة). وكانت “الجماعة” قد تعهَّدت، من قبل، بعدم ترشيح عضو منها لانتخابات الرئاسة؛ فهل “يَكْتَمِل العِقْد”، ويفوز الشاطر (الذي كان اسماً فأصبح صفةً الآن) بمنصب رئيس الجمهورية؟

لنبدأ الإجابة بما يُوافِق نظرية “المؤامرة”؛ فثمَّة من فَهِم وفسَّر هذا “القرار (المفاجئ)” على أنَّه ثمرة “مؤامرة” بين “الإخوان” و”المجلس العسكري الأعلى (الحاكم الآن)”؛ فترشيح الشاطر لانتخابات الرئاسة لن يؤدِّي إلى فوزه، ولا إلى فوز المرشَّح الرئاسي السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل، أو المرشَّح الرئاسي “الإخواني” عبد المنعم أبو الفتوح، والذي طُرِد من “الجماعة” عندما أعلن نيَّته الترشُّح للرئاسة قبل تخلِّي “الإخوان” عن تعهُّدهم بعدم السعي إلى منصب رئيس الجمهورية.

ترشيح الشاطر، وفق نظرية “المؤامرة” تلك، سيؤدِّي فحسب إلى فوز المرشَّح الرئاسي الذي يرضى عنه “المجلس العسكري”، والذي ما زال في “عِلْم الغيب”.

ومع صَرْف النَّظر عن نظرية “المؤامرة” تلك، يمكن أنْ نقول إنَّ فوز الشاطر ليس بالأمر السَّهل، أو المضمون؛ فنصف جماعة “الإخوان المسلمين” لم يؤيِّد ترشيحه؛ وثمَّة جمهور واسع من الناخبين المؤيِّدين لـ “الإسلام السياسي” سيصوِّت لمصلحة المرشَّح “الإخواني” المطرود عبد المنعم أبو الفتوح، أو المرشَّح السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل، أو لمصلحة غيرهما من مرشَّحي “الإسلام السياسي”.

وربَّما يتأثَّر الشاطر سلباً بتخلِّي “الإخوان” عن “تعهُّدهم” ذاك؛ فإنِّي أفْتَرِض أنَّ “التعهُّد” كان من الأسباب التي حَمَلَت كثيراً من الناخبين على التصويت لمصلحة “الإخوان” في الانتخابات البرلمانية؛ كما أنَّ أسباب وحيثيات ومبرِّرات التخلِّي عن هذا “التعهُّد” لم تكن مُقْنِعَة لكثير من المواطنين والناخبين؛ فـ “الجماعة” أعلنت “تعهُّدها” وكأنَّها تتكلَّم بـ “لغة المبادئ”، لا بـ “لغة السياسة”؛ فتعهُّدها لم يكن “مشروطاً”؛ ولَمْ تَقُلْ، مثلاً، إنَّها ستظلُّ ملتزمة تعهُّدها إلاَّ إذا..

ولِجَعْل فوزه أقل صعوبة، أو أكثر سهولة، يحتاج الشاطر إلى التغلُّب على ما يتسبَّب بتفتيت وبعثرة “الصوت الإسلامي”، كأنْ يتنازل له مرشَّحون إسلاميون كبار.

ومع الابتعاد أكثر عن نظرية “المؤامرة” تلك، والاقتراب أكثر من الفَهْم أو التفسير الذي لا يُضْرَبُ فيه صفحاً عن “الصراع”، أو “نزاع المصالح”، بين “الإخوان” و”المجلس العسكري”، يمكن أنْ نقول إنَّ سبب ذلك “القرار (المفاجئ)” يكمن في فشل مساعي وجهود وضغوط “الإخوان” لِحَمْل “المجلس العسكري” على أنْ يتنازل لهم عن جزء كبير من السلطة التنفيذية التي يمتلكها الآن، وبما يسمح لهم، من ثمَّ، بترجمة وزنهم البرلماني (والانتخابي والشعبي) بوزن حكومي مساوٍ، فتَذْهَب حكومة الجنزوري (المؤقتة) التي عيَّنها “المجلس العسكري (الحاكم)”، وتَحِلُّ محلَّها حكومة يهيمن عليها “الإخوان”، وتملك سلطة تنفيذية يُعْتَدُّ بها.

تلك المساعي والجهود والضغوط فشلت؛ لأنَّ “المجلس العسكري” أدرك أنَّ غاية “الإخوان” هي “الهيمنة على حكومة، تُهَيْمِن على القسم الأكبر والأهم من السلطة التنفيذية” في البلاد.

إنَّها غاية تصطدم بغاية مماثِلة لـ “المجلس العسكري (الحاكم)”؛ فهذا المجلس كان، وما زال، يسعى إلى أنْ يَنْقُل السلطة من يديه إلى أيدي مدنيين، على أنْ يَحْكُم هؤلاء المدنيون بما يجعلهم كـ “رأسٍ” تحرِّكه “الرَّقبة العسكرية”، أي “المؤسَّسة العسكرية”، و”المجلس العسكري الأعلى” على وجه الخصوص.

وكان “المجلس”، من ثمَّ، يريد شيئين من “الإخوان”، أوَّلهما أنْ يصوغوا (بما يتمتَّعون به من أكثرية في “الجمعية التأسيسية”) دستوراً جديداً للبلاد، يُضَمِّنونه من النصوص والبنود ما يَضْمَن لـ “المجلس” أساساً دستورياً لاحتفاظه بكل ما من شأنه أنْ يبقيه، أو يجعله، “دولة في داخل دولة”، وثانيهما أنْ يشارِك “الإخوان”، مع جمهورهم الانتخابي، في انتخابات رئاسة الجمهورية بما يَضْمَن فوز مرشَّح رئاسي، يرضى عنه “المجلس”، بمنصب رئيس الجمهورية، الذي ينبغي للدستور الجديد أنْ يمنحه من الصلاحيات والسلطات ما يسمح لـ “المجلس” بأنْ يَحْكُم من خلاله حُكْماً فعلياً؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ الحكومة ينبغي لها ألاَّ تملك من الصلاحيات والسلطات إلاَّ ما لا يتعارَض مع مصلحة “المجلس” هذه.

إنَّهما (“المجلس” و”الإخوان”) لا يختلفان على تقاسم السلطة في البلاد؛ وإنَّما على مَنْ تكون له “الكفَّة الراجحة”؛ ويكفي أنْ يعودا إلى “الاتِّفاق” حتى يذهب “اتِّفاقهما” بـ “الدولة المدنية”؛ فهذه الدولة لا تقوم لها قائمة إذا ما حكمها “العسكر” أو “رجال الدين”؛ فكيف إذا ما تَقاسَم حكمها الطرفان؟!

وعلى “الطرف الثالث”، الذي يتجاذبه “القطبان”، أنْ يَعْرِف كيف يلعب اللعبة بما يَمْنَع تَمخُّض صراع القطبين عن “اتِّفاق” جديد بينهما على تقاسُم السلطة، أو عن بقاء السلطة في يد “المجلس العسكري الأعلى” بذرائع شتَّى، أو عن انتقال السلطة إلى “الإخوان” من خلال فوز مرشَّحهم الرئاسي.

وعلى “الإخوان” ألاَّ يتَّخِذوا من “الانتخابات (غير المزوَّرة)” دليلاً على “ديمقراطية” نظام حكمهم؛ فإنَّ كل حُكْمٍ ديمقراطي يجب أنْ يأتي من طريق الغالبية الانتخابية (والشعبية) لكن ليس كل حُكْمٍ يأتي من هذه الطريق يجب أنْ يكون حُكْماً ديمقراطياً؛ والتاريخ يشهد على ذلك!

شاهد أيضاً

غسان جابر

قرار المحكمة الجنائية الدولية: انتصار للعدالة أم خطوة رمزية؟ بقلم : م. غسان جابر

قرار المحكمة الجنائية الدولية: انتصار للعدالة أم خطوة رمزية؟ بقلم : م. غسان جابر بعد …