البيت العربي يحترق، بقلم: شروق أحمد
“أن أقصر السبل إلى حل المشاكل هو المواجهة والوضوح، وقد تكون المواجهة قاسية لكنها أرحم من الهروب، وقد يكون الوضوح مؤلماً، لكنه أقل ضرراً من التجاهل”. ― فرج فودة, حوار حول العلمانية
من يشاهد فيلم تاريخي عن الوطن العربي في حقبة الحرب العالمية الثانية ويرى كيف تصرفت معظم القيادات العربية لن يصدق أن التاريخ أعاد لنا نفس هذه القيادات، بجلد آخر وشكل آخر لكن بنفس المواصفات والسطحية السياسة، لطالما كنت أسمع أن القائد يعلم ما يفعل أو الرئيس يعلم إلى أين يأخذ البلاد، ولكن بعد فترة زمنية من حياتي القصيرة بدأت أكتشف أن معظمهم إذا ما كان أغلبيتهم لا يعلمون شيء سواء ما يتم الكشف لهم من قبل القوى الغربية أو الخطط التي وضعها الغربي لترسيم العالم وغير ذلك لا علم لهم بما يحدث من حرائق في العالم، وما يحزنني كثيراً هو أن العرب منذ يوم خلقوا لم يتعلموا ابداً الدرس لذلك ترى الوضع هو نفسه منذ عدة قرون، الوضع الثقافي، المعيشي، الاجتماعي كله يدخل في بعضه، أغلب القيادات العربية ممتلئة البطون يتصرفون بنفس الطريقة مع كل الأحداث في حالة بيت يحترق أو البلد ككل يحترق، يتصرفون وكأن إطفاء هذا مثل ذاك، وكما هو اليوم الحريق الكبير الذي يلتهم الوطن العربي كما وأن منزل صغير يحترق في زوايا أحد الشوارع.
في الحرب العالمية الثانية أختار العرب الوقوف مع هتلر النازي فقط لإغاظة الإنجليز، وكما يحدث اليوم القيادات العربية ترى أن الحريق في الوطن العربي هو مجرد شيء آني علينا إطفائه بطفاية الحريق الصغيرة والعودة إلى حياتنا كما كانت قبل السابع من أكتوبر، وكما أختار العرب والحسيني في ذلك الوقت الخيار الآني والوقوف بكل قوة مع هتلر وكانوا في وقتها يتوقعون اطفاء نار بعيدة وحرب أوروبية لن تصل نارها لنا وكما كان المتوقع لأي عاقل في ذلك الوقت أن هتلر سيخسر الحرب وأنها ليست نار صغيرة بعيدة في أوروبا كما المنزل الصغير في آخر الناصية، لم يفكر العرب في ذلك الوقت أن هتلر النازي الوحشي الفاشي كان يسير خارج التاريخ وخارج الطبيعة الإنسانية، وكنا نتوقع أن يتعلم هؤلاء الدرس من التاريخ ولكن الواقع يقول أن العالم العربي لا يتعلم أبداً من تاريخه المظلم ولن يتعلم.
وكم يشبه اليوم حقبة الحرب العالمية الثانية، جميع القيادات العربية التي تختار اليوم أن تكون صامتة عن الحقيقة و السير في طريق مظلم مجدداً أكاد لا أصدق ان التاريخ يعيد نفسه ويعيد معه العرب الخيارات الخاطئة معه، اليوم وبشكل لا يمكن إخفائه أو طمسه إيران ومعها الملالي يقومون بإرهاب العرب وتخويفهم من أذرعها المنتشرة وبدل أن تقوم القيادات العربية بشكل جدي بمحاولة محاربة هذه النار التي تأكل الوطن العربي كله ونكاية بالسياسة الأمريكية التي تقوم على النأي بالنفس وخلق فراغ في الشرق الأوسط الذي بدأ يمتلئ بروسيا و الصين، بدأ العرب بتوقيع اتفاقية سلام مع ملالي إيران وأذرعها وكأن النار لن تصل لنا لأنها محدودة في غزة ولبنان ونكاية بإسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط لأن الحقيقة يجب أن تقال، أصبحت إيران الشقيقة لأننا نخاف من أذرعها ولأن الشارع العربي سيقبل بتسمية إيران شقيقة ولن يقبل أن تقال إسرائيل الشقيقة، وكما الأمس ها هو اليوم نريد السلام بدون أدنى شجاعة بل نقوم به بخجل واستحياء مع إسرائيل ، وبكل فخر مع إيران و أذرعها الحوثي وحزب الله والمليشيات العراقية، و إيران كما ألمانيا النازية قتلت الآلف من الفلسطينيين في مخيم اليرموك في سوريا، عذبت إيران وأحرقت الآلاف من السوريين، وقتلت رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري وعدد من الصحفيين المعارضين لها و للنظام السوري، سمير قصير، لقمان سليم و جبران تويني، وكما قتلت هشام الهاشمي والآلاف من العراقيين الذين عارضوا سياستها في بلدهم، إيران التي تقوم بإعدامات يومية على أساس عرقي في أراضيها، إيران التي تتفاخر بسيطرتها على أربع عواصم عربية وتقاتل حتى بآخر مواطن عربي لتحقق طموحها التوسعي حتى وصلت الآن إلى أفريقيا، وترى جميع القيادات العربية توجه كامل انتباهها إلى وقف أطلاق النار في غزة، وكأن الأمور ليست مرتبطة ببعضها.
القيادات العربية لم تمتلك يوماً رؤية طويلة الأمد واضحة وأي مشروع تريد على المدى الطويل، لأن القضاء على حماس وحزب الله والحوثي هو القضاء على مشروع إيران التوسعي، ولماذا دائما تختار هذه القيادات الحل الوسط الآني بدل الحل الجذري المؤلم والدائم، وللكثير من الصحفيين الليبراليين أو المتفتحين، والذين يدعون العودة إلى طاولة الحوار والمفاوضات، المفاوضات مع من حماس؟ حزب الله، إيران؟ لأن طاولة المفاوضات مع هذه الأذرع يعني الحوار مع إيران لأنهم موظفون لدى طهران وأي حل يتكلمون عنه؟ مع من وأين مع جماعات إسلامية تقول وبكل فخر أن الوطن العربي يجب أن يحكم على طريقة الخلافة؟ إذاً ما هو الحل السحري عند بعض المثقفين والصحفيين الذين يدعون إلى السلام لكن بدون أي خطة واضحة كل ما حفظوه هو كلمتين لطالما سمعتها “اليمين الإسرائيلي المتطرف هو كذلك لا يريد الحل” ونصمت عن يميننا المتطرف الذي هو الأغلبية الساحقة التي تدعو إلى قتل وحرق اليهود والمسيحيين هم كفار أليست هذه الحقيقة؟ لأن في إسرائيل مهما علا صوت اليمين هناك ديموقراطية حقيقية تستطيع أن تسكتهم بالانتخابات و المؤسسات الداخلية المتماسكة شأنا أم أبينا ولكن ماذا سنفعل مع اليمين المتطرف العربي من سيقوم بإسكاتهم وفرملتهم عندما يقررون القيام بأعمال إرهابية هل نملك الأدوات طبعاً لا، يميننا المتطرف أقسى وأشنع لأننا لا نستطيع التحكم به لأنه يحكم أصلاً والدليل السابع من أكتوبر، داعش في سوريا والعراق وقتل الكرد والإيزديات، المحرقة التي ترتكب بحق الأكراد يومياً، لذاك ولو لمرة واحدة أريد أن أرى قائد مثل السادات الذي تعاطى مع الحريق العربي على أساس حجمه وقوته و تعامل معه بالأدوات الصحيحة رغم بعض أخطائه إلى أنه عرف كيف يقود بلده والمنطقة إلى مرحلة رخاء وسلام حتى يوم قام اليمين العربي المتطرف باغتياله.
“لا أبالى إن كنت في جانب والجميع في جانب آخر، ولا أحزن إن ارتفعت أصواتهم أو لمعت سيوفهم، ولا أجزع إن خذلني من يؤمن بما أقول، ولا أفزع إن هاجمني من يفزع لما أقول، وإنما يؤرقني أشد الأرق أن لا تصل هذه الرسالة إلى من قصدت، فأنا أخاطب أصحاب الرأي لا أرباب المصالح، وأنصار المبدأ لا محترفي المزايدة، وقصاد الحق لا طالبي السلطان وأنصار الحكمة لا محبى الحكم، وأتوجه الى المستقبل قبل الحاضر، وألتصق بوجدان مصر لا بأعصابها، ولا ألزم برأيي صديقا يرتبط بي، أو حزبا أشارك في تأسيسه، وحسبي إيماني بما أكتب، وبضرورة أن أكتب ما أكتب، وبخطر أن لا أكتب ما أكتب .. والله والوطن من وراء القصد.”
فرج فودة، قبل السقوط