شفا – نظمت وزارة الثَّقافة، في مدينة رام الله، ندوتين أدبيتين، الأولى بعنوان ” السرد وألم الإبادة”، والثانية حول “الذاكرة والرواية”، وذلك ضمن فعاليات ملتقى فلسطين السابع للرواية العربية، في يومه الأول.
وشارك في الندوة الأولى كل من الكاتب والأكاديمي إيهاب بسيسو، والروائي والصحفي الفلسطيني أكرم مسلم، والناقد والأستاذ في الأدب العربي في جامعة بيرزيت عبد الكريم أبو خشان، والكاتب، رئيس المكتبة الوطنية عيسى قراقع.
وتحدث بسيسو عن العلاقة بين الذاكرة والأدب، “فهي حيوية وضرورية من أجل خلق هذه المساحات للإبداع، ولعل ما حدث في عام 1948 حفز كثيراً من الأقلام الفلسطينية للكتابة عن النكبة، ما يحدث اليوم في غزة لا يقل بشاعة عما حدث عام 1948 وكان تكرار الإبادة يحدث وفق آليات تكنولوجية جديدة يتفنن من خلالها الاحتلال في سياسات المحو، فكما فعل من إبادة قرى وقتل المئات، يفعل الآن في غزة”.
وأضاف: “علينا الانتباه لهذه اللحظة التاريخية، كما انتبه رواد الأدب الفلسطيني خلال القرن العشرين في كيفية كتابة الرواية ومواجهة سياسات المحو التي يقوم بها الاحتلال من خلال الكتابة، فنحن بحاجة لعقد النقاش للحديث عن الذاكرة والتاريخ وسياسات الاحتلال للمحو، وكيف يمكننا كمثقفين وكتاب مواجهة ذلك”.
من جهته، تناول قراقع تاريخ أدب الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال كأدب مقاومة، “إذ استطاع الأسرى من خلال تمسكهم بالحياة الثقافية في السجون تحدي الاحتلال الذي لاحق الثقافة والقلم والكتاب، فبالإرادة والإضراب انتزعوا حقهم بالحصول على القلم والكتاب، إذ انتظمت الجلسات الثقافية والقراءة في السجون”.
وأضاف أن فوز الأسير الفلسطيني، باسم خندقجي، بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) لعام 2024 عن روايته “قناع بلون السماء”، هو دليل على مدى تمسك الأسرى بهويتهم وحريتهم، إذ زخزت المكتبة الفلسطينية بأشعار وكتابات الأسرى ردا على الرواية الاسرائيلية.
بدوره، قال مسلم إن “هذه الحرب هي محاولة لإبادة الحكاية أيضا، فالحكاية تنزف كأنها إنسان، إذ أجاد الفلسطيني مهارة أفادته كثيراً، تمثلت بكفاءته في تحويل مأساته إلى حكاية حياة، لقد حدثت نكبة عام 1948 قبل شيوع الكاميرا، أما مجزرة صبرا وشاتيلا فوصلتها الكاميرا سريعاً، لكن في غزة الآن القتل يتم أمام الكاميرا تماماً. من عادة الحروب والمجازر أن تنفل عادية الأشياء وتفكك نظام الحياة، وتقترح خسارات غير مألوفة وغير مقروءة، وإن بدت كذلك، وبهذا تتأزم الكتابة، وتجاوبه أسئلة الجدوى فيما الكاتب في محنة، أما الناجون والرواة، والشخوص فليسوا في مأمن أبداً”.
وفي مداخلته قال أبو خشان: “لم يكن ميسوراً على الكاتب في فلسطين، أن يستعيد الحدث ليفترسه، ويخرج منه بقناعة الإحاطة دون مكابدة، فلطالما استطالت الحكاية على الخيال، وغدا السرد تناولاً مختزلاً بفعل هذه المكايدة، ولأن الأمر متعلق بحلقات متواصلة من تجاهل لإنسانية الإنسان، ومراكمات لرواية عديمة المصداقية، فإن فاجعة اكتشاف حجم التشويه تجعل من مغامرة الكتابة المضادة، وسردية المواجهة أمراً بالغ الصعوبة.
وتمحورت الندوة الثانية حول “الذاكرة والرواية”، وشارك فيها كل من الروائي صافي صافي، والروائي أحمد رفيق عوض، والناقد الأدبي تحسين يقين.
وتحدث فيها صافي عن أن “الذاكرة تشمل المكان والأشخاص والأحداث والشعور والتخيلات، وإذا كانت الرواية هي فن السرد، فكلنا كتب نفسه، وما الرواية إلا سيرة ذاتية، أو جزء منها، بالمعنى الواسع للمصطلح، بما يشمل فهم المجتمعات، والفلسفات وعلوم النفس، والسياسة، فالذاكرة ليست ما مضى، ولا ذاكرة الحاضر، ولا الذاكرة القصيرة والمتوسطة، فنحن نصنعها، نحن نبحث عنها”.
بدوره، تحدث عوض عن “الرواية الفلسطينية وعلاقتها بالذاكرة من حيث الاشتباك مع هذه الذاكرة ونقدها وهل الرواية أضافت أو حذفت من الذاكرة؟ فنحن نتحدث عن شعب هويته مجروحة، لذلك الفلسطيني الروائي عندما يكتب عن وطن وشعب، فهذه ذاكرة انتقائية فيها إرادة للكتابة، فالرواية أعادت تشكيل هذه الذاكرة”.
وفي مداخلته، قال يقين إن “الأعمال الأدبية الفلسطينية في معظمها تجلت فيها ساهرة الذاكرة، بما يتعلق بكونها زمناً فلسطينياً خاصاً بدءاً من عام النكبة، وفي تقديمه أشار إلى تجربة الكاتب الروائي صافي صافي كونه يحمل مشروعاً روائياً يرتكز على الذاكرة في رواياته جميعها، وتم تذكر الأعمال الإبداعية للكاتبين وكتاب آخرين، داعياً إلى لاهتمام بالزوايا المفصلية للأدب المعاصر.