بلينكن .. وأرقامه في بورصة حملة الإبادة! بقلم : موفق مطر
حق الانسان في الحياة والحرية والرأي والتعبير، وتطبيق ميزان العدل والمساواة، مبدأ لا يجادل فيه اثنان عاقلان، حق للأفراد والشعوب بدون تمييز، وهذا بالنسبة لنا قانون اخلاقي انساني يضبط رؤيتنا ومشاعرنا ومواقفنا من قضايا انتهاك حقوق الانسان، ليست المنظومة في القوانين والشرائع الدولية وحسب، بل المولودة معه، وباعتبارها المعنى الحق الأسمى لقداسة نفسه وروحه ودمه، فقيمة الانسان لا علاقة لها بالأرقام، ومن يفعل فإنما يسجل على نفسه ازدواجية كافية لتفنيد ادعاءاته في الدفاع عن الحريات والحقوق والديمقراطية وغيرها، ومن يميز بين فرد وآخر وشعب وآخر فقد اقر اصابته بداء العنصرية .
تكمن المشكلة أن الادارات الأميركية المتعاقبة، أنها تتعامل ليس بازدواجية وحسب، بل بانتقائية، لا سند لها في المنطق، ولا في المبادئ، ولا الاخلاق الانسانية، ولا في القوانين الدولية، انتقائية مدمرة لسياسة واشنطن، تنعكس سلبا على رؤية شعوب العالم وتقييمها للولايات المتحدة الأميركية، والمنظومة الضابطة لمسار حياة الشعب الأميركي، وأحدث مثال على ذلك ادارة الرئيس جو بايدن الحالية، ومن قبلها ادارة الرئيس السابق دونالد ترامب، فهذا الأخير ( ترامب) قد وصف خصمه اللدود الرئيس الحالي جو بايدن “بالفلسطيني السيئ” في تعبير يظهر حجم العنصرية في خلايا دماغ هذا الرجل المسؤولة عن التفكير والبصيرة رغم أن مصطلحات الشتائم وأوصاف التحقير التي سجلها كافية لأن تكون قاموسا ومرجعا لساسة يفهمون السياسة كما يفهمها! أما الادارة الحالية فإن وزير الخارجية بلينكن، أو المتحدثين باسم وزارته، أو الناطقين باسم البيت الأبيض، يخرجون علينا بين الحين والآخر، ويسمعوا العالم بصيغة نظرتهم اللاانسانية لشعب الفلسطيني، فقول بلينكن على سبيل المثال لا الحصر في مايو الماضي: ” إن الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين كبيرة ” ثم قوله قبل اسبوعين، وقبل يومين حول بحث تخفيف الخسائر البشرية بين المدنيين ” ثبت بالدليل القاطع أن هذه الادارة تنظر للشعب الفلسطيني عموما ككمية بشرية ! أي مجرد رقم لأشياء أو مواد ( سلعة ) يتم تداولها في (بورصة الحروب ) كما تتعامل مع منطق ومبدأ حقه في الحياة والحرية !! على مبدأ العرض والطلب !! وكأن دماء وروح ونفس الانسان الفلسطيني المقدسة كمثيلها في أي مكان في العالم ” ليست مهمة ” !!..
فإدارة البيت الأبيض في واشنطن ما زالت خاضعة لعقلية الدولة الاستعمارية العميقة، رغم كل الادعاءات المتعارضة، والتنظير والدعاية للحريات والديمقرامية وحقوق الانسان وغيرها مما في القائمة المخصصة لخداع العالم، والتموية على الأهداف الاستعمارية الحقيقية، المموهة بهذه المصطلحات النبيلة ! وينطبق على سياسة الحكام في البيت البيض قول الشاعر السوري اديب اسحاق :” قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر ..
وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر” ..ولو كان لدى الادارة نية الانتصار للإنسان الفلسطيني وحقوقه وحقه في الحياة، لضغطت وأجبرت حكومة نتنياهو على ايقاف حملة الابادة الدموية التدميرية فورا، ولأرغمت حكومة نتنياهو على الاقرار بحق الشعب الفلسطيني بقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، والانصياع للقانون الدولي، باعتبارها الآمر الناهي الأول والأخير، لكل ما يتعلق بقرارات ومستقبل ومصير منظومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والعنصرية (اسرائيل )..
لكن هذا الأمر ليس مرئيا حتى اللحظة في الأفق السياسي، فإدارة ترامب عملت على رسم واقع جديد للعالم، تحتل فيه الولايات المتحدة الأميركية صلاحية الأمم المتحدة وكل المنظمات والهيئات المنبثقة عنها، وتحديدا مجلس الأمن الدولي، وتسعى لإعادة تشكيل العالم بما يتوافق مع مصالحها الرأسمالية، بدون ادنى اعتبار للقوانين الدولية الناظمة للعلاقات بين الدول والشعوب في العالم، حتى الدول العظمى كالصين وروسيا الاتحادية لم تسلما من هذه السياسة التي قد تكون سببا في اشعال حرب عالمية جديدة ، مشبعة بإشعاعات (منهج عنصري ) انفجرت قنبلته الأولى لحظة غزو المستعمرين الأوروبيين للقارة الأميركية، وإبادة قبائل ( الهنود الحمر ) أهل البلاد الأصليين .. أما نحن فندرك هذه السياسة الأميركية، ونحذرها، ونحذر من خطورتها على فكرة ومبادئ السلام والاستقرار في بلادنا وفي العالم ايضا.