المؤسسات الدولية الإغاثية بين المهمات الإنسانية والسياسات الاحتلالية والدولية، بقلم : يحي قاعود
تنشط برامج ومشروعات المؤسسات الدولية الإغاثية في أراضي الصراعات الدولية، في مهمة إنسانية لتجنب المجتمعات ويلات الحروب والنزعات الدولية، ودعم قيم العدالة والتسامح. وفي فلسطين المحتلة صاحبة الصراع والسياسات الاحتلالية المستمرة، تعمل العديد من المؤسسات الدولية – الأوروبية- سواء بشكل منفرد أو بالشراكة مع المنظمات الأهلية، وتخصص غالبية المشروعات للفئات الهشة والشبابية.
وقد كان للمؤسسات الدولية قبل حرب الإبادة بقطاع غزة العديد من المشروعات والبرامج، والتي توقفت مع بدء الإبادة، وصولاً للاستغناء عن موظفيها وإغلاق مكاتبها، تبعاً للقرار السياسي للاتحاد الأوروبي الداعم لحق إسرائيل بالدفاع عن النفس. إذ كانت السياسة الأوروبية واضحة تجاه تمويل المجتمع المدني الفلسطيني؛ فبعد يومين سمن بدء الإبادة الجماعية أعلنت المفوضية الأوروبية عن مراجعتها العاجلة للمساعدات المقدمة من قبل الاتحاد الأوروبي إلى فلسطين، ورغم أن الاتحاد لم يجد دليلًا واحدًا على أن المساعدات تصرف في غير محلها، إلا أن العديد من المشروعات الإنسانية والاغاثية نقص تمويلها، وبعض المشروعات توقف تمويلها تمامًا.
أما على مستوى سياسة دول أوروبا ومؤسساتها؛ فكانت هي الأخرى أشد فتكا، خاصة المؤسسات الألمانية والبريطانية بحجة حرب الإبادة الدائرة، علقت المؤسسات مشاريعها وانشطتها ما يهدد بإنهاء عقود عمل العديد من موظفي تلك المؤسسات بقطاع غزة. كما أوقفت تمويل بعض المنظمات الأهلية الشريكة في القطاع، ما ينذر بتوقف عقود عمل العديد من الموظفين في المشروعات المشتركة.
لا شك أن المؤسسات الدولية ومشروعاتها وشراكاتها مع منظمات المجتمع المدني في قطاع غزة كغيرها من المؤسسات الدولية والإغاثية تعرضت للتدمير والقصف. ومع ذلك، تسريح الموظفين الذين يمتلكون خبرة العمل والتجربة في ظل النزاعات والصراعات، وتوقف مشروعاتها ينذر بكارثة إنسانية واجتماعية كبيرة، خاصة بعد قصف وتعطيل عمل كافة القطاعات الرسمية من قبل الاحتلال.
إن ملاحقة المؤسسات الدولية والأهلية في فلسطين ليس جديداً، وإنما سياسة احتلالية متجددة بهدف تدمير المجتمع وأية مؤسسات عاملة فيه. فقد لاحق الاحتلال قبل عامين ست مؤسسات فلسطينية تعمل في مجال الحقوق والاغاثة بتهمة “منظمات إرهابية”، كذلك أوقفت العديد من المؤسسات أعمالها كمنظمة الرؤية العالمية World Vision، والتي كانت تهتم في المشروعات الزراعية والأطفال، فقد انهت عملها بقطاع غزة في العام 2016 وسرحت 120 موظفاً بعد اتهامها بدعم وتمويل حركة حماس.
اليوم وفي ضوء استمرار الإبادة الجماعية المتصاعدة في القطاع، توقفت الكثير من مشاريع المؤسسات الدولية رغم الحاجة الماسة لعملها في محاولة لإنقاذ الفئات المهمشة، وهو ما يستدعي وقفة جادة لحث تلك المؤسسات للعمل وعدم الرضوخ لسياسات الدول والاحتلال على حد سواء، فهي تقوم على المبادئ القانونية والاغاثية من أجل المجتمعات. وما يتعرض له المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة من إبادة جماعية يفرض على المؤسسات الدولية توسيع مشروعاتها الإغاثية والإنسانية وإدارتها بما يخدم الفئات المجتمعية التي تتعرض للإبادة لا توقفها، ومطالبة الأمم المتحدة بحماية مشروعاتها وطواقمها العاملة في القطاع.