2:51 مساءً / 25 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

الأفارقة من حالة الأستعمار إلى محاولات الأندماج ومواجهة العنصرية، بقلم : مروان أميل طوباسي

الأفارقة من حالة الأستعمار إلى محاولات الأندماج ومواجهة العنصرية، بقلم : مروان أميل طوباسي

الأفارقة من حالة الأستعمار إلى محاولات الأندماج ومواجهة العنصرية، بقلم : مروان أميل طوباسي

في مباريات بطولة أمم أوروبا لكرة القدم التي انتهت قبل ايام قليلة والتي تابعها العديد منا كما في البطولات السابقة والعديد من الدوريات الأوروبية ، لربما هذه المرة بتفاصيل اكبر في محاولة منا غير حقيقية للهروب من شاشات اخبار جحيم مآسي شعبنا اليومية على اثر حرب الإبادة التي ينفذها الأحتلال التي لم يشهد التاريخ المعاصر مثيلاً لها من جهة ، وربما ايضا رغبة منا في فوز اسبانيا رياضيا وسياسيا بعد اعترافها بدولة فلسطين ، التي حظيت بكأس البطولة .

لقد بات يلعب اللاعبون من أصول أفريقية أدواراً حاسمة في تحقيق الانتصارات لفرق الأندية والمنتخابات الأوروبية . هذه الظاهرة من وجود ودور الأفارقة في أوروبا لا تقتصر على كرة القدم فقط ، بل تمتد إلى مجالات أخرى مثل المشاركة بالانتخابات الأوروبية البرلمانية والبلدية ، حيث يشارك الأفراد من أصل أفريقي بل وعربي بنشاط ونجاح ويصل عدد منهم الى المواقع القيادية والتمثيلية في محاولة لإثبات مكانتهم ودورهم كشعوب تعرضت للأضطهاد والأستعمار الأوروبي من بين شعوب الدول التي تم اضطهادها عبر التاريخ ، وهي اليوم تتحدى بقوة هذا السياق .

العديد من افراد تلك الشعوب الافريقية أصبحوا اليوم عنصراً أساسياً في نجاحات مجتمعات بعض الدول الأوروبية التي ما زالوا يعانون فيها آفة العنصرية البيضاء الأوروبية من متطرفين اليمين السياسي والأجتماعي الذين يرفعون شعارات معاداة الأفارقة والاقليات الاثنية التي لجئت الى أوروبا بفعل عوامل مختلفة ، منها بؤر الحروب والفقر والبطالة في محاولة للبحث عن حياة افضل ، كما فعل العديد من شباب غزة خلال العقد الأخير عبر رحلات الموت عبر البحر واللجؤ الى جنوب أوروبا .

— السياق التاريخي بين الإستعمار والهجرة .


تسبب الإستعمار الأوروبي البشع لأفريقيا ، الذي بلغ ذروته في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، في اضطرابات اجتماعية واقتصادية وسياسية كبيرة في المجتمعات الأفريقية . فقد قامت دول مثل فرنسا وبريطانيا وبلجيكا والبرتغال وهولندا بإنشاء مستعمرات ، مستغلة الموارد والمصادر فيها والاستيلاء عليها من خلال فرض حكومات متعاونة وموالية ارتكبت أبشع الجرائم بحق الشعوب نفسها هنالك واتباع اساليب الانقلابات وحروب القبائل التي اشاعتها دول الإستعمار سابقا ، مما ترك إرث الاستعمار هذا آثاراً لا تمحى فيها بسهولة حتى اليوم ، بما في ذلك الهجرات القسرية وإنشاء جاليات أفريقية في أوروبا ، كما وما تبقى من بؤر التوتر والصراعات في افريقيا حتى الان .

بعد الحرب العالمية الثانية، شهدت أوروبا موجات من الهجرة من أفريقيا، حيث سعى الكثيرون إلى حياة أفضل في القارة الأوروبية التي عمل الأوروبيين على افقارها في سياق سياسات سيطرة الشمال على الجنوب . حيث ساهمت هذه الهجرات في تشكيل مجتمعات متماسكة الى حد ما من الأفراد ذوي الأصول الأفريقية في الدول الأوروبية ، وبدأ أبناء هذه الجاليات في محاولات الاندماج والمشاركة في مختلف المجالات ، بما في ذلك الرياضة والسياسة والاقتصاد .

— كرة القدم كمنصة للتأثير ،


كرة القدم وهي الرياضة الأكثر شعبية في العالم أصبحت منصة هامة لأبناء الجاليات الأفريقية ومنها العربية لإظهار مهاراتهم وإحداث تأثير كبير . اللاعبون من أصول أفريقية مثل كيليان مبابي في فرنسا، روميلو لوكاكو في بلجيكا، ورحيم سترلينغ في إنجلترا وغيرهم الكثير أصبحوا نجوماً عالميين يلعبون دوراً محورياً في نجاحات فرق الدول الأوروبية او انديتها .

حيث تأتي هذه النجاحات في سياق تاريخي كانت الدول الأوروبية تسيطر على الأراضي الأفريقية وتستغل مواردها . اليوم ، نرى مفارقة مثيرة للاهتمام ، أبناء هذه الشعوب المستعمَرة سابقاً يسهمون بشكل كبير في تحقيق الانتصارات والبطولات لهذه الدول ويتربع عدد منهم على عرش البطولات ويستأثرون بالأداء الكروي بنجاح .

— باتريس لومومبا ومانديلا والمقاومة ضد الاستعمار والعنصرية ،


وهنا لا يمكن الحديث عن التحول من الاستعمار إلى التحرر والاندماج والتعاون النسبي دون ذكر شخصيات تاريخية مثل باتريس لومومبا، الزعيم الكونغولي الذي قاد بلاده نحو الاستقلال عن بلجيكا. لومومبا كان رمزاً للمقاومة الأفريقية ضد الإستعمار الأوروبي ، حيث دعا إلى الإستقلال التام ورفض السيطرة الإستعمارية مما جعله رمزاً للكفاح الوطني الديمقراطي من أجل الحرية والكرامة والاستقلال .


كانت نظرته واضحة حول ضرورة استقلال بلاده والتحرر من الاستغلال والهيمنة الأوروبية ، ولكنه دفع ثمناً باهظاً لذلك حيث تم اغتياله في عام ١٩٦١ بتورط المخابرات المركزية الأمريكية . وعلى الرغم من نهايته المأساوية تبقى رؤيته ومثاله مصدر إلهام للأجيال الأفريقية وقوى التحرر بالعالم ومنها حركتنا الوطنية الفلسطينية .

كما ان تجربة كفاح حزب المؤتمر الوطني في جنوب افريقيا بزعامة نيلسون مانديلا ورفاقه ضد الابرتهايد ونجاحهم في تحقيق اسقاطه وتحرر شعوبهم نحو العدالة ما زالت ايضا ماثلة أمامنا خاصة مع الاتهام الذي وجهته بلد مانديلا بحق دولة الأحتلال بالمحاكم الدولية ، في زمن تكرر فيه دولة الأحتلال تجربة التمييز العنصري بحق شعبنا من جديد.

— أثر اللاعبين الأفارقة على الهوية الوطنية الأوروبية ،


ساهمت نجاحات اللاعبين من أصول أفريقية في تشكيل الهوية الوطنية في الدول الأوروبية بطرق جديدة . أصبح هؤلاء اللاعبون رموزاً للتعددية والاندماج ، وقد غيروا نظرة العديد من الناس تجاه المهاجرين وأبناء الجاليات الأفريقية. الإنجازات التي حققها هؤلاء اللاعبون تعكس قيم التعاون والشمولية، وتعزز الروابط بين الشعوب المختلفة.

— التحديات والمستقبل ، الجانب الآخر من التعاون ،


الا انه وبرغم النجاحات الكبيرة، لا تزال هناك تحديات تواجه اللاعبين والمواطنين من أصول أفريقية هنالك ، بما في ذلك التمييز العنصري والتحيزات المجتمعية من جانب مؤيدي اليمين الأوروبي المتطرف والشعبوي المناهض للهجرة والتعددية والاقليات . بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من هذه النجاحات، لا يزال هناك نظرة استغلالية من بعض الدول الأوروبية تجاه أفريقيا. الانتقال من الاستعمار التقليدي إلى أشكال جديدة منه من خلال السيطرة الاقتصادية والسياسية يظهر في العديد من السياسات والممارسات التي تنتهجها الدول الأوروبية تجاه الدول الأفريقية. الاستغلال الاقتصادي للموارد الطبيعية ومنها الذهب والماس ، الشروط التجارية غير المتكافئة، والتدخلات السياسية، كلها تمثل أوجه جديدة للعلاقة الاستعمارية القديمة.

لذا ، وبالرغم من أن أبناء أفريقيا يساهمون بشكل كبير في بناء ونجاح المجتمعات الأوروبية، فإن الطريق نحو تحقيق تعاون واندماج حقيقي ومتوازن لا يزال طويلاً . يتطلب التخلص من افكار التميز العنصري الذي تتبناه احزاب اليمين الأوروبي المتطرف والشعبوي والتي تحقق اليوم تقدما بالقارة الأوروبية يأخذها الى المجهول من الصراع وتفتت وحدتها ، كما واعترافاً بالحقوق المشروعة للدول الأفريقية وضرورة تحقيق العدالة الاقتصادية والسياسية.

في الختام، تعد قصة اللاعبين ذوي الأصول الأفريقية الذين يحققون الانتصارات للدول الأوروبية بمثابة رمز للتغيير والتحدي . إنها تعكس رحلة طويلة من الاستعمار إلى الاندماج نحو انجاح افكار التحرر والتعاون والأعتراف بالآخر ، وتبرز أهمية التعددية والاندماج في بناء مجتمعات متقدمة أكثر قوة ووحدة. في نهاية المطاف، تسهم هذه النجاحات في تعزيز الفهم والتقدير المتبادل بين الشعوب الذي يتوجب على الشعوب الأوروبية الاصلية فهمه وادراكه ، مما يمهد الطريق لمستقبل أكثر إشراقاً للجميع واكثر عدالة بين الشمال والجنوب من الكرة الارضية .

ومع ذلك ، يجب على أوروبا أن تعيد النظر في علاقاتها مع أفريقيا، ليس فقط على مستوى كرة القدم، بل في كافة الجوانب لتحقيق تعاون حقيقي ومستدام مبني على الاحترام المتبادل وحقوق الشعوب بالمساواة والعدالة كما في تقرير المصير .

شاهد أيضاً

الثقافة وبلدية البيرة تفتتحان ورشة تدريبية حول مهارات التسويق للمشاريع متناهية الصغر

الثقافة وبلدية البيرة تفتتحان ورشة تدريبية حول مهارات التسويق للمشاريع متناهية الصغر

شفا – افتتحت وزارة الثقافة وبالتعاون مع بلدية البيرة اليوم الإثنين، ورشة تدريبية بعنوان “مهارات …