شفا – قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن استخدام الجيش الإسرائيلي الكلاب البوليسية لمهاجمة المدنيين الفلسطينيين خلال عملياته الحربية في قطاع غزة، إلى جانب استخدامها في ترويع ونهش واغتصاب الأسرى والمعتقلين في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية يعد سلوكًا ممنهجًا ومتبعًا بشكل واسع النطاق.
وأفاد الأورومتوسطي أن فريقه الميداني وثق عشرات الحالات التي استخدمت فيها القوات الإسرائيلية الكلاب البوليسية الضخمة خلال عملياتها الحربية في قطاع غزة، لا سيما خلال مداهمة المنازل والمستشفيات ومراكز الإيواء.
وأوضح أن استخدام الكلاب ضد المدنيين يأخذ عدة أشكال، منها استخدامها بعد وضع كاميرات مراقبة على ظهرها في استكشاف المنازل والمنشآت قبل مداهمتها، فيما تهاجم هذه الكلاب بشكل متكرر مدنيين وتنهشهم عند عمليات الاقتحام، دون أي تدخل من أفراد الجيش الإسرائيلي الذين غالبًا ما يأمرون الكلاب بمهاجمة المدنيين ومن ثم يستهزئون بهم، بحسب الإفادات.
وأكد أن استخدام الكلاب خلال مداهمة المنازل أمر بات منهجيًّا من الجيش الإسرائيلي، مبينًا أن حادثة الاعتداء على المسنة “دولت الطناني” التي انتشر مؤخرً مقطع مصور لنهش كلب لها في مدينة غزة ليست حالة منفردة، وأن حالتها برزت كونه صادف توثيقها بمقطع فيديو ونشره.
وقالت “دولت الطناني” (60 عامًا)، والتي هاجمها كلب تابع للجيش الإسرائيلي في منزلها بتاريخ14 مايو/أيارالماضي في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، لفريق الأرومتوسطي: “كنت نائمة في منزلي الذي رفضت أن أغادره بعدما توغل الجيش الإسرائيلي في مخيم جباليا، واستيقظت على صوت قوات إسرائيلية دخلت منزلي بعد تفجير في الجدار، وخلال لحظات هاجمني كلب على ظهره كاميرا وبدأ بعضي ونهشي كتفي ووصلت أنيابه إلى عظمي، وسحبني إلى الخارج، كنت أصرخ بشدة والجنود يضحكون ولم يقدموا إليّ أي مساعدة أو علاج، وبعد أن استمر الكلب في نهشي وأنا أصرخ تدخل أحد أقاربي الذي كان في المنزل ودفع الكلب بعكازه. كنت أنزف بشدة واستطاع قريبي إغلاق باب الغرفة وصرخ على الجنود لمساعدتي دون جدوى، فعمل على وقف نزيف الدم بغطاء الرأس، وفي اليوم التالي نقلت إلى مستشفى “اليمن” ومنه إلى مستشفى “كمال عدوان” و”العودة”، ولكن الخدمات الصحية كانت محدودة وعملوا لي جبيرة وحتى الآن أعاني من هذه الإصابة”.
وبيّن الأورومتوسطي أنه تلقى شهادات عن استخدام كلاب الجيش الإسرائيلي في اقتحام المستشفيات، حيث أقدمت على نهش النازحين وجثامين القتلى التي كانت في ساحة المستشفيات أواخر عام 2023، وكذلك خلال الاجتياح الأخير لمجمع “الشفاء” الطبي في مارس/آذار 2024.
وأفاد “يوسف فزع” (67 عامًا) لفريق الأورومتوسطي: ” حوالي الساعة التاسعة صباحًا، اقتحمت القوات الإسرائيلية عمارة اليوسف محيط مستشفى الشفاء. فتح الجندي باب الشقة وأدخل كلبًا أسود، هجم علي وعضني في صدري، ومزق قدمي وسحبني من أول الشقة لآخرها. وبعد وقت، سحبه أحد الجنود عني بعد أن نزفت كمية كبيرة من الدماء.”
وأفادت امرأة طلبت عدم ذكر اسمها: “اقتحمت القوات الإسرائيلية منزلنا، وبمجرد فتح الباب، أطلقت الكلب داخل الشقة، فهاجم زوجي المسن، وعضه من صدره وبطنه ورجله، ونزف كمية دماء كبيرة دون أن يفعل الجيش أي شيء.”
وأفادت “م. س”، وهي أم لطفلة في الثانية من عمرها: ”اقتحمت القوات الإسرائيلية منزلنا، وأدخلت الكلاب، وهاجمتنا، كان الوضع مرعبا، أخرجونا ثم قتلوا جد زوجي وعمه وأجبرونا على التوجه للجنوب”.
وأشار المرصد الأورومتوسطي هذا الصدد إلى شهادة الطبيبة “إسلام صوالي” خلال شهر فبراير الماضي، والتي أكدت أن الجيش الإسرائيلي استخدم الكلاب في اقتحام مستشفى “ناصر” في خانيونس خلال فبراير، لترويع الطواقم الطبية والنازحين وإجبارهم على إخلائه قسرًا.
وذكر الأورومتوسطي أن فريقه الميداني وثق استخدام الكلاب في مهاجمة وترويع الأطفال والنساء خلال اقتحام مراكز الإيواء في مراحل مختلفة من العمليات البرية للجيش الإسرائيلي في مدينة غزة وشمالها وخانيونس.
وأكد الأورومتوسطي أنه وبحسب ما وثقه فريقه، فقد كان أخطر وأكثر أشكال استخدام الكلاب البوليسية فظاعة وبشاعة ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين دون أي قيود أو محظورات، وصلت إلى حد استخدامها في اغتصاب أسرى ومعتقلين على مرأى زملاء لهم، ضمن جرائم العنف الجنسي المنهجي ضد الأسرى والمعتقلين، والذي اشتملت على التعرية والتحرش الجنسي أو التهديد بالاغتصاب واستخدام آلات حادة ووضعها في مؤخرات أسرى ومعتقلين.
وأبرز المرصد الأورومتوسطي أنه تلقى شهادات قاسية من معتقلين مفرج عنهم، تؤكد الدور الوحشي وغير الإنساني في استخدام الجيش الإسرائيلي للكلاب لاغتصاب الأسرى والمعتقلين، منها شهادة المحامي “فادي سيف الدين بكر” الذي أفرج عنه في 22 فبراير/شباط الماضي، بعد اعتقال دام 45 يومًا.
حيث قال لفريق الأورومتوسطي: “احتجزوني داخل مبنى يُسمى «الحفّاضات» وأجبرت على ارتداء الحفاضات ليومين، ثم دفعوني إلى غرفة مغلقة، لا يوجد فيها ضوء ورائحتها عفنة، يتوسطها كرسي حديد. «جلست عليه، وربط الجنود ذراعيّ. كنت أتحدث بشكل طبيعي قبل أن أفقد الوعي لبعض الوقت.
عدت إلى الوعي لأجد قدمي قد انفجرت من شدة الكهرباء، حينها أعطاني الطبيب العسكري “حبة أكامول”، ولعدم قدرتي على الحركة أو الحديث، أعادني الجنود إلى “كونتينر” الحظيرة. ساعات قليلة مكثتها في الحظيرة قبل أن يندفع الجنود، وينقلوني عبر جيب عسكري برفقة شابين آخرين إلى مكان مختلف، وهناك أزال الجنود لأول مرة العصبة عن عيوننا. بقوة شديدة سحب الجنود الشاب الموجود يميني، وأجبروه على النوم على الأرض، وربطوا يديه وقدميه. وفجأة أطلق جنود الاحتلال الكلاب البوليسية المدربة على الشاب، ليمارسوا معه أبشع أنوع الجنس جملة وتفصيلاً، هذه من أصعب اللحظات التي رأيتها في كل التعذيب الذي تعرّضت له، كله كوم وهذا التعذيب كوم آخر، كنت أتمنى الموت على أن يحدث لي هذا الأمر، وقال لي أحد الجنود جهز نفسك، وبقدرة الله وحوله، وقع حدث أمني في محيط السجن، وبسرعة انتهت مرحلة التعذيب التي مورست على شاب واحد منا فأعادونا مرة ثانية إلى الحظيرة”.
وأفاد المعتقل المفرج عنه “حسن أبو ريدة”، (36)عامًا:”نقلوني مع معتقلين آخرين إلى أحد السجون، عند وصولنا ألقونا على الأرض وجعلوا الكلاب تتبول علينا وكذلك قام أحد الجنود بضربي بماسورة حديدية على رجلي اليمين في منطقة الركبة وما زلت أعاني من هذه الإصابة”.
وأفاد الطبيب “حامد أبو الخير”، الذي اعتقله الجيش الإسرائيلي من مستشفى الشفاء في غزة: “كانت فرق عدة تتناوب علينا، منها فرقة القمع التي كانت تأتينا مرتين في الأسبوع وتدخل علينا بعنف، وتبدأ بإلقاء القنابل الصوتية نحونا وحولنا، وتطلب منا النوم على البطن، ورفع أيدينا للأعلى وابقاءهما مفتوحتين، ويتم تعذيبنا بالترتيب أحيانًا، وبطريقة عشوائية أحيانًا أخرى، عن طريق إطلاق الكلاب علينا، وغالبا ما كنا نتعرض لأذى الكلاب، كالنهش والجرح، ومنا من عضته الكلاب بشكل كبير، وكنا نستمع إلى صوت العظم وهو يتكسر، من شدة التعذيب، حتى أنهم كانوا يعتدون علينا بقضبان حديدية وضربنا بها، وجزء كبير من المعتقلين كانوا يصابون بالاختناق وتكسير في عظام القفص الصدري”.
وشدد الأورومتوسطي على أن ممارسة جيش الإسرائيلي الاحتلال هذه الاعتداءات الوحشية ضد المدنيين الفلسطينيين وترويعهم والاعتداء على كرامتهم وتعمد إلحاق الألم والمعاناة الشديدة لديهم على هذا النحو، يصل إلى حد ارتكابها لجرائم التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والاغتصاب والعنف الجنسي الخطير، وهي جرائم قائمة بحد ذاتها وتقع ضمن نطاق جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، بحسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وأشار الأورومتوسطي أن تلك الانتهاكات تأتى في سياق أفعال جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة منذ السابع من تشرين أول/ أكتوبر من العام الماضي.
كما أن العنف الجنسي، والذي وصل إلى درجة خطيرة وصلت حد استخدام كلاب في اغتصاب أسرى ومعتقلين هو من الجرائم المروعة والخطيرة والمسكوت عنها، والتي تتطلب تحقيقًا عاجلًا وضمان وقفها والمحاسبة عليها.
ويطالب الأورومتوسطي المجتمع الدولي بالاضطلاع بالتزاماته القانونية الدولية بوقف جريمة الإبادة الجماعية وكافة الجرائم مكتملة الأركان التي ترتكبها إسرائيل منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي ضد جميع سكان قطاع غزة، بمن في ذلك الأسرى والمعتقلون، وتفعيل أدوات الضغط الحقيقية لإجبارها على التوقف عن ارتكاب هذه الجرائم فورًا، والضغط عليها للامتثال لقواعد القانون الدولي وحماية المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة.
ودعا الأورومتوسطي المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل للتوقف فورًا عن ارتكاب جريمة الإخفاء القسري ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة، والكشف الفوري عن جميع معسكرات الاعتقال السرية، والإفصاح عن أسماء جميع الفلسطينيين الذين من تحتجزهم من القطاع، وعن مصيرهم وأماكن احتجازهم، وبتحمل مسؤولياتها كاملةً تجاه حياتهم وسلامتهم.
وحث الأورومتوسطي المقرر الخاص المعني بمسألة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والفريق العامل في حالات الاحتجاز التعسفي بإجراء تحقيق فوري ومحايد في ظروف احتجاز جميع الأسرى والمعتقلين في السجون ومراكز الاحتجاز الإسرائيلية منذ بدء إسرائيل حربها على قطاع غزة، بمن في ذلك الذين قتلوا داخلها، واتخاذ الخطوات المناسبة لمحاسبة المسؤولين وإنصاف الضحايا