فلسطين تواجه أزمة مالية خانقة: استراتيجيات للتغلب على “الصيف الساخن”، بقلم : د. عماد سالم
تشهد فلسطين أزمة مالية حادة تتزامن مع انكماش اقتصادي خطير، نتيجة احتجاز إسرائيل لأكثر من 6 مليارات شيكل من أموال المقاصة. هذا الوضع يزيد من تعقيدات التحديات التي تواجهها الحكومة الفلسطينية في تلبية التزاماتها المالية. في هذا السياق، تصبح الحاجة إلى تبني إجراءات عاجلة واستراتيجية للتخفيف من حدة الأزمة ضرورة ملحة لضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
خلفية الأزمة
تحتجز إسرائيل أموال المقاصة الفلسطينية، والتي تشكل حوالي 65% من إجمالي الإيرادات العامة الفلسطينية. هذه الأموال هي عائدات الضرائب التي تجبيها إسرائيل على البضائع الواردة إلى الأراضي الفلسطينية من خلال المعابر التي تسيطر عليها. رغم ارتفاع القيمة الاسمية لإيرادات المقاصة من حوالي 1.7 مليار دولار أمريكي في عام 2013 إلى 3.2 مليار دولار في عام 2023، إلا أن استخدام إسرائيل لهذه الأموال كأداة للضغط السياسي والاقتصادي أدى إلى تفاقم الأزمة المالية الفلسطينية.
الضغوط الدولية والإقليمية
تتمثل الخطوة الأولى في مواجهة هذه الأزمة في تعزيز الضغوط الدولية على إسرائيل للإفراج عن أموال المقاصة المحتجزة. يجب على الدبلوماسية الفلسطينية تكثيف جهودها مع الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، والدول العربية، لتأكيد عدم قانونية هذه الاقتطاعات والمطالبة بالإفراج الفوري عن هذه الأموال. الضغط الدولي يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في تخفيف حدة الأزمة المالية وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.
استخدام المنصات الدولية: التوجه إلى المحاكم الدولية، مثل محكمة العدل الدولية، لرفع قضايا ضد إسرائيل بسبب خرقها للاتفاقيات الدولية، بما في ذلك بروتوكول باريس الاقتصادي.
تنويع مصادر الإيرادات
في ظل الاعتماد الكبير على أموال المقاصة، يجب البحث عن بدائل لزيادة الإيرادات المحلية. يمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز القطاعات الإنتاجية والزراعية وذلك من خلال تقديم حوافز للمزارعين والمستثمرين في القطاع الزراعي لزيادة الانتاجية وتحسين جودة المنتجات المحلية، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي من خلال تحسين البيئة الاستثمارية من خلال إزالة العقبات البيروقراطية، تقديم تسهيلات ضريبية وحوافز مالية لجذب الاستثمارات.
وتحفيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة. تنويع مصادر الإيرادات يمكن أن يوفر مخرجًا من الاعتماد الكبير على أموال المقاصة ويعزز الاقتصاد الوطني. تحسين البيئة الاستثمارية من خلال إزالة العقبات البيروقراطية وتقديم حوافز استثمارية يمكن أن يجذب المزيد من الاستثمارات ودعم الاقتصاد الوطني.
ترشيد الإنفاق الحكومي
الترشيد المالي بات ضرورة ملحة في ظل الأزمة الحالية. يجب اتخاذ إجراءات صارمة لخفض الإنفاق غير الضروري، مثل وقف شراء المركبات الجديدة، تقليل استخدام المركبات الحكومية ووقف شراء المعدات غير الأساسية، والحد من السفر الرسمي غير الضروري. تقليص النفقات التشغيلية يمكن أن يساعد في توجيه الموارد المتاحة نحو الأولويات الأكثر إلحاحًا مثل الرواتب والخدمات الأساسية. هذا النهج يتطلب إدارة مالية صارمة وشفافة لضمان تحقيق أفضل استخدام ممكن للموارد المحدودة، وتحسين الكفاءة الإدارية من خلال تطبيق أنظمة إدارة مالية صارمة وشفافة لضمان تحقيق أفضل استخدام ممكن للموارد المتاحة.
تفعيل الدعم العربي والدولي
يتطلب الوضع الحالي زيادة التعاون مع الدول العربية والدول الصديقة للحصول على دعم مالي طارئ. يجب على الحكومة الفلسطينية تكثيف جهودها لإقناع المانحين الدوليين بتقديم مساعدات مالية مباشرة للموازنة. الدعم الخارجي يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في تخفيف الأزمة المالية وتحقيق استقرار نسبي في الاقتصاد. زيادة الشفافية في كيفية استخدام المساعدات وضمان توجيهها نحو الأولويات الوطنية يمكن أن يعزز ثقة المانحين ويشجعهم على تقديم المزيد من الدعم.
وجذب المساعدات الدولية من خلال تكثيف الجهود لإقناع المانحين الدوليين بتقديم مساعدات مالية مباشرة للموازنة، مع ضمان الشفافية في استخدام هذه المساعدات.
تحسين كفاءة التحصيل الضريبي
تحسين كفاءة تحصيل الضرائب المحلية يمثل خطوة مهمة في زيادة الإيرادات. يجب تعزيز أنظمة تحصيل الضرائب واتخاذ إجراءات لمنع التهرب الضريبي، مع تحسين الشفافية في إدارة الإيرادات. الإجراءات الضريبية الفعالة يمكن أن توفر دخلاً إضافيًا يعزز المالية العامة. تبني أنظمة إلكترونية حديثة لتحصيل الضرائب يمكن أن يزيد من كفاءة وشفافية العملية ويقلل من الفساد.
التواصل مع القطاع الخاص
إشراك القطاع الخاص في الجهود الوطنية لتحفيز الاقتصاد هو أمر ضروري. يجب توفير تسهيلات وحوافز لتشجيع الاستثمار وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص. الدعم والتعاون مع القطاع الخاص يمكن أن يساهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام. خلق شراكات بين القطاعين يمكن أن يؤدي إلى تطوير مشروعات كبرى تساهم في النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل جديدة.
خطط الطوارئ
إعداد خطط طوارئ للتعامل مع السيناريوهات الأسوأ بات ضرورة ملحة. يجب توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية والحفاظ على استقرار الأمن الغذائي والطاقة. خطط الطوارئ تضمن الاستجابة السريعة والفعالة للأزمات الطارئة وتخفف من تأثيراتها السلبية. التخطيط للطوارئ يجب أن يشمل جميع القطاعات الحيوية وأن يكون شاملاً ويتضمن آليات تنفيذية واضحة.
تعزيز الدعم الاجتماعي
في ظل الظروف الراهنة، تأمين برامج الدعم الاجتماعي للفئات الأكثر تضررًا يعتبر من الأولويات. يجب تقديم مساعدات نقدية وغذائية للأسر الفقيرة والعاطلين عن العمل لضمان استقرارهم المعيشي. البرامج الاجتماعية تعزز التضامن الاجتماعي وتساهم في الحفاظ على استقرار المجتمع. زيادة الدعم المقدم للأسر الفقيرة وتحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية يمكن أن يخفف من آثار الأزمة على الشرائح الأكثر هشاشة في المجتمع.
إصلاحات هيكلية
للتغلب على الأزمة على المدى البعيد، يجب النظر في إصلاحات هيكلية لتعزيز الاقتصاد. يجب تحسين بيئة الأعمال وإزالة العقبات البيروقراطية وتحسين بيئة الأعمال لجذب المزيد من الاستثمارات ، وتطوير البنية التحتية لتحسين القدرات الانتاجية، وتعزيز القدرات البشرية من خلال التعليم والتدريب المهني والتقني وتحسين البرامج والخدمات المقدمة في هذا القطاع لرفع كفاءة القوى العاملة. الإصلاحات الهيكلية تضع الأساس لنمو اقتصادي مستدام وتقلل من الاعتماد على الدعم الخارجي. تحسين نظام التعليم وتقديم التدريب المهني يمكن أن يعزز من قدرات القوى العاملة ويجعلها أكثر استعدادًا لتلبية احتياجات سوق العمل.
وعليه تتطلب الأزمة المالية التي تواجهها فلسطين تبني مجموعة من الإجراءات العاجلة والاستراتيجية للتخفيف من حدتها وضمان استقرار الاقتصاد الوطني. من خلال تعزيز الضغوط الدولية، تنويع مصادر الإيرادات، ترشيد الإنفاق، تفعيل الدعم العربي والدولي، تحسين التحصيل الضريبي، التواصل مع القطاع الخاص، إعداد خطط الطوارئ، تعزيز الدعم الاجتماعي، وتنفيذ إصلاحات هيكلية، يمكن للحكومة الفلسطينية أن تتجاوز هذه الأزمة وتحقيق استقرار اقتصادي واجتماعي في ظل ظروف صعبة. هذه الجهود المشتركة والمتكاملة يمكن أن تساهم في بناء اقتصاد أكثر قوة واستدامة، قادر على الصمود أمام التحديات المستقبلية.
بتطبيق هذه الحلول المتكاملة، يمكن للحكومة الفلسطينية التخفيف من حدة الأزمة المالية ومواجهة الصيف الساخن وتعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، مما يسهم في بناء اقتصاد أقوى وأكثر استدامة.