حرب ” اسرائيل” على لبنان فوق طاقتها، بقلم : راسم عبيدات
الحملة الإعلامية الشرسة،امريكية وأوروبية غربية وعربية رسمية والتي جاءت بعد كلمة السيد نصر الله،الأربعاء 19/6/2024،وبعد قيام ” هدهد” حزب الله المسير بتصوير مواقع حيوية واستراتيجية عسكرية واقتصادية في عمق ” اسرائيل”،وبالذات في مدينة حيفا ،والتي تقول بأن الحرب “الإسرائيلية” الواسعة على حزب الله ولبنان باتت واقع قائم،وبأن البعض بات من خبراء ومحللين سياسيين ومختصين بالشأن ” الإسرائيليي،حددوا تاريخها، بعد ايام وعلى الأكثر اسابيع …وبأن حزب الله ونصر الله كما قالت فضائية العربية ” العبرية” يأخذ لبنان في مغامرة غير محسوبة ويوتر علاقة لبنان مع الدول الأوروبية..الخ،وكذلك الكثير من الأصوات ” الناعقة” لبنانياً وعربياً تزعق وتنعق في نفس الإتجاه،لأن المُشغل لهذه الحملة واحد ومكانه اعلامية واحدة …التهديدات ” الإٍسرائيلية ” للبنان وحزب الله لم تتوقف منذ بداية فتح جبهة الإسناد اللبنانية 8/اكتوبر/2024،وتشارك فيها قيادات ” اسرائيلية” عسكرية وأمنية وسياسية …وهي تهديدات بقيت في الإطار النظري،رغم ان قادة مستوطنات الشمال وقيادات عسكرية وحزبية امثال غانتس المستقيل من مجلس الحرب وليبرمان زعيم حزب ” اسرائيل بيتنا” وجهوا اتهامات للحكومة بالتخلي عن سكان مستوطنات الشمال،حتى أن نائب رئيس بلدية كريات شمونة سابقاً في إطار السخرية من تهديدات قادة دولته عسكريين وسياسيين، قال عندما هدأت الجبهة الشمالية اول وثاني ايام العيد ،الإثنين والثلاثاء ،شكراً لرئيس حكومة الشمال نصر الله الذي منحنا يومي هدوء،في وقت كان هو فيه منشغل ، في إرسال مسيراته ” الهدهد” لتصوير اهداف استراتيجية وحيوية عسكرية واقتصادية ومدنية في خليج حيفا ،وما قبل حيفا وما بعدها وما بعد بعد حيفا .
تلك القيادات هي تعلم جيداً قبل غيرها،بأن الحرب على لبنان وحزب الله ليست بالنزهة،فحزب الله الذي لم تتمكن ” اسرائيل” من هزيمته في حرب تموز/2006، وما كان يملكه من قدرات وإمكانيات عسكرية وتسليحية وعتاد وعدة ورجال مقاتلين اشداء لهم من التجربة والخبرة والقدرات المهنية والعسكرية والتدريبات على مستوى عالي،وتقنيات تجسسية واستخبارية وتطور تكنولوجي كبير،أقل بمئة مرة مما يمتلكه الحزب الآن،وبإعتراف قادة الإحتلال نفسه،يقول احد مسؤولي ” الشاباك” البارزين الدكتور حنان بن شالوم،حزب الله تمكن من اغلاق فجوتين مع “اسرائيل” الصواريخ الدقيقة وسلاح المسيرات المتطورة.
ولعل هذا ما سمعناه في كلمة نصر الله في تأبين الحاج ” ابا طالب،يوم الأربعاء 19/6/2024 وما حمله من مواقف ومعادلات ومعلومات …وما قاله عن جهوزية الحزب لتلك الحرب براً وبحراً وجواً على صعيد العدة والعتاد والرجال،وأن الحزب اعد لتلك الحرب الكثير من المفاجأت،وبأنه اذا فرضت عليه الحرب الشاملة سيخوضها بدون ضوابط وسقوف وقواعد،واذا كان قد ربح المعركة طوال فترة الإسناد بالنقاط ،فهو لا يمانع بربحها بالضربة القاضية ، فكل نقطة في فلسطين التاريخية تحت مرمى نيرانه من صواريخ بعيدة المدى ودقيقة وذات قوة تفجيرية وتدميرة شديدة وكبيرة ومسيرات وغيرها ..والإستهداف لن يكون عشوائياً،بل سيكون لأهداف محددة حيوية واستراتيجة تسبب خسائر مؤلمة ل ” اسرائيل” ، ناهيك عن حجم الدمار الهائل الذي سيلحق بجبهة ” اسرائيل” الداخلية، محطات كهرباء وطرقات ومحطات قطارات ومطارات وموانىء ومجمعات بتروكيمائية ومنصات غاز وغيرها ..” اسرائيل” دولة يعيش سكانها النمط الأوروبي في حياتهم،ولذلك قدرة التحمل لمجتمعها بدون كهرباء لأسابيع وفرض حصار وحظر تجوال عليهم لفترة طويلة فوق طاقتهم، ناهيك عن ان الجيش ” الأسرائيلي” يعاني من نقص الكادر والهيكل البشري ،وكذلك هناك حالة من التفكك والإهتراء في المؤسسة العسكرية التي تشهد ليس فقط خلافات مع المستوى السياسي،حول القرار اولويات الحرب التي تشن على قطاع غزة،والتي باتت حرب استنزاف بلا طائل وبلا اهداف محددة وأفاق واضحة ..كما يقول قادة عسكريين وأمنيين ورؤوساء اجهزة امنية سابقين وحاليين منهم الجنرالات المتقاعدين غادي شمني ويسرائيل زيف واسحق بريك ودان هرئيل ودان حالوتس والقائمة طويلة …المؤسسة العسكرية تعيش ازمات عميقة تصدعات وصراعات وتفككات واستقالات وخلافات مع المستوى السياسي، الذي بات يعيش حالة من التخبط والإرباك وفقدان السيطرة على الجيش وقراراته،وهذا ما شاهدناه في عملية ” تمرد” الجيش” على قيادته السياسية،عندما تم الإعلان عن ” الهدنة التكتيكية” غربي رفح،حيث قال نتنياهو ووزير حربه غالانت بأنهم لم يعلموا عن تلك الهدنة سوى في وسائل الإعلام،وبن غفير حليف نتنياهو وأداته التي يستخدمها في مهاجمة القيادة العسكرية، قال بأن من اتخذ قرار الهدنة يجب محاسبته واقالته،في حين نتنياهو قال بأن ” اسرائيل دولة لها جيش وليس جيش له دولة”، أي ان القيادة السياسية التي تتحكم بالقرارات المصيرية المتعلقة بالحرب والعمليات العسكرية وغيرها،وعندما يستخدم نتنياهو هذه العبارة، فإن هذا مؤشر خطر على ان ما قاله بن غوريون مؤسس دولة ” اسرائيل” وأول رئيس وزراء لها عن ما يعرف ب”بوتقة الصهر،كأحد المرتكزات التي توحد المجتمع ” الإسٍرائيلي” بكل مكوناته ومركباته في جيش واحد سماه “جيش الشعب”، بات عليها مئة علامة استفهام ..ولذلك في ظل مثل هذه الوضع وتلك الحالة التي وصفناها،ورغم الضجيج الأمريكي العالي ،واستقدام المدمرة النووية جيرالد فورد واسطول سفنها الى خليج حيفا وزيادة اعداد قواتها في العديد من قواعدها في العديد من الدول العربية المحيطة ب” اسرائيل” ..فأنا اعتقد بأن ذلك ليس أكثر من صخب اعلامي وحرب نفسية شرسة ..فخسارة لبنان في مثل هذه الحرب اقل بكثير من خسارة ” اسرائيل” ،فلبنان منذ زمن لا كهرباء ولا بنية تحتية ولا مطارات ولا موانىء ولا طرقات ولا مازوت …وفي اسوأ الظروف اذا ما اختار نتنياهو ومعه بن غفير وسموتريتش وبضوء اخضر امريكي شن حرب على لبنان فالثمن سيكون باهظ جداً والتداعيات كبيرة واستراتيجية وتشمل المنطقة والإقليم،رغم قناعتي بأن الجيش ” الإسرائيلي” الذي لم يستطع ان يحقق أي انتصار،أو أي انجاز عسكري وميداني أو نصر او حتى صورة نصر على المقاومة الفلسطينية بعد 260 يوماً من الحرب المستمرة والمتواصلة،وبشراكة ودعم عسكري ومالي واستخباري ولوجستي أمريكي، يستطيع نتنياهو وقيادته من خلاله ترميم صورتهم واستعادة شعبيتهم أمام الجمهور ” الإسرائيلي” أو منع تأكل قوة ردعهم،بل ما نراه أنهم كلما تعمقوا وغاصوا في رمال غزة ومستنقعها يدفعون المزيد من الخسائر ضباطاً وجنود ومعدات عسكرية وهزائم عسكرية متلاحقة،ولذلك جيش بهذه المواصفات تتعمق أزماته وتتاكل روحه المعنوية وتتراجع دافعيته للقتل،ويقدم عدد من جنوده على الإنتحار تفضيلاً على عدم العودة للقتال في قطاع غزة ، ومراجعة الألآف منهم للمصحات والعيادات النفسية،فهذا يجعلنا نقول بأن هذا الجيش ولا جبهة ” اسرائيل” الداخلية جاهزين لحرب واسعة أو شاملة على الجبهة اللبنانية،وخاصة أن الإدارة الأمريكية التي تصدر عنها تصريحات متناقضة، تارة تقول بأنها تسعى لمنع انزلاق الأوضاع على الجبهة الشمالية لحرب شاملة،وتسعى لحل سياسي ووقف إطلاق نار في قطاع غزة يعيد الهدوء للجبهة الشمالية،وتارة اخرى تقول بأن “اسرائيل” تستعد للحرب الشاملة على الجبهة الشمالية وصبرها نفذ،ولكنها بالمقابل تدرك بأن هزيمة ” اسرائيل” في هذه الحرب،تعني خسارتها لمصالحها الإستراتيجية في المنطقة،وربما تصفية وجودها العسكري بالكامل.
ونختم بما قالته وسائل إعلام إسرائيلية،نقلاً عن نائب مستشار “الأمن القومي” الإسرائيلي السابق تشاك فريليتش بأن كل الجولات مع حزب الله منذ التسعينات انتهت بشكل مخيب لـ”إسرائيل،وخيار العملية الكبرى في لبنان محفوف بالمخاطر للغاية ويمكن أن يؤدي إلى حرب متعددة الجبهات،وسوف تتعرض الجبهة الداخلية لـ”إسرائيل” واقتصادها وقدراتها العسكرية الحيوية لضربة شديدة،ومن وجهة نظره ،انه في ظل هذه الظروف غير المسبوقة يتعين على “إسرائيل” أن تختار بين 6 خيارات رئيسية:-
هي: استمرار الوضع الحالي، وقف إطلاق النار من جانب واحد، “الدبلوماسية القسرية”، مبادرة دبلوماسية، عملية محدودة، عملية كبرى،ويضيف بأن الحرب في غزة ستكون “باهتة” إذا ما قورنت بما سنشهده مع العلم أننا لم نحقق حتى الآن أهدافنا العسكرية في القطاع،ويختم بالقول بأن المشاعر المعادية لـ”إسرائيل” في الولايات المتحدة وأنحاء العالم قد تتحول إلى عاصفة كاملة وربما تؤدي إلى تغيير نتيجة السباق الرئاسي الأميركي المتقارب.
فلسطين – القدس المحتلة