شفا – يكتنف الغموض إلى حد كبير الاقتراح الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي جو بايدن يوم 31 أيار الماضي، وقال عندئذ أنه اقتراح إسرائيلي ، والذي لم تبنيه عل شكل قرار مجلس أمن أممي يوم الاثنين، 10 حزيران، بعد تصويت 14 عضوا من أعضاء المجلس لصالح القرار، فيما امتنعت روسيا عن التصويت، وذلك على الرغم من حملة تسويق أميركية كبيرة عبر العالم جعلته يحظى بدعم عالمي.
وفيما رحبت حركة “حماس” بقرار مجلس الأمن واعتبرته إيجابيا ويشكل أرضية للتفاوض، وردت عليه بشكل رسمي عارضة لبعض التعديلات، لا يزال الموقف الإسرائيلي غامض كون أن التعليقات الرسمية الإسرائيلية لم تظهر أي إشارات على تبني الاقتراح، عدا عن إصرار المسؤولين الإسرائيليين على خوض الحرب إلى أن تحقق أهدافها في القضاء على فصائل المقاومة الفلسطينية الذين يقاتلون إسرائيل في غزة، كما اعترض رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو علناً على جوانب الخطة، مما أثار تساؤلات حول التزام إسرائيل بما تقول الولايات المتحدة إنه اقتراح إسرائيلي.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ، الذي يقوم بزيارته الثامنة للمنطقة منذ 7 تشرين الأول ، للصحفيين في قطر يوم الأربعاء إن المفاوضات ستستمر، لكنه قال أيضا إن حماس طلبت تغييرات “عديدة”، مضيفا أن “بعض التغييرات قابلة للتنفيذ؛ والبعض ليس كذلك”.
ورفض بلينكن الإدلاء بمزيد من التفاصيل، لكن التصريحات الأخيرة لمسؤولين إسرائيليين وكذلك من حركة حماس تشير إلى أن الطرفين لا يزالان مختلفان حول العديد من القضايا نفسها التي يحاول الوسطاء التغلب عليها منذ أشهر.
وتصر حركة المقاومة الفلسطينية حماس على أنها لن تطلق سراح الرهائن المتبقين ما لم يكن هناك وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من كامل قطاع غزة.
يشار إلى أن اقتراح الرئيس جو بايدن وفق خطابه من البيت الأبيض يوم 31 أيار شمل النقطتين اللتان تطالب بهما حماس. .
ويصر نتنياهو على إن إسرائيل لا تزال ملتزمة بتدمير القدرات العسكرية والسيطرة السياسية لحماس في غزة، وضمان عدم تمكنها مرة أخرى من تنفيذ هجوم على غرار هجوم 7 تشرين الأول وهو ما قال عنه بايدن في اقتراحه أنه تحقق.
يعتقد الخبراء أن يكاد يكون من المؤكد أن انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلية من غزة، حيث لا تزال القيادة الميدانية لحماس وقسم كبير من قواتها وكوادرها على حالها، من شأنه أن يمكن الحركة من الاحتفاظ بالسيطرة السياسية على القطاع.
ويقول عدد من الخبراء أن ذلك يرجع جزئيًا إلى أن إسرائيل لم تطرح بعد خطة لحكم غزة بعد الحرب، ورفضت اقتراحًا أميركيًا يحظى بدعم إقليمي واسع لأنه سيتطلب تقدمًا كبيرًا نحو إنشاء دولة فلسطينية.
يشار إلى أن المتحدث باسم حماس جهاد طه صرح لوسائل إعلام لبنانية يوم الأربعاء إن “التعديلات” التي طلبتها الحركة تهدف إلى ضمان وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب إسرائيلي كامل.
وتسعى حماس أيضًا إلى إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، بما في ذلك قادة سياسيون وعسكريون. لكن من غير الواضح ما إذا كانت الأطراف قد اتفقت على قائمة بأسماء الأشخاص الذين سيتم إطلاق سراحهم، أو ما إذا كان سيتم إطلاق سراحهم في غزة أو الضفة الغربية المحتلة أو إرسالهم إلى المنفى.
وتدعو خطة وقف إطلاق النار إلى مرحلة أولية مدتها ستة أسابيع تقوم فيها حماس بإطلاق سراح بعض الرهائن – بما في ذلك النساء وكبار السن والجرحى – مقابل انسحاب إسرائيلي من المناطق المأهولة بالسكان. وسيتمكن المدنيون الفلسطينيون من العودة إلى منازلهم وسيتم تكثيف المساعدات الإنسانية.
ولكن بعد ذلك تصبح الأمور أكثر صعوبة وفق الخبراء. حيث من المفترض أن يستخدم الجانبان فترة الستة أسابيع هذه للتفاوض على اتفاق بشأن المرحلة الثانية، التي قال بايدن إنها ستشمل إطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء المتبقين، بما في ذلك الجنود الذكور، وانسحاب إسرائيل الكامل من غزة. وعندها سيصبح وقف إطلاق النار المؤقت دائما، لكن فقط إذا اتفق الجانبان على التفاصيل.
كما يبدو أن حركة حماس تشعر بالقلق من أن إسرائيل سوف تستأنف الحرب بمجرد إعادة رهائنها الأكثر ضعفاً. وحتى لو لم يحدث ذلك، يمكن لإسرائيل أن تتقدم بمطالب في تلك المرحلة من المفاوضات لم تكن جزءًا من الصفقة الأولية وغير مقبولة بالنسبة لحماس – ثم تستأنف الحرب عندما ترفضها حماس.
يشار إلى أن سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، إن إسرائيل ستطالب في تلك المفاوضات بإزاحة حماس من السلطة. وقال إردان على شبكة ( CNN يوم الاثنين) : “لا يمكننا أن نوافق على استمرار حماس في السيطرة على غزة، لأن غزة ستستمر في تشكيل تهديد لإسرائيل”.
وتبدو إسرائيل أيضًا قلقة من بند الخطة الذي يقضي بتمديد وقف إطلاق النار الأولي طالما استمرت المفاوضات بشأن المرحلة الثانية. وقال إردان إن ذلك سيسمح لحماس “بمواصلة المفاوضات التي لا نهاية لها والتي لا معنى لها”.
كما أن هناك قضايا أخرى قد تؤدي إلى انهيار جهود وقف إطلاق النار، بدءاً بالافتقار التام للثقة بين إسرائيل وحماس، اللتان خاضتا خمس حروب منذ عام 2008 ، فيما فرضت إسرائيل حصارا مطبقا على القطاع منذ عام 2005.
وبحسب وكالة أسوشيتد برس “هناك الضغوط الشديدة والمتناقضة التي يتعرض لها نتنياهو، وهو ما قد يفسر إشاراته المتضاربة بشأن الاقتراح، كما يحتج آلاف الإسرائيليون ، بما في ذلك عائلات الرهائن، في الأشهر الأخيرة لمطالبة الحكومة بإعادة الأسرى إلى وطنهم، حتى على حساب صفقة غير متوازنة مع حماس، لكن الشركاء اليمينيين المتطرفين في ائتلاف نتنياهو الضيق بشكل متزايد رفضوا الخطة المدعومة من الولايات المتحدة وهددوا بإسقاط حكومته إذا أنهى الحرب دون تدمير حماس”.
ويريد اليمين الإسرائيلي وفق تصريحات مسؤوليهم (مثل الوزير إيتمار بن غفير والوزير سموترتش) إعادة احتلال غزة، وتشجيع “الهجرة الطوعية” للفلسطينيين من القطاع وإعادة بناء المستوطنات اليهودية هناك. يتمتع حلفاء نتنياهو القوميون المتطرفون بنفوذ أكبر عليه من أي وقت مضى منذ بداية الحرب بعد استقالة بيني غانتس، المعارض السياسي الوسطي، يوم الأحد الماضي من حكومة الحرب الإسرائيلية.