حول جولة وليم بيرنز الجديدة ، بقلم : راسم عبيدات
بداية علينا أن ندرك تماماً بأن كل طاقم الإدارة الأمريكية يقف خلف دولة الإحتلال” بالباع والذراع” من بايدن وانتهاءً بجاك سولفيان وجون كيربي ،وأية خلافات بين الطرفين ،يجري حلها بعيداً عن المس بالعلاقة الإستراتيجية مع أمريكا،فلا وقف لشحنات السلاح ولا وقف للتمويل بمليارات الدولارات،والحماية القانونية والسياسية مستمرة في المؤسسات الدولية، حتى لو استدعى ذلك سن تشريعات وقوانين في الكونغرس،تقطع التمويل عن وتفرض عقوبات على أي مؤسسة دولية وقادتها،تفكر بالمس بدولة الإحتلال ،عبر اتخاذ قرارات أو فرض عقوبات عليها،على خلفية خرقها السافر للقانون الدولي والدولي الإنساني، أو ارتكاب جرائم حرب أو ابادة جماعية ،ف”إسرائيل بقرة مقدسة”، يجب ان تبقى فوق القانون الدولي،او ان تُعتبر هي مقياس القانون الدولي،يفصل على مقاساتها وأهدافها ،ومن هنا حتى لا يستمر بعض الحالمين والمتوهمين من عرب وفلسطينيين بترديد اسطوانتهم المشروخة،بأن الخلافات الأمريكية – ” الإسرائيلية” قد تصل للمس بما هو استراتيجي نطمئنهم،بأن الخلافات التكتيكية والشخصية بين امريكا و”اسرائيل” ،يجري حلها تحت سقف ” أمريكا صهوينية” و” اسرائيل” قاعدة متقدمة لحماية مصالح أمريكا والغرب في المنطقة،أي لا مس بما هو استراتيجي في العلاقة بين البلدين.
وضمن هذه الرؤيا شهدنا حالة التقاطر للمسؤوليين الأمريكان من بداية عملية 7أكتوبر وحتى اليوم الى دولة الإحتلال قادة عسكريين وسياسيين وأمنيين وبما فيهم الرئيس نفسه،وجميعهم يرددون لازمة واحدة “حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها”،ويجب القضاء على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية،ولا يجوز المساوة بين “اسرائيل” وحماس ،ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، شرطه إطلاق سراح الأسرى ” الإسرائيليين”..وحماس والمقاومة،هم من يعرقلون إتمام صفقة تبادل الأٍسرى،حتى لو رفض نتنياهو وحكومته الصفقة أو المقترح المصري – القطري اسماً والفعلي أمريكياً ،فنتنياهو وحكومته لا يجوز إتهامهم برفض الصفقة، لأن ذلك يدفع الفصائل الفلسطينية وفي قلبها حماس للتشدد في مطالبها.
ولذلك حرص بيرنز وقادة أمريكا على أن يكون المطلب الأساسي لأي صفقة تبادل الأٍسرى ،عنوانه الأساسي ” الأٍسرى مقابل توسيع إدخال المساعدات الإنسانية” ،وهذا الشعار طلب من دول الغرب الإستعماري ودول النظام الرسمي العربي الوظيفي ترداده والتمسك به،والوسطاء العرب مطلوب منهم الضغط على حماس والمقاومة للقبول بالشروط والإملاءات “الإسرائيلية” والأمريكية لتجنب دمار غزة ،والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية بشكل كاف لسكان القطاع.
ولذلك هذا العنوان كان البند الأساسي في ورقة الإطار التي صاغها بيرنز ورئيس الموساد برنياع في قمتي باريس الأمنيتين بمشاركة مصر وقطر،ورفضت المقاومة هذا المطالب ،بمعزل عن مطالبها الرئيسة،بربط صفقة تبادل الأٍسرى بوقف شامل لإطلاق النار وفك الحصار والإنسحاب الشامل واعادة الإعمار وفتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل كاف،وصفقة تبادل تستجيب لشروط المقاومة،وأبدت مرونة عالية في مرحلة وتجزئة الإتفاق ،دون مس بالرابط بين كل مراحله.
نتنياهو الذي كان يماطل ويستقطع الوقت لكي يستمر بحربه العدوانية على قطاع غزة، كان يمني النفس ان يزال عبء هذا الملف عن كاهله،من خلال قتل الأسرين والمأسورين، لكي لا يتصاعد الضغط عليه من اهالي الأٍسرى ومن المعارضة السياسية..ولذلك كان يرسل الوفود للتفاوض للقاهرة والدوحة،بدون منحهم الصلاحيات،وعلى ان يكون هو المرجع في أية قرارات مصيرية بالصفقة ووقف إطلاق النار.
بعد رفض نتنياهو للمقترح المصري- القطري حول صفقة تبادل الأسرى الممهور بموافقة بيرنز نفسه، رفضت الإدارة الأمريكية تحميل نتنياهو مسؤولية عدم التوقيع وعرقلة صفقة تبادل الأٍسرى،وأصرت على إتهام حماس،وظل بايدن وبلينكن وسولفيان وكيربي يرددون اسطوانتهم المشروخة، تطلق حماس سراح الأسرى ويتوقف القتال في غزة.
ذهب نتنياهو الى معركة رفح التي ظل يردد بأن من يريد منعه من الذهاب الى معركة رفح،لا يريد ل” اسرائيل” سوى الهزيمة،وبأن تبقى حماس والمقاومة قوية وتشكل خطر مجدداً على مستوطنات غلاف غزة،وبذهابه سيحقق ما اسماه بالنصر الساحق،ولنجد بأن قطاع غزة التهب من جديد،بعد أن قالت المقاومة بأن باب التفاوض اغلق والكلمة للميدان،رفح وجباليا والدرج والزيتون والمواصي قالت كلمتها، بأن أعادت المقاومة الى ما كانت عليه في أيامها الأولى،وكبدت الإحتلال خسائر بشرية كبيرة في الجنود والمعدات،وليغرق الإحتلال في مستنقع غزة ورمالها،دون تحقيق أي انجازات عسكرية أو ميدانية ونصر أو صورة نصر،والإحتلال لم يعد يستلحق خسائره في الجوانب العسكرية والميدانية والدبلوماسية والسياسية والقضائية،وبات الإحتلال يعيش سلسلة من الأزمات اقتصادية وسياسية وعسكرية وأمنية ومعنوية، وخلافات وتصدعات في المستوى الرسمي وفي الحكومة ومجلس الحرب وعمليات التفكك في المؤسستين العسكرية والأمنية،حيث الإستقالات لقادة كبار والتهديد بالمزيد منها…
بعد قرار محكمة الجنايات الدولية قرارها بإصدار مذكرة توقيف بحق نتنياهو وغالانت كمستجد نوعي سيكون له إرتدادته السياسية والإقتصادية والحقوقية والمعنوية على “اسرائيل”،وكذلك القرار الثلاثي الإسباني الإيرلندي النرويجي الإعتراف بالدولة الفلسطينية دون تنسيق مع ” اسرائيل” وخضوع للإدارة الأمريكية..والذي سيكون “تسونامي ” نحو حذو العديد من الدول الأوروبية حذو هذه الدول…كل هذه التطورات والمترافقة مع تصاعد جبهات الإسناد،دفع مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية،لكي يعود مجدداً من أجل العمل على إتمام صفقة تبادل الأسرى،حيث التطورات الداخلية الإسرائيلية والضغط على نتنياهو من مسؤول ملف الأٍسرى والمعتقلين،والمؤسستين العسكرية والأمنية،دفعت بنتنياهو للموافقة على توسيع صلاحيات الفريق المفاوض ،وتقديم تنازلات كبيرة فيما يخص اعداد الأسرى الفلسطينيين من اصحاب المحكوميات العالية والمؤبدة،ولكن دون التسليم بموقف المقاومة،بإنهاء حالة الحرب،فنتنياهو ليس مستعد للتسليم بالفشل لا سياسياً ولا عسكرياً،وخطته الجديدة للتفاوض تعتمد على تعديلات على الموقف الحكومي، سواء في ما يتصل بتمركز قوات الاحتلال في منطقة نتساريم وسط غزة وتحكمها بعودة النازحين، أو في ملف المساعدات الإنسانية وفتح المعابر، أو في ملف التبادل. ويأتي بيرنز مجدداً بتحويل هذه الخطة الإسرائيلية الجديدة إلى نقطة انطلاق جديدة للمسار التفاوضي المعطل، فهل يجب أن تعني هذه الزيارة تفاؤلاً بالتوصل إلى اتفاق مجدداً، أم أن الفشل يبدو مرجّحاً ، المقترح الجديد ينقل النقاش حول الهدوء المستدام من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية، وهذا يعني إذا تفاءلنا لجهة قبول حكومة نتنياهو بإعلان وقف نهائي للحرب، فإن المقترح يعني أن تنتقل عبارة تبدأ المرحلة الثانية مع إعلان وقف إطلاق النار بصورة نهائيّة، لتصبح تبدأ المرحلة الثالثة مع إعلان وقف إطلاق النار بصورة نهائية، في أحسن الاحتمالات. وهذا يعني أن إطلاق سراح الأسرى من جنود وضباط جيش الاحتلال يفترض أن يتم قبل أن يبدأ العمل بوقف نهائي لإطلاق النار، بل بينما يكون التفاوض قائماً على شروط التهدئة المستدامة، من انسحاب قوات الاحتلال الى فك الحصار، ووضع غزة بعد نهاية الحرب، أي أن المقاومة تفاوض وقد خسرت ورقة الأسرى، ولم يتبقّ إلا الجثامين. والأرجح هنا فشل التفاوض، لكن يكون نتنياهو قد استعاد الأسرى الأحياء، وهو يستطيع تبرير تأجيل استعادة الجثامين إلى ما بعد انتهاء العمل العسكري كلياً، وإن قبلت المقاومة بهذه الصيغة يستطيع الاحتفال باستعادة الأسرى الأحياء والعودة للحرب، وإن رفضت المقاومة يريد نتنياهو تحميلها مسؤولية إفشال الجولة الجديدة.
وانا أعتقد بان التفاوض سيستمر في الدوران في حلقة مفرغة ،وطبخة بحص لن يكتب لها النجاح،فهم بيرنز اسرى الإحتلال لدى المقاومة ،وإنقاذ “اسرائيل”من هزيمتها.
فلسطين – القدس المحتلة