تناقض في الموقف الإسرائيلي بين الادعاء والدفاع “من إبادة النازية” إلى “إبادة غزة” بقلم : سماح خليفة
تجرّب إسرائيل في حربها الوجودية على الأراضي الفلسطينية مختلف السيناريوها المضللة، التي تظهر الفلسطينيين في صورة الإرهابيين المجرمين، فبعد استخدامها الأسلوب المتغطرس في الرد على قرارات محكمة العدل الدولية، ومواقف الدول الداعمة لفلسطين: “لا توجد قوة على الأرض يمكنها أن تمنع إسرائيل من حماية مواطنيها”، ذلك إنما يعكس عقلية المسؤولين الإسرائيليين، وإحساسهم بالفوقية والنفوذ السياسي الهائل الذي تمتلكه تل أبيب ضمن الكونغرس، والمؤسسات الأمريكية والغربية، وكذلك النفوذ الإعلامي والمالي، إضافة إلى ترسانتها العسكرية، وأسطورة المنظومة المخابراتية، وقدرتها في التحكم بحيوات الفلسطينيين الخاضعين لاحتلالها.
الآن تستخدم إسرائيل سردية مناقضة، تستثمر في المؤسسات النافذة ليهود العالم دون أن تكف عن رفع شعار “معاداة السامية” وتغذية الخوف منها، وتجنب مجابهتها، فتظهر الدولة اليهودية في لبوس الضحيّة المظلومة.
وفي إطار تلك البروباغاندا الصهيونية، والحملة الجديدة في حرب السابع من أكتوبر، تعيد تدويرها هذه الآونة، من جديد، وبتلاعب مستحدث في الحقائق، حيث بثت شريط فيديو لمجندات إسرائيليات قامت فصائل المقاومة الفلسطينية باعتقالهن، كما فرضت مشاهدته على سفراء النرويج واسبانيا وأيرلندا، بعد قرار دولهم، الاعتراف بدولة فلسطين، والقصة الأشهر والأكثر حماسًا لدى إسرائيل، قصة اغتصاب عناصر حماس لمجندة إسرائيلية، فعلى الرغم من تراجع الناشر إلا أنها تتلاعب في الأصوات والجمل الصادرة عن عناصر حماس أثناء حديثها مع المجندة، لتعطي إيحاءات جنسية تجاه “الضحية”.
لا تلبث إسرائيل أن تسعى لفرض نفوذها وسيطرتها على العالم الغربي وإرهاب المنظومة الدولية والأممية، بكافة الطرق المتاحة، إما بالتجبر أو التظلم، في محاولة لتزوير الحقائق وقلب المواقف وتبديل الأدوار، لتحويل الفلسطينيين إلى معتدين، وتجريدهم من إنسانيتهم، وسلب حقهم في الدفاع عن وجودهم الأصيل، وكيانهم المستقل.
إن فكرة “احتكار الضحية” او “احتكار الإبادة” التي أشار إليها الدكتور عبد الوهاب المسيري في كتابه “الصهيونية والنازية والتاريخ” تتجلى اليوم في توظيف السابع من أكتوبر لخدمة مصالح الدولة اليهودية على أرض فلسطين المحتلة، كما وظفت الاضطهاد الذي تعرض له اليهود في أوروبا أواخر القرن التاسع عشر، والنازية في الحرب العالمية الثانية لتحشيد الدعم لفكرة الدولة اليهودية، توظف الآن أحداث السابع من أكتوبر.
وعلى هذا الأساس قامت إسرائيل بقولبة الإبادة النازية إلى الإبادة الغزية، مع مركزية الضحية الدائمة والقائمة حول إسرائيل، وتحريض الجماعات اليهودية في كل أنحاء العالم على هذا الأساس، ومحاولة تجييش العالم المستمرة لحماية إسرائيل “الهولوكوست”، إسرائيل “المبادة”، إسرائيل “الضحية”، والاحتفاظ بسردية الصهاينة الضحية المضطهدة المعرضة دائمًا للتهديد؛ والتي ما دامت في بيئة معادية، فمن حقها ارتكاب أي فظائع ضدّ “الأغيار” للحفاظ على نفسها.
إن محاولة إسرائيل الجمع بين سرديتين، القوي المتسلط، والضحية المتظلمة، معًا، أصبحت مكشوفة، وتعرّت وفشلت لعبتها السياسية أمام الأحداث التي يشهدها العالم، كردة فعل على ممارسات إسرائيل في تنفيذ إبادة جماعية وتجويع الفلسطينيين.