اليابان: غزة والشرق الوسط ، بقلم : د. دلال صائب عريقات
الدور الذي لعبته اليابان في الشرق الأوسط يشتمل على استثمارات عامة وخاصة ضخمة، أغلبها في برامج البنية التحتية التي تساهم في توفير المياه والطاقة وغيرها. تم تنفيذ الدبلوماسية العامة اليابانية إلى حد كبير من قبل الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA)، بقيمة تزيد عن 100 مليون ين، 11% من المحفظة المالية لجايكا عبر الشرق الأوسط، كما أن مشاركة اليابان في فلسطين باعتبارها جهة فاعلة تنمو كل عام، ومع ذلك، فإن تركيز اليابان على التنمية والدبلوماسية العامة يأتي على حساب الدور السياسي الذي تتمتع اليابان بوضع جيد لتلعبه، وأود أن أزعم في هذا المقال أن الوقت قد حان بالنسبة لليابان لتفعيل قنواتها الدبلوماسية الرسمية.
لليابان مبادرة “ممر السلام والازدهار” لدعم التعايش والرخاء المشترك بين الإسرائيليين والفلسطينيين في منطقة أريحا وغور الأردن من خلال التعاون الإقليمي بين فلسطين وإسرائيل والأردن وإسرائيل واليابان، وهناك أيضًا منطقة أريحا الصناعية الزراعية، التي من المتوقع أن تؤدي إلى تنمية القطاع الخاص الفلسطيني، وفي أغسطس 2021 تم افتتاح مركز أعمال الإزدهار الفلسطيني لتعزيز قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. في عام 2023، قدمت اليابان المساعدات لقطاع غزة بالتعاون مع المنظمات الدولية (الأونروا، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، برنامج الأغذية العالمي، مركز التجارة الدولية، منظمة الأغذية والزراعة) والمنظمات غير الحكومية اليابانية، مثل دعم بناء قدرات الصيادين، والمساعدة الفنية ودعم التوظيف في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتعزيز القدرة على الاستجابة للكوارث مثل الفيضانات، والمساعدات الغذائية، وتحسين سبل العيش، ودعم الإنتاج الحيواني، والطاقة البديلة مثل تركيب الألواح الشمسية وغيرها.
سياسياً، تؤيد اليابان حل الدولتين، وواصلت دعمها لحق الفلسطينيين في تقرير المصير ورغبتهم في إقامة دولتهم، وقد تجاوز إجمالي مساعدات اليابان 2.3 مليار دولار أمريكي منذ عام 1993. بالإضافة إلى ذلك، فإن العلاقات الدبلوماسية تاريخية:
1977 افتتحت منظمة التحرير الفلسطينية مكتبها في طوكيو.
1995 أغلقت منظمة التحرير الفلسطينية مكتبها في طوكيو.
1998 افتتحت اليابان مكتب تمثيل اليابان لدى السلطة الفلسطينية في غزة.
2003 أعادت السلطة الفلسطينية فتح البعثة العامة الدائمة لفلسطين في طوكيو.
2007 انتقل مكتب تمثيل اليابان لدى السلطة الفلسطينية من غزة إلى رام الله.
العلاقات اليابانية الفلسطينية تاريخية في دعم منظمة التحرير الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير. وقد تجلى التزام اليابان بالحقوق الفلسطينية في دعمها المتواصل ومساهماتها المالية للاجئين، وتحديداً عبر الأونروا ومشاريع جايكا السخية. ورغم أن البلدين تربطهما علاقات ودية، فإن اليابان لا تعترف بفلسطين كدولة ذات سيادة.
قبل عام 1973 كانت سياسة اليابان تركز على إمدادات النفط وسياسة النأي بالنفس، وفيما بعد أصبحت أقرب إلى المصالح العربية، وبعد اتفاقيات أوسلو عام 1993 أصبحت سياستها أكثر انخراطا في قضايا الشرق الأوسط. جمود عملية السلام والوضع الجيوسياسي المعقد والمصالح المتداخلة، مع صعود الإسلام السياسي وصعود التطبيع مع إسرائيل ودول الخليج كقوة اقتصادية إقليمية بعيداً عن اضطرابات الربيع العربي والتأثير على أسعار الطاقة، كل تلك العوامل أدت إلى تراجع مركزية القضية الفلسطينية في نظر اليابانيين.
عندما نفكر في الفرص المتاحة لليابان في خطط المجتمع الدولي للحكم وخطط تطوير وإعادة بناء قطاع غزة بعد الحرب. كان التزام اليابان ورغبتها في تحقيق السلام والعدالة راسخًا في الدستور الياباني، الذي دخل حيز التنفيذ في 3 مايو 1947، وقوانين الأخلاق السياسية العالمية. ويتمتع اليابانيون بالموارد اللازمة لاحترام هذه المثل العليا للأخلاق السياسية العالمية، واليابان الآن دولة عضو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، واليابان هي الدولة الآسيوية الوحيدة في مجموعة السبع.
لقد أشار رئيس الوزراء إلى هدف السياسة الخارجية اليابانية المتمثل في إقامة نظام عالمي حر ومنفتح ومستقر، وبالتالي من المتوقع أن تنطبق السياسة الخارجية اليابانية على القضية الفلسطينية، خاصة في غزة وإنهاء الإفلات من العقاب تجاه الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي التي تزعزع الاستقرار الإقليمي والدولي. لليابان فرصة للعب دور قوي عملياً في تحقيق السلام والنظام العالمي المزدهر. تهدف اليابان إلى توفير الغذاء والماء والمواد الطبية وغيرها من المساعدات الإنسانية لسكان غزة بأسرع الطرق وأكثرها كفاءة، وتقوم جايكا بتوفير الخيام للاجئين المقيمين في مدارس في غزة، وإذا نظرنا للمساعدات الإنسانية وإعادة بناء غزة مقابل إنهاء الاحتلال، سنرى أن القنابل التي تم إسقاطها على غزة أقوى بمرتين من القنبلة النووية. ويعني ذلك أن القوة التدميرية للمتفجرات التي ألقيت على غزة تفوق قوة القنبلة التي ألقيت على هيروشيما، علما أن مساحة المدينة اليابانية تبلغ 900 كيلومتر مربع، في حين لا تتجاوز مساحة قطاع غزة 365 كيلومترًا مربعًا. ورغم أن التدخل الإنساني يشكل أهمية بالغة بالنسبة لملايين البشر الذين ظلوا لاجئين بعد مرور سبعة عقود من الزمن، فإن الهدف الأسمى لبناة السلام لا بد أن يكون إنهاء الاحتلال العسكري، وهو السبب الجذري للفظائع والجرائم في المنطقة.
أتصور أن تقود اليابان مشاريع تنموية ضخمة، لكن الحديث عن مسار اقتصادي دون نهج سياسي يعني إهدار المال والطاقة والوقت طالما ظل الاحتلال العسكري قائما دون مساءلة.
……
القوة التدميرية للمتفجرات التي أُلقيت على غزة تفوق قوة القنبلة التي أُلقيت على هيروشيما، علماً أن مساحة المدينة اليابانية تبلغ 900 كيلومتر مربع، في حين لا تتجاوز مساحة قطاع غزة 365 كيلومتراً مربعاً.