حول تأجيل صفقة القذائف الدقيقة الأمريكية ل”اسرائيل”، بقلم : راسم عبيدات
قرار الرئيس الأمريكي بتعليق تسليم ” اسرائيل” شحنة من الأسلحة الدقيقة او الذكية،قنابل زنة 2000 رطل ،والتي استخدمت في كامل قطاع غزة لتدمير مربعات سكنية كاملة ومحوها عن الأرض،وفي عمليات التدمير الواسعة في كل أنحاء القطاع،بعد العملية التي قام بها نتنياهو بالسيطرة على القسم الشرقي من مدينة رفح أول امس7/5/2024،وترحيل قسري لأكثر من 100 ألف من النازحين فيها،في جولة نزوح جديدة الى منطقة المواصي وخانيونس، وبعد ان سيطر جيش نتنياهو على معبر رفح من الجهة الفلسطينية…تلك العملية التي اعتبرتها أمريكا،والتي اعتقادي الجازم أنها جاءت نتاج توافق أمريكي – ” اسرائيلي” وصمت مصري مريب يحمل ضمناً الموافقة عليها..
وقد أعلن بايدن (8 ايار) بأن العملية بحدودها الحالية لا تشكل انتهاكا للخطوط الحمراء الامريكية، ولن تمس بالأمن القومي المصري،وكذلك هي حظيت بدعم مجلس الحرب المصغر،والذي يدعم أغلبه صفقة تبادل الأسرى.
تأجيل تسليم أمريكا لهذه الشحنة من القذائف الدقيقة،والتي اعترفت الإدارة الأمريكية بأنها استخدمت في قتل المدنيين في قطاع غزة،أثارت حالة من الجدل والتوتر والغضب والصخب على الساحة السياسية والحزبية “الإسرائيلية” ،وصلت حد الإتهامات لهذه الإدارة بأنها تتخلى عن أمن “اسرائيل” وحمايتها و”حقها في الدفاع عن نفسها”،فعلى سبيل المثال لا الحصر المتطرفة تالي غوتليف ،عضو كنيست عن الليكود،وبشكل وقح قالت بأن تأخير تسليم أمريكا لهذه الشحنة ل” اسرائيل”،يجعل ” اسرائيل” تستخدم أسلحتها غير الذكية،وبدل هدم منزل تهدم عشرة منازل،في حين الصهيوني القومي بن غفير،قال بأن حماس وامريكا حبايب،مما حدا برئيس دولة الإحتلال يتسحاق هيرتسوغ،يقول بأنه يجب الإبتعاد عن التصريحات التوتيرية والمسيئة للعلاقة مع أمريكا …وكذلك ظهرت تصريحات تقول، بأننا سنجتاح رفح لوحدنا إذا رفضت امريكا مساعدتنا،وسنثبت بأن ” اسرائيل” مستقلة في سياستها وما يخص مصالحها وأمنها،وبأنها ليست النجمة ال 51 في العلم الأمريكي،وأكثر من ذلك فرئيس وزراء “اسرائيل” بعنجهيته المعهودة، صرح مساء اليوم الخميس 9/5/2024 معلقاً على تعليق أمريكا تسليم “اسرائيل” شحنة القذائف الدقيقة في مقطع فيديو نشره: “نحن عشية الاستقلال” .
في “حرب الاستقلال” قبل 76 عاماً، كنا قليلين مقابل كثيرين. لم تكن لدينا أسلحة، وكان هناك حظر على الأسلحة على إسرائيل، ولكن بعظمة الروح والشجاعة والوحدة في داخلنا – انتصرنا. اليوم نحن أقوى بكثير. نحن مصممون ومتحدون على هزيمة عدونا.
واضاف “إذا كان علينا أن نقف وحدنا، فسوف نقف وحدنا. لقد قلت بالفعل أنه إذا اضطررنا إلى ذلك، فسوف نقاتل بأظافرنا. ولكن لدينا أكثر من مجرد أظافر”.
مثل هذه الأكاذيب” و”العنتريات” الفارغة ظهرت عارية،عندما اعلنت ايران بأنها سترد مباشرة على قصف قنصليتها في دمشق،حيث هرعت ” اسرائيل” تستنجد بأمريكا ودول الغرب الإستعماري والعديد من الدول العربية الوظيفية،من أجل حمايتها وتولي الدفاع عنها.
تصوير البعض ممن ما يسمون أنفسهم بالمحللين السياسيين والخبراء العسكريين الإستراتيجيين، بأن هذه الخطوة الأمريكية تؤشر الى تدهور العلاقات الأمريكية – “الإٍسرائيلية” وبأن هذه الخلافات قد تصل الى المس بثوابتها الإستراتيجية في العلاقة الثابتة بين الطرفين،والتي تحددها الدولة العميقة ولا مجال للمس بها، دعم عسكري ومالي متواصلين،حماية قانونية وسياسية في المؤسسات الدولية،وبما يشمل التهديد بوقف تمويلها ودعمها وفرض عقوبات على اعضائها،وتوجيه التهديدات لهم،كما حصل في تهديد قضاة محكمة الجنايات الدولية، اذا ما صدروا أوامر اعتقال بحق قادة” اسرائيل”.
يثبت بأن هؤلاء المحلليين والخبراء الإستراتيجيين والعسكريين،حالهم حال فضائياتهم الذين يركزون على ” الببروغندا” و”التهريج” الإعلامي بعيداً عن التحليلات والقراءات المستندة للواقع بلغة لينين” التحليل الملموس للواقع الملموس”.
الخطوة الأمريكية هذه ،أتت أولا لحاجة سياسية خاصة بالرئيس الأمريكي والحزب الديمقراطي،ف”الإنتفاضة” الطالبية” التي اجتاحت الجامعات الأمريكية وانتقلت الى الجامعات الأوروبية،والتي تقول بتغير كبير في رؤية وتفكير ومواقف الطلبة الأمريكا والأوروربين،والذين يطالبون بوقف الحرب على قطاع غزة،ووقف المشاركة الأمريكية فيها،ووقف تزويد ” اسرائيل” بالسلاح،يمس بشكل كبير بحظوظ بايدن في الفوز بالإنتخابات الرئاسية الأمريكية،أي خطوة بإتجاه التهدئة الداخلية وزيارة شعبيته ورصيد الإنتخابي المتراجع.
وأيضاً هذه الذخائر ليست للإستخدام في القطاع،بل موجهة لجبهات اخرى وخاصة الجبهة الشمالية،وحسب قول السفير ” الإٍسرائيلي” السابق لدى واشنطن داني ايالون،فإن هذه الخطوة جاءت للضغط على نتنياهو للتجاوب مع المطالب الأمريكية وأولوياتها،بالحسم لليوم التالي لتوقف الحرب على قطاع غزة،وبما ينسجم مع رؤية بايدن للتطبيع مع السعودية وبناء حلف أمني معاد لإيران،وبما يقلل من نفوذ الصين وروسيا في السعودية.
“تخوف” اسرائيل من قرار الإدارة الأمريكية،نابع من الخوف،ليس بإحتمالية،عدم تزويد أمريكا ل” اسرائيل” بتلك القذائف الدقيقة،بل الخوف بأن تحذو حذوها العديد من الدول الأوروبية،وبما يعمق من أزمة “اسرائيل” وعزلتها على الصعيد العالمي سياسياً واقتصادياً وصولا لمنع تصدير السلاح اليها، فأمريكا منذ بداية 7 اكتوبر زودت ” اسرائيل” بشحنات أسلحة ذخائر وقذائف وطائرات هجومية ودبابات وأليات وقطع غيار وبنادق هجومية عبر جسر جوي وبحري قدر ب370 شحنة بالطائرات و 65 شحنة بالسفن.
واضح بعد إحتلال معبر رفح، ومع وصول المفاوضات حول اتمام صفقة تبادل الأسرى الى طريق مسدود، فإن الأمور ستزيد وتعمق من حدة الأزمات والإنقسامات داخل دولة الإحتلال، فهناك توجهات عند غانتس وايزنكوت بالإنسحاب من حكومة الطوارىء ،وكذلك فإن اهالي الأسرى الذين هددوا بحرق الدولة،وبحشد مليون متظاهر في الشوارع والساحات سيصعدون من احتجاجاتهم ودعواتهم الى إقالة نتنياهو وفك حكومته وإجراء انتخابات سياسية عامة ..
وسترتفع حدة المواجهات بين المتظاهرين وقوات الجيش والأمن ” الإسرائيلي”،وبما يضع ” اسرائيل” على أبواب حرب أهلية وإنقسام عمودي في المجتمع ” الإسرائيلي”.
فلسطين – القدس المحتلة