رواية “لنّوش” لليافعين والتّربية الحديثة ، بقلم : رولا خالد غانم
صدرت رواية لنّوش للأديب المقدسيّ جميل السلحوت عن دار الجندي للنّشر والتّوزيع في القدس، وجاءت في خمس وأربعين صفحة من الحجم المتوسّط،، وهي رواية موجّهة لليافعين، ومن الجدير بالذّكر أنّ الأديب السلحوت يكتب الرّواية لمراحل عمريّة مختلفة، وهذه الرّواية تندرج تحت إطار أدب الأطفال، وهو أدب مهمّ جدا يغرس القيم والأخلاق لدى هذا الجيل، وقد حمل غلاف الرّواية صورة حفيدته لينا فكان ذلك لافتا للنّظر، وجديدا لم نعهده من قبل؛ فأضفى على الرّواية جمالا ورونقا.
تجسّد الرّوايّة العلاقة العاطفيّة ما بين الطّفل وأمّه، وتبيّن مدى تعلّق الطّفل بأمّه وتأثّّره بها، فلينا تربّت في أسرة مثقّفة واعية، تربّت على العلوم الحديثة التي صقلت شخصيّتها، وأسهمت في بنائها. فالطّفل كما قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم :”يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه”. وإمّا أن يثقّفانه أو يجهّلانه أيضا، الطفل يولد كالصّفحة البيضاء، والأسرة بدورها تحدّد مساره وتزرع به ما تريد، وهذا ما أثبته الكاتب حين تحدّث عن لينا وذكائها، عقليّة لينا محصّلة البيئة التي نشأت بها. وصف الكاتب في هذه الرّواية مشاعر الطّفل وبراءته، فلينا لم تعرف غير اسم الدّلع”لنّوش” الذي أطلقه عليها والداها، وتظنّ أنّه اسمها الحقيقيّ، بالرّغم من نبوغها المبكّر.
لم يكتب الشيخ جميل هذه الرّواية عبثا، بل أراد أن يحفّز الأهالي على تربية أبنائهم على القيم، وتوجيه الأطفال من أجل مستقبل أفضل. لينا بطلة الرّواية اعتادت على سماع الموسيقى دون رفع صوت المسجّل، تربّت على هذه الثّقافة منذ أن كانت في بطن أمّها، التي كانت تستمع إلى الموسيقى الهادئة أثناء حملها، فأنجبت طفلة تعشق سماع الموسيقى، كما اعتادت وهي في طور التّكوين، حيث أثبتت الدّراسات والأبحاث أنّ الأجنّة يشعرون ويدركون ما يجري حولهم قبل أن ترى عيونهم النّور. ولا يفوتنا هنا أن نذكر أنّه وردت في الرّواية معلومة يجهلها كثيرون، وهي أنّ تربية الطفل على ثقافة المطالعة منذ يوم ولادته الأوّل، وذلك من خلال والديه وأجداده الذين من المفترض أن يقرأوا له القصص، أو يسردوا له الحكايات، وأن يشتروا له قصص الأطفال وأناشيدهم حسب مراحل عمره المختلفة، لتصبح المطالعة عنده سلوكا وعادة.
ويشجّع الكاتب في هذه الرّواية على تربية الأبناء على التكنولوجيا الحديثة؛ لما لها من أثر إيجابي على الأطفال، فها هي لينا التي اعتادت على استخدامها أضحت طفلة نجيبة متميّزة متفرّدة. وكعادته يحارب الجهل والجهلاء، فأحد أطفال الرّواية قال: إنّ جدّته أرادت أن تسرد له قصّة عن الغول، فمنعتها أمّه، وهذا دليل على أنّ الجيل الصّاعد والقادم أفضل من جيل الأمس، الذي لم يستوعب الآثار النفسيّة التي ستنعكس على الطّفل نتيجة تربيته على الخوف والتّرهيب، وطرح أيضا قضيّة تقبيل اليدين التي توارثتها الأجيال، وهي لا تنمّ إلّا عن تخلّف. لقد وفّق الكاتب في إيصال رسائله بل أبدع، فهذا عمل يحسب له.
وهذه الرّواية كما كتب عنها الدّكتور طارق البكري كاتب أدب الأطفال الشّهير عندما عرضت عليه قبل نشرها:
” تفيد الكبار كما تمتّع الصّغار، وهي تؤكد أهميّة الاهتمام بالطّفولة ورعايتها منذ لحظة نشوء الجنين، فكلّ طفل يخبّىء في داخله ماردا عظيما، يمكنه أن ينطلق نحو فضاءات الإبداع الواسعة إذا تكثّفت رعايته، ومنح ما يستحقه من رعاية متواصلة من محيطه، وهي إضافة متألّقة لمكتبة الطّفل العربيّ.”