الاخلاء ومعاناة خالتي الثمانينية ، بقلم : ريما محمد زنادة
كانت الساعة قاربت الحادية عشرة ليلا، حيث كنت ذلك اليوم في زيارة عند خالتي التي أصرت على مبيتي عندها.
حاولت أن أخلد للنوم إلا أنني سمعت أصوات ناس في الشارع يتحدثون بشيء من الذعر، وحركة غير طبيعية.
حاولت معرفة الأمر لكن لم أجد من يجيب على سؤالي، إلا أن الحال كان يغني عن إجابة اللسان، حيث كان الناس في ذلك الحي في حالة إخلاء للمنطقة.
هذا الأمر جعلني مباشرة أحمل حقيبتي وحذائي بيدي، فلا متسع للوقت لارتدائه من أجل الإسراع بالخروج.
ايقظت خالتي من أجل أن تسرع للخروج من البيت، لكنها مهما حاولت الإسراع إلا أن كبر سنها وخطواتها البطيئة، حيث تشتكي من وجع القدمين جعلها كلما تسير خطوات تطلب أن تجلس على الرصيف، فكانت تقول لي بصوت منكسر “تعبت ياخالتي لا أستطيع المشي خليني أجلس على الرصيف لأرتاح”.
كانت كلماتها وحالها محط إشفاق قلبي لكن ليس باليد حيلة، فقد كان الوقت يمر سريعا وأمامنا فقط دقائق للإخلاء والابتعاد عن المنطقة فهناك بيوت مهددة بالقصف من قبل صواريخ الاحتلال.
طلبها المتكرر بالجلوس لترتاح قليلا، وملامح التعب التي كانت واضحة على وجهها، وثقل جسدها بخطوات مشيها المتعبة جعلتني رغم كل شيء استجيب لطلبها، لكن سرعان ما أمسك بيدها لتستعيد نهوضها من جديد.
الدقائق أخذت تنفذ وتقترب من وقت انتهاء التحذير، وكنت أحاول أن أساعد خالتي بأن تتسارع في خطواتها بالمشي، لكن قلة حيلتها كانت تجعلني أسير حسب خطواتها وأن أمسك يدها بقوة وأن لا أتركها أبدا.
كنت في الطريق أردد آية الكرسي لتبعث في قلبي الاطمئنان وتكون حافظة لنا.
جلست مع خالتي في الشارع بعدما قطعنا مسافة بعيدة عن المكان المهدد، صحيح أنها لم تكن بعيدة بمعنى البعد، ولكن هذه المسافة هي التي استطاعت خالتي قطعها.
وما أن جلست قليلا حتى سمعت صوت انفجار هائل حيث تم تدمير أكثر من بيت في ذات الوقت.
لم نرجع للبيت مباشرة، وانتظرنا وقتا طويلا، الأمر الذي جعل التعب واضحا علي والشعور بالبرد، الأمر الذي جعلني اضع رأسي على حقيبتي ،لكن رغم ذلك إلا أنه لم يخفف من تعبي.
كنت في حيرة، هل نعود لبيت خالتي أو البقاء في الشارع، فما وجدت نفسي إلا وأسأل الله تعالى بأن يقدر لخطواتنا الخير سواء بالبقاء أو العودة فسرعان ما وجدت أننا نهم بالعودة.
رغم أننا لم نبعد مسافة طويلة إلا أنني وجدت طريق العودة طويلا جدا، فالشارع كان شديد الظلمة وركام البيوت المهدمة من حولنا مؤلمة جدا ومخيفة.
في كل خطوة، كانت خالتي تحاول مجددا طلبها في الجلوس على الرصيف، فكنت اتوسل إليها أن لا تقف فالطريق مخيفة والوضع ليس آمنا للبقاء أكثر في الشارع.
كانت تخبرني بين فترة وأخرى بأنها لا تستطيع المشي وقدميها لا تقويان على حملها لكن الوضع جعلني أبادلها توسلها بتوسلي بأن تسرع في المشي.
وبعد وقت ليس بالقصير وصلنا البيت، فأخذت أردد، الحمد لله تعالى بأن حفظنا وعدنا للبيت في خير.
حاولت العودة للنوم لكن ذلك أخذ مني وقتا طويلا، فتارة لأجل أن تهدأ نفسي وتارة أخرى خوفا من معاودة القصف، أما خالتي فقد أخذت حيزا أكبر من تفكيري والإشفاق عليها، خاصة وأنها تجاوزت الثمانين من عمرها، حيث كانت عملية الإخلاء شاقة جدا عليها، إضافة إلى تعبها النفسي وشعورها بالخوف وحيرتها في المكان الذي ينبغي الذهاب إليه.