السباق بين الزمنيين الأميركي والإيراني، بقلم : راسم عبيدات
القاعدة الأساسية التي يجب أن ننطلق منها في التحليل، بأن أميركا هي صاحبة فكرة الحرب على شعبنا في قطاع غزة، وهي من تقود تلك الحرب عسكرياً وأمنياً، و”إسرائيل” أداتها التنفيذية في هذا الحرب الوحشية، وتجلى ذلك في الحجيج الأميركي للإدارة الأميركية مباشرة بعد معركة 7 أكتوبر، بكل أركانها من الرئيس إلى وزير خارجية ووزير الدفاع ورئيس أركان الجيوش المركزية الأميركية للقيادة الوسطى ومستشار الأمن القومي والعديد من القيادات العسكرية، حيث جرى تسليم مقود قيادة هذه الحرب للأميركي، عبر الحضور المباشر للرئيس الأميركي ووزير خارجيته ومستشار أمنه القومي جاك سولفيان لجلسات المجلس الحربي” الإسرائيلي” المصغر أكثر من مرة، وجرى الاتفاق على أهداف الحرب الاستراتيجية، القضاء على المقاومة الفلسطينية وفي القلب منها حركة حماس واستعادة الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية دون تفاوض و”هندسة جغرافيا” قطاع غزة عبر الطرد والتهجير والتطهير العرقي، وصولاً للهدف الأكبر، ما يعرف بالشرق الأوسط الجديد، عبر إعادة رسم خرائط المنطقة وتشكلها من جديد، بما يخدم المصالح الأميركية الاستراتيجية في المنطقة.
هذه الأهداف وإن ظهرت حولها خلافات تكتيكية “إسرائيلية” – أميركية، ولكن تبقى تلك الخلافات تحت سقف “أميركا صهيونية” و”إسرائيل” قاعدة أميركية متقدمة في المنطقة، وبما لا يمس بجوهر العلاقة الاستراتيجية بين الطرفين، ولا يصل إلى حد وقف تزويد “إسرائيل” بالأسلحة بمختلف أنواعها، بما في ذلك الصواريخ الموجهة والقنابل زنة 2000 رطل، والطائرات المقاتلة من طراز “أف 35″ و”أف 16” و”أف15″، واستمرار الدعم المالي وتوفير الحماية القانونية والسياسية في المؤسسات الدولية.
أميركا و”إسرائيل” اعتقدتا بأن تلك الحرب، بكل أشكال “توحشها” واستخدام التجويع كسلاح، والتدمير الممنهج لكل شيء له علاقة بالحياة والجانب المدني في قطاع غزة، وبما يحولها إلى أرض غير قابلة للحياة، لا يحتاج الى أكثر من شهرين في حده الأعلى، حيث سيجري القضاء على المقاومة وأسر وقتل قياداتها وتدمير كل البنى والهياكل القتالية لها، وبما يشمل تدمير الإنفاق، و”تحرير” الأسرى من قبضة المقاومة بدون تفاوض، ولكن الواقع قال كلمته بعكس ما خططت له أميركا و”إسرائيل” ومعها عواصم عربية وإقليمية ودولية، حيث أن المقاومة وحاضنتها الشعبية، سجلت صمود أسطوري، يدرس في الكليات والمدارس العسكرية، وهذا دفع بالكاتب “الإسرائيلي” ألون مزراحي، للقول أنه بعد دخول الحرب لشهرها السابع، فإن حماس، تلك المنظمة الصغيرة حققت نصراً في الميدان على “إسرائيل” وأميركا ودول أوروبا الغربية، وكذلك هي ربحت حرب الرواية والسردية والرأي العام العالمي، واستطاعت أن تدير المعركة باقتدار عالي، واستثمار عالي لكل إمكانياتها وقدراتها.
يبدو بأن دينامكية التفاوض من أجل الوصول الى هدنة مؤقتة وصفقة تبادل أسرى، والتي جاءت بعد عدد من التطورات جعلت أميركا، تشرف على العملية التفاوضية لتبادل الأسرى بنفسها، وبشكل مباشر من خلال مدير وكالة مخابراتها المركزية “السي آي ايه” وليم بيرنز، من أجل إحداث عملية اختراق من شأنها، أن توقف خروج الأمور عن السيطرة، والذهاب إلى حرب واسعة، ومن هذه التطورات قيام “إسرائيل” بقصف السفارة الإيرانية في دمشق وما نتج عنها من قتل عدد من حرس الثورة الإيراني وفي المقدمة منهم القائد الكبير محمد رضا زاهدي، هذا القصف والاستهداف، الذي ردت عليه طهران من خلال قادتها ومرجعياتها الدينية والعسكرية والسياسية، وفي المقدمة منهم الأمام على خامينائي، بأن الرد الإيراني قادم وستندم “إسرائيل” على فعلتها، والرد كخيار حسم وبقي تحديد مكان ووقت الرد وحجم هذا الرد. وكذلك ما أقدمت عليه حكومة نتنياهو باغتيال عدد من العاملين في مجال الإغاثة من “المطبخ المركزي العالمي”، الذين ترعاهم حكومات الغرب، ويضاف لذلك سياسات “التوحش” والتجويع بحق المدنيين في قطاع غزة، والتي استثارت ردود فعل أوروبية وتحول ليس في الرأي العام العالمي فقط، بل حتى في مواقف الدول الداعمة لدولة الاحتلال، وبما يعمق من أزمة “إسرائيل” وعزلتها عالمياً على الصعد الاقتصادية والدبلوماسية، ولتصل الأمور إلى حد المطالبة بوقف تصدير السلاح لها.
أميركا إزاء هذه التطورات لا تستطيع البقاء موقف المتفرج، وهي تشهد نزيف شعبية رئيسها كمرشح للرئاسة، مهدد بالسقوط على خلفية المشاركة في الحرب وتماهيها في الموقف مع”إسرائيل”، وهي لا تستطيع أن تترك “إسرائيل” لمصيرها، أو تقبل هزيمتها، لأن هزيمة “إسرائيل” ستكون لها تبعيات كبرى على نفوذها ودورها ومصالحها في المنطقة. ولذلك المحادثة التي جرت بين بايدن ونتياهو لمدة 45 دقيقة، والتي قيل بأنها كانت متوترة، أوعز فيها بايدن لنتنياهو، بضرورة توسيع إدخال المساعدات الإنسانية من العديد من المعابر، منها معبر بيت حانون “ايرز” وزيادة إدخال المساعدات الأردنية من خلال معبر “كرم أبو سالم” وإدخال المساعدات عبر ميناء أسدود، وزيادة عدد الشاحنات إلى 500 شاحنة يومياً، وإرسال وفد “إسرائيلي” إلى القاهرة بصلاحيات واسعة من أجل إنجاز صفقة تبادل أسرى تستجيب إلى حد ما إلى المطالب التي تقدمت بها المقاومة الفلسطينية، وأميركا لكي لا تظهر بأن ما يجري من مفاوضات بالقاهرة يدور حول وقف إطلاق نار دائم وانسحاب “أسرائيلي” شامل، أوعزت لنتنياهو بالقيام بعملية إعادة تموضع جيشه في خانيوس وقطاع غزة، لكي يتم سحب بندي الانسحاب “الإسرائيلي” وإدخال المساعدات الإنسانية غذائية وطبية ومحروقات، من جدول مفاوضات القاهرة، لأنها تحققت، وحصر التفاوض، كما جرى صياغته من قبل مسوؤلي الموساد والسي آي أيه في ورقة الإطار التي تمت في قمتي باريس الرباعية الأمنيتين، مقايضة ورقة الأسرى بزيادة إدخال المساعدات الإنسانية غذائية وطبية. وترك العناوين الأخرى من انسحاب “إسرائيلي” شامل، ووقف إطلاق نار دائم، وعودة نازحي الشمال إلى بيوتهم، فيسعى نتنياهو لإنجاز تحقيقها، لكن على طريقته المفخخة والواقعة تحت السيطرة.
“إسرائيل” لا تريد أن تنسحب من الشمال، ولا تسمح بعودة النازحين، ولا تتخلى عن السيطرة على شارعي صلاح الدين والرشيد، بل هي ستعمل على تكريس سيطرتها على الشمال، وإقامة منطقة عازلة، وتعمل على تقطيع أوصال قطاع غزة، عبر “الهندسة” الجغرافية، وإقامة الأبراج العسكرية والمراقبة بمنظومة الذكاء الصناعي الفتاكة، والسيطرة على المياه الإقليمية والاقتصادية الفلسطينية، من خلال ما يعرف بالميناء المؤقت أو الرصيف العائم، وتطوير بنيته البحرية من أجل تجارتها مع الهند ودول الخليج وأوروبا الغربية عبر أصدقائها في قبرص واليونان، ويبدو بأن الزمن الأميركي الذي كان الرهان عليه في الوصول إلى اتفاق من خلال المفاوضات الجارية في مصر، قد فشل، والمقاومة قالت بأن المقترحات الأميركية لا تستجيب إلى مطالبها، ونتنياهو، الذي كان يسعى دوماً لتفجير تلك المفاوضات، ويخشى على انفراط عقد حكومته من قبل الفاشية اليهودية، بن غفير وسموتريتش، واللذان قالا بأن عدم استكمال نتنياهو للحرب على رفح، يعني بأن نتنياهو لن يكون رئيساً للحكومة. ونتنياهو قال بأنه حدد موعد عملية رفح،وامر بشراء 40 الف خيمة من أجل الشروع بعمليات إخلاء المدنيين من منطقة رفح،وهذا يعني بأن الرهان على الزمن الأمريكي قد استنفذ،وبأن استنفاذ هذا الزمن،يعني بأن الرد الإيراني الذي كان الرهان على أنه لو جرى اتفاق يستجيب لمطالب المقاومة،ربما يجري تخفيضه او تأجليه أو صرف النظر عنه،ولكن يبدو بأن الزمن الأميركي قد استنفذ، والمنطقة ستدخل الزمن الإيراني، والتي تعني بأن الرد الإيراني سيكون واسع جداً كما يقول الإيرانيين ويتوقع الأميركيون، وبأن الحرب ستتوسع على أكثر من جبهة وخاصة على الجبهة الشمالية، وستطال الصواريخ عمق الجبهة الداخلية “الإسرائيلية” والتي قد ترد باستخدام أسلحة نووية تكتيكية، تستهدف فيها المنشأت النووية الإيرانية ومواقع ومنظومات صواريخها البالستية، والتي حينها سترد إيران بضرب العمق “الإٍسرائيلي” بأعداد كبيرة من الصواريخ بعيدة المدى والدقيقة ومسيرات “هاجم 149” الانقضاضية. وتصبح المنطقة كاملة على فوهة بركان قد يدفع نحو حرب إقليمية شاملة، تطال تأثيراتها الاقتصاد العالمي ومصادر الطاقة.