تحديات في التطبيق العملي ، قيمة الاحترام كحالة، بقلم : د. غسان عبد الله
قرع الجرس (10)
بعد أن أنهى حفيدي ( صف سابع) قراءة مقال ” تفشي مشاعر الكراهية ” والمنشور في صحيفة القدس الأسبوع الماضي ، الصفحة التاسعة ، استدار الي قائلا : ” أريد منك طلبا بسيطا وهو أن تكتب عن لماذا يكره بعض الطلبة معلما ما ولماذا يكره هذا المعلم طالبا ما ؟
انتابتني الدهشة من طلبه ،كانت ردة فعلي الأوليّة أن الانسان يجب أن لا يكره الاّخر ، فنحن من مخلوقات الله ، حيث دعانا الخالق الى واجب تكريم بني اّدم ( ولقد كرّمنا بني اّدم – اّية قراّنية ) وفي حديث نبوي شريف يقول ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مثلما يحب لنفسه – متفق عليه) . ثم أردفت قائلا لك وعد ببذل جهودي للبحث في الأسباب والدوافع غير المبرّرة وغير المقبولة أبدا للقبول بمثل هذا السلوك – سلوك الكراهية .
احدى الدوافع الرئيسة لمثل هذا السلوك البغيض هو الجهل( ignorance )وعدم المعرفة بالاّخر ( ثقافته ، عقيدته، ظروفه الشخصية ، البيئية ،الاجتماعية والاقتصادية ، عاداته وتقاليده…..) قبل بلورة حكم مسبّق عن ذاك الشخص ،فهما رأسينن مختلفين، لا سيما أنه بات هناك علما جديدا أدعوه “علم صناعة التجهيل ومقاومة التطور المعرف (agnotologu ).
ثمة دافع اّخر يتمثل في نهج الافتراض (assuming )كل طرف يفترض أن الطرف الاّخر يعي تماما المطلوب منه /منها حيال الاّخر ،دون أن يقوم بتبيان ما يجب تبيانه ، كي يفهمه الطرف الاّخر ، وهنا تزيد فرص وامكانيات سوء الفهم وارتكاب الأخطاء بحق الاّخر . اذا ما قلّصنا هامش الغموض في التعامل (ambiguity)،تكون فرص تولد مشاعر الكراهية ضئيلة جدا . يكون ذلك من خلال تبني وتذويت ما ورد في الاّة الكريمة ( الا الذين اّمنوا وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) من منطلق أن ” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ….- حديث نبوي شريف متفق عليه”.لذا لا يجوز لأي من أعضاء المثلث التربوي تفريغ ضغوطاته النفسيّة والاقتصادية والاجتماعية على الاّخر .
جدير ذكره ، أن القراّن الكريم يتكون من 6236 اّية،منها 130 اّية فقط (2%) حول العبادات و1504 اّي(24%)حول الأخلاق وما تبقى حول قضايا أخرى.
وجدت المدرسة كمؤسسة رسمية للتعلم والتعليم ، دون اغفال دورها التربوي والمجتمعي، اذ ينتقل الطفل الى هذه المؤسسة بعد أن زرعت أسرته فيه القيم التي ترتأي فيها سياجا يشكّل الحصن المنيع لعدم انحرافه. من أجل عدم التضارب بين الدورين – دور المدرسة ودور الأسرة – يتوجب عل الأولى المزيد من التفاعل المجتمعي وتخطي الجدران الاسمنتية للتعرف على واقع المجتمع الذي تنشط فيه ، كما يتوجب على الأسرة بذل المزيد من التعاون مع الادارات المدرسيّة من خلال مجالس أولياء أمور فاعلة ، وهنا تتأتة مهمة المدرسة في تعزيز التكافل الاجتماعي .قد يكون مطلوبا تكثيف وتعميم ثقافة ومهارات حل النزاعات داخل الصف ، حيث يمكن الاستثمار في أي سلوك سلبي لحل المشكلة عوضا عن الترهيب والتخويف أو التعنيف والتنمر ، وذلك من خلال تعزيز مهارات وأساليب الحوار والاصغاء النشط ، اللذان يعملان على تأمين الفرصة الأكبر لفهم المشكلة والاعتراف بالاّخر كانسان له تطلعاته ، أحلامه ومخاوفه وهنا نضمن حالة ” أنسنة الاّخر ( humanizing the other) بدلا من ( dehumanizing him/her )
لتكن المبادرات الشخصيّة لأضلاع المثلت التربوي التعليمي( افطار جماعي ، مناسبات دينية ووطنية ، رحلات مدرسيّة ،تبادل الزيارات بين الصفوف/ الشعب المدرسيّة …. الخ) ،رافدا لا ينضب في قنوات التربية غير الرسميّة ، والتي ثبت أن لها تأثيرات أيجابية مستدامة ( sustainable impact ).
نتفق جميعا أن المهمة الأساس للمعلم هي التعليم دون اغفال التربية طبعا ، لنستذكر هنا مقولة اينشتاين والتي قالها عام 1934 لعدد من تلاميذه في أمستردام:” أفرح بؤيتكم أيها الشباب السعيد،أريدكم أن تعرفوا وتضعوا في اعتباركم أن الأشياء الرائعة التي تتعلمونها في مدرستكم هي نتاج أجيال عديدة ، جاءت كمحصلّة لجماس ونشاط متقدّ ودؤوب في مجتمعات ودول مختلفة .نضع كل هذا ( معرفة ، قيم وأخلاق ) بين أيديكم كميراث نورثه لكم كي تقوموا بنقله الى أطفالكم .
هكذا نحن البشرنحقّق الخلود في الأشياء الدائمة المتوارثة عبر الأجيال . اذا وضعتم هذا نصب أعينكم ، ستجدون معنى للحياة وتعملون وتكتسبن السلوكيات الايجابية بعيدا عن الكراهية والعنف والدمار ، وسترضون باحترامكم لبعضكم البعض “
ونذكر أيضا قصة الامام الشافعي مع تلميذه يونس والتي تقول :-
“ذات يوم اختلف الطالب يونس مع استاذه الامام الشافعي رضي الله عنه ،فغضب الطالب وخرج من الدرس عائدا الى بيته . عند الغروب سمع الطالب صوت طرق على الباب ،ففتحه واذا به الامام الشافعي ،فقال له :
يا يونس تجمعنا مئات المسائل وتفرقنا مسألة ! يا يونس لا تحاول الانتصار في كل الاختلافات ،فأحيانا كسب القلوب أولى من كسب المواقف ،يا يونس لا تهدم الجسور التي بنيناها وعبرناها سوية ،فربما تحتاجها للعودة يوما ما، يا يونس لنكره الخطأ ولا تكره المخطىء، أبغض المعصيّة ولا تبغض العاصي ، يا يونس انتقد العقول لكن احترم القائل، فان مهمتنا هي القضاء على المرض وليس على المريض “
هذا من نريده من صانع الأجيال ،صانع قيادات المستقبل العتيد ، المعلم الذي لم ولن يتم ايفاءه الحق المشروع له ، كون رسالته ارتبطت برسالة الأنبياء والرسل وفق التعاليم السماوية للأديان الثلاث جميعها ، سواء كانت قوانين ألهية أو قوانين وضعيّة ، شريطة أن لا تتعارض مع هذه العقائد السماوية .