الرأي العام وسياسة التغيير..تركيا أنموذجًا..هل من عبرة؟ بقلم : سماح خليفة
“وداعًا كمال” جملة ردّدها الرئيس أردوغان ثلاث مرات في مؤتمره الشعبي أمام أنصاره، في إشارة إلى منافسه كمال كليجدار أوغلو، إثر فوز الأول بالجولة النهائية في انتخابات الرئاسة التركية على منافسه، بحسب اللجنة العليا للانتخابات عام 2023م.
في العام 2024م يبدو أن جملة أردوغان ستستبدل من نظيره المنافس “وداعًا أردوغان”، حيث اعترف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالخسارة الكبيرة التي تعرض لها حزبه، وذلك خلال كلمته أمام حشد كبير من مؤيديه، مما دفعه لتقديم الوعود ببذل مجهود أكبر، وعمل ما يلزم من مراجعة ما استحدث من سياسته، ومحاسبة ذاته، لتجنب الإخفاقات التي أدت إلى تلك النتيجة، مُبديًا احترامه الدائم لإرادة شعبه، وحريته في انتخاب قيادته، على الرغم من كونها انتخابات محليّة، ولن تؤثر على السلطتين التنفيذية والتشريعية، لكنها بوجه أو بآخر تعكس رأيًا عامًا مخالفًا لتوقعات أردوغان وحزبه، ومن شأن ذلك أن يقلق السلطة على مستقبلها السياسي، خاصة مستقبل أردوغان السياسي.
الجدير بالذكر، إن أردوغان كان يأمل، على مستوى البلديات، استعادة بلديتي إسطنبول وأنقرة، على وجه الخصوص، من حزب الشعب الجمهوري، بيد أن الأخير، فضلًا عن المحافظة عليهما، أضاف إليهما عددًا كبيرًا من البلديات الأخرى، بما فيها أوسكودار ومانيسا في أسطنبول، التي تعدّ من قلاع الحزب الحاكم، مع العلم ان هذه الخسارة الكبيرة لم يشهدها حزب “العدالة والتنمية” الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب إردوغان منذ 2002م.
هذا بدوره يضع علامات استفهام كثيرة حول هذا التغير الملحوظ في توجه الناخبين، لعكس البوصلة، وتغيير قبطان دفتها، وخاصة أن إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع تراجع في عموم البلاد، وكذلك في بعض مناطق شعبية العدالة والتنمية، مما أدى إلى تراجع نسبة التصويت، على اعتباره عاملًا من العوامل المؤثرة.
وفق تحليلات الخبراء والمراقبين، هناك عدة أسباب تقف خلف تلك الخسارة المدويّة، تتوزع ما بين السياسة الداخلية والوضع الاقتصادي، وهو المحرك الأقوى الذي أثّر على توجهات الناخبين.
وتعزو ديلارا أصلان مديرة مكتب صحيفة “ديلي صباح” في أنقرة، الانتكاسة إلى ثلاثة أسباب، أولها: الوضع الاقتصادي، حيث أثر ارتفاع التضخم، وانخفاض قيمة الليرة التركية سلبًا على الحياة اليومية للناس، كما أن أكثر الشرائح الغاضبة تمثلها فئة المتقاعدين، الذين يعيش معظمهم بـ10 آلاف ليرة تركية في الشهر، أما السبب الثاني، فيعزى إلى الكوادر غير الفعالة التي نمت داخل حزب “العدالة والتنمية”، على عكس الفريق الناجح الذي قاد الحزب في سنواته الأولى، وعلى إثر ذلك تشكلت هوّة بين النظر لشخص الرئيس إردوغان من جهة والحزب من جهة أخرى، في حين يرتبط السبب الثالث بصعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، بذلك فإنه فقد روابطه مع الشعب، وترجمت ردود الأفعال في الانتخابات.
وترى أصلان أن زيادة أصوات حزب الشعب الجمهوري مرتبطة بصراع وجودي للمعارضة، حيث تُعدّ الهزيمة المتوالية بمثابة نهاية للمعارضة، مما دفع الناس إلى تعزيز هذا الحزب ممثلًا بزعيمه أكرم إمام أوغلو، كزعيم مستقبلي للشعب الجمهوري والمرشح الرئاسي المحتمل لعام 2028م.
ويتبين مما سبق أن “الاقتصاد تغلب على أردوغان” على الرغم من إدراك الأخير حالة الغليان الشعبي، ومحاولته تجيير كل خطوة من المعارضة لنتائج تصب في صالحه، لكنه لم يستطع ذلك.
وأما تخلف البعض عن الانتخابات، فهو باعتقادي، كما هو الحال في بعض الدول، يعزى إلى حالة الإحباط التي أصابت الناس نتيجة تردي الوضع وانصراف الساسة عن مصلحة الشعب إلى مصالحهم الذاتية، وعدم وجود البديل من الكفاءات القادرة على إنقاذ الوضع وانتشال الناس من تلك الهوة السحيقة.
وفي الخلاصة فإن نتائج ما حدث للحزب الحاكم في تركيا يجب ألا يعدّ “نداء استيقاظ لحزب العدالة والتنمية” في تركيا فقط، إنما نداء استيقاظ لحكومتنا في ظل الوضع الاقتصادي والأمني المتردي، الذي يتعلق بها، بعيدًا عن الجانب الإسرائيلي، كحد أدنى، من كبت الحريات (قتل نزار بنات)، واضطراب وتيرة دفع الرواتب للموظفين العموميين، وتعاظم معدلات العنف المجتمعي، وتصدر رواد العرف العشائري لمساعي فض المشكلات وحلها، وتحول الميراث العدائي بين الأفراد والجماعات لعقيدة عمل، ما يدفع الفئات المهمشة والمظلومة، والتي تشعر بالحرمان من العدالة، للتربص من أجل نيل ثأرها بيدها، جراء انعدام العدالة، والاستثناء السياسي والمؤسسي الفظ، وأما الآن ومع تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة فإن الكرة تنتقل إلى مرماها، لتحسين وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لأن الشعب الذي رضخ عقودًا لسلطة الوطن، وسلطة المحتل، ولم تسنح له الفرصة لممارسة حقه في الانتخاب، على أقل تقدير، سينفجر ذات يوم في وجه الحكومة، كما هو ينفجر الآن في وجه المحتل الذي تمثل في 7 أكتوبر، وبعض جغرافية الضفة.