البروباغاندا الصّهيونية والإعلام “الإرهابي” الجزيرة كبش الفداء، بقلم : سماح خليفة
عتاد الاحتلال الصهيوني الاعتماد على “البروباغاندا”، “الدّعاية”، لترويج أكاذيبه وتهيئة الرأي العام لتقبل جرائمه، وتشويه الفلسطيني، والبحث عن مبررات، لمواصة حربه الإجرامية البشعة.
إن الآلة الإعلامية الصهيونية تعمل بشكل ممنهج، لنشر معلوماتها بطريقة أحادية المنظور، تتضمن رسائل مدروسة بعناية، عبارة عن أكاذيب وخدع ربطتها بعملية 7 أكتوبر، للتأثير في آراء وسلوك ومواقف أكبر عدد ممكن من الأشخاص.
بعد انطلاق طوفان الأقصى بساعات قام الاحتلال بعدوان همجي على غزة، تزامن مع إطلاق حملات دعائية تضليلية ضخمة، روّجت اسرائيل لها بالاعتماد على اللوبي الصهيوني التابع لها في مختلف دول العالم، وخاصة الغربية منها، حيث استندت إسرائيل على الشهادات لدعم روايتها، التي فبركتها معتمدة على قص الصور والتلاعب بها، وإرفاقها بكلمات تحريضية مضللة توحي بأنها دليل على أن حماس قامت بعمليات اغتصاب جماعية ممنهجة كجزء من استراتيجيتها في العملية التي أطلقتها.
الحكومة الإسرائيلية تبذل جهدًا كبيرًا عبر وزارة الإعلام ووحدة “الهاسبار” التي تدار من قبل ضباط الاستخبارات والأمن السيبرالي، لإغراق شبكات التواصل الاجتماعي، والقنوات الإعلامية، والصحفيين، للترويج لسرديتها، فهذه الأبواق الإسرائيلية تعدّها إسرائيل من أفضل الجيوش المؤثرة إعلاميًّا، والتي تشهر سلاحها للدفاع عن جرائم إسرائيل.
إن الآلة الإعلامية الصهيونية كانت ومازالت، إذا أرادت أن تصنع رمزًا تابع لها في الخفاء هاجمته وجعلته العدو الأول لها، وأما إذا أرادت إسقاط جهة ما، انهالت عليها بالمديح والثناء، كونها تقف ضد ممارسات المقاومة الإرهابية، وهذا النهج نجح في السابق بسبب وجود شريحة سطحية تنجر خلف هذه الألاعيب. لكن مع الوقت واستمرار إسرائيل في جرائمها، ونهضة الشعوب المؤثرة على الإعلام وعلى القرار السياسي، لم يعد هذا النهج يجدي، وخاصة عندما التفتت الأنظار في العالم حول ما تبثه قناة الجزيرة، ووقفت عند الأحداث، لتحلل وتفكر وتناقش، وتخرج أصوات تزعج إسرائيل، مما دفعها للبحث عن نهج آخر للتعامل مع هكذا أبواق مزعجة وخاصة عندما لم يجدِ التهديد واستهداف صحفييها وذويهم بالقتل، فما كان منها إلا أن اتهمتها بالإرهاب، وأطلقت عليها “الجزيرة الإرهابية”، واستحدثت قانونًا في الكنيست الإسرائيلي بأغلبية 70 صوتًا مقابل 10أصوات، مع إمكانية حظر أي قناة تعدّها تهديدًا لأمن الدولة العبرية.
وبالنظر إلى القناة الوحيدة في العالم التي جعلت من الجرائم الإسرائيلية على غزة الموضوع الأوحد لتغطيتها الإخبارية، على مدار الساعة، طوال الأشهر الماضية، جعلت نتنياهو يتعهد بـ”التّحرك فورًا”؛ لتنفيذ قراره، متهمًا “الجزيرة” بـ”الإرهابية”، وأنها “بوق لحماس”، “شاركت بشكل نشط في مجزرة السابع من أكتوبر”.
وعلى الرغم من أنّ هذا القرار استعراضي بالدرجة الأولى، لا يؤتي أكله على أرض الواقع، لأن مراسلو القناة في غزة وكذلك في الضفة الغربية سيواصلون عملهم بكل تأكيد، بالتالي فإن الضرر فعليًّا سيطال التغطية في الداخل، وستظل إمكانية اللجوء إلى ألف طريقة للحصول على الأخبار والمواد الفيلميّة، وكذلك الضيوف مصدر الخبر والتحليل.
إن حصول القناة على تسجيلات تفضح جرائم المحتل، من استهداف المدنيين، وجرف جثثهم مع التراب وخلطها بالقمامة، فضلًا عن فظاعات مرعبة في مجمّع الشفاء الطبي تجاوزت في وحشيتها مجزرة مخيم (صبرا وشاتيلا )الفلسطيني في لبنان عام 1982م، وكذلك التغطية المستمرة لمأساة غزة في الأشهر الماضية، وكشفها أكاذيب الاحتلال الكثيرة ونوعية التحليل الذي تقدّمه، ولا يفوتنا شعبية المحلل العسكري فايز الدويري، فضلًا عن بث أشرطة عمليات المقاومة، وكشف مصير الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين لديها، إلى جانب كلمات (أبو عبيدة) الناطق باسم كتائب عز الدين القسام، والمؤتمرات الصحفية لرئيس الوزراء، ووزير حربه، والناطق العسكري لجيشه وغيرهم من المسؤولين، أقلق إسرائيل وأرّقها.
إن قرار حظر “الجزيرة”، “كبش الفداء”، التي أخذت على عاتقها فضح جرائم الصهيونية، لتحمل ذنب الجرأة والمصداقية في نقل الحدث، والذي أعربت واشنطن عن “قلقها” المعتاد منه، سيزيد بلا أدنى شك، من تدمير صورة من أرادت دائمًا أن تقدّم نفسها “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” وهي التي لم تسمح للإعلام الدولي بدخول غزة، خشية المزيد من فضح جرائمها هناك.
وكما قلنا في مقال سابق إن سياسة إسرائيل ليست إلا استنساخًا لسياسة أمريكا، التي تذكّرنا آنيًّا، بما كانت تبديه الولايات المتحدة من غضب عارم بسبب تغطية القناة لحربها على أفغانستان 2001م، ثم غزوها للعراق 2003م، وكيف أعرب وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد علنا أكثر من مرة عن استيائه من تغطية تلك القناة.
إن ما يقلق المسؤولين الإسرائيليين هو أن قناة “الجزيرة” وبحكم ما كشفته من جرائم موثقة في غزة باتت مصدرًا موثوقًا تنقل عنه وسائل إعلام دولية عديدة، وهي التي كانت غالبًا ما تتجنب تغطية الفظاعات في غزة من قتل وتجويع وتنكيل، بحيث انتشرت عالميًّا أخبار هذه الجرائم ولم يعد ممكنًا تجاهلها، أو التعتيم عليها حتى أصبحت محل تعليقات من مسؤولين سياسيين في كل أنحاء العالم.
والقلق الأكبر لدى إسرائيل هو “الوعي” الإعلامي والجماهيري الذي يكشف زيف الرواية الإسرائيلية، ويعرّيها مع الزّمن، لتحدث في نهاية المطاف وعلى الأمد ليس بالبعيد تغييرًا، يردع هذه “البروباغاندا” الصهيونية ويكشف زيفها، ولا بأس من كبش فداء على مستوى الأفراد والشعوب والقنوات، هي ضريبة الصمود والإرادة في المقاومة وبث كلمة الحق.