11:10 مساءً / 23 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

وجهان لسيناريو واحد: الغول والضحية، بقلم : سماح خليفة

سماح خليفة

وجهان لسيناريو واحد: الغول والضحية، بقلم : سماح خليفة


التاريخ لا يعيد نفسه

“دموع التماسيح”. ولدت هذه العبارة المعروفة حاليًا، من رسومات أحد الآلهة المصرية القديمة “سوبك” التي تعكس ثقافة البكاء المزيف من أجل الحصول على التعاطف الكاذب، حيث كانت التماسيح تذرف الدموع عند مهاجمة ضحاياها وأكلهم، إما كمصيدة لإغراء فرائسها أو بدافع الانفعال عن فعلها العنيف.

عبر تاريخ الحروب التي بدأت منذ العصر الحجري على الحدود المصرية السودانية وحتى يوم 6 أكتوبر، اليوم السابق لحرب غزة، كان يعتقد أن أسوأ الحروب وأبشعها دموية في تاريخ البشرية، هي حرب فيتنام، التي جسدت الرعب الحقيقي لمعنى الحرب، حيث عكست صورة “فتاة النابلم” مأساة ضحايا الحرب الأبرياء، تلك الصورة التي التقطها مصوّر وكالة “أسوشيتد برس”، “نيك أوت” في تموز 1972م.

الصورة كانت المشهد الختامي الذي وضع نهاية لتلك الدراما الدموية، التي استمرّت نحو 20 عامًا، ولم تنجح أكاذيب “ريتشارد نيكسون” الرئيس الأمريكي آنذاك في تزييف حقيقة الجرائم الدموية التي ارتكبتها، ولم ينج الجاني في الظهور بصورة مزدوجة بأن يرتدي ثوب الضحية (الجاني والضحية)، كما يحدث الآن في الحرب الدموية الأبشع التي تشنها إسرائيل على غزة بعد السابع من أكتوبر بدعم أمريكي.

وبالعودة إلى العبارة السابقة “دموع التماسيح”، يبدو أن هذا النسق لم يحفر في ذاكرة شعب كما حفر في ذاكرة الإسرائيليين، وخاصة نتنياهو المجرم الوحيد الذي ما زال حتى اللحظة غارقًا في الأوهام، يمثل دور الضحية، مقتنعًا تمامًا أن كل العالم ضده، ولم يربك أكاذيبه، هذا الغول الدموي الشره الذي تكشّف وجهه في غزة أمام العالم بأسره، إنما دفعه لارتداء قناعه المزدوج والتشبث به. الغول آكل وحارق الأطفال والنساء وكل كائن حي على الإطلاق، وفي الوقت ذاته الضحية المتباكية.

تنقل السيدة الغزيّة جميلة الهسّي التي كانت محاصرة في أحد مباني المجمع الطبي، في الأحداث الأخيرة حتى تاريخ 23/3/2024، حجم الجرائم البشعة التي يرتكبها جنود الاحتلال، من جوع وعطش وترحيل ودمار وقصف، وأطفال نازفون تركوا حد الموت أمام أعين أمهاتهم، وحرق الأشخاص أمام ذويهم، والأشخاص المقطوعي الأطراف، وذوي الاحتياجات الخاصة، متلازمة داون وغيره والتنكيل بهم، عن حالات اغتصاب النساء على مرآى ذويهن. ستة أيام بدون شربة ماء مع مناشدات مهمشة من قبل الصليب الأحمر، الذي يؤمن على نفسه في المكان والغذاء والماء دون أن يحرك ساكنًا، من نجا يسير في طريقه دون وجهة لديه، ولا معالم واضحة، وغول يبتلع الإنس والشجر والحجر، وإبادة لم تمر عبر التاريخ، وحرائق في محيطه في كل مكان.

سيناريو مرعب لفيلم حقيقي على أرض الواقع لم تهتدِ إليه السينما عبر التاريخ منذ أول فيلم رعب “منزل الشيطان” عام 1896م. ربما الأجدر تسميته الآن ومقارنة بما يحدث في غزة “منزل الملائكة”، لأن شيطان الصهيونية الذي يلتهم ويحرق الأطفال والآباء والأمهات أمام ذويهم قد تفوق على أي سيناريو رعب في العالم.

وما حدث في قطاع غزة، ويحدث الآن في رفح يعدّه نتنياهو أساس انتصاره، فبقدر الدماء التي يشربها هذا الغول وبقدر الجرائم البشعة التي يحققها يقدر انتصاره، ويستمر في البكاء أمام الحاضنة الأمريكية، بأنه لم يشبع بعد، وإنما في كل مرة يتوجه إليها بطلب المزيد من الدعم والمدد، ليتوغل أكثر في بشاعته ودمويته.

تمكن الصحفي “نيك أوت” من التقاط صورة تبقى شاهدة على إجرام أمريكا ودمويتها البشعة في حرب فيتنام، وينقل للعالم رعب الحرب الذي تمثل فيها، لكن في غزة عُدمت الصحافة والمصورون ولم يبق من يلتقط صور الرعب الأفظع عبر التاريخ؛ لتظل شاهدة على قبر غزة، الذي لم يردم بعد!

يقف المراقب للحدث عاجزًا أمام هذا الغول الدموي الذي لا يشبع، وتعجز عن إيقافه أي قوة، لا الكابينيت الإسرائيلي ولا أهالي الأسرى اليهود المحتجزين، ولا العرب والمسلمين أمام الحرمات التي تنتهك والأرواح التي تزهق، فضلًا عن بشاعة السجون الإسرائيلية، وممارساتها الهمجية بحق الأسرى الفلسطينيين، ولا حتى شعوب العالم بكل ضغوطها على حكامها، ولا بعض الدول التي قررت أن تتخذ موقفًا واضحًا تجاه ما يحدث في فلسطين.

أمام هذا العجز والحيرة والأنفاس الصعبة التي تلفظها غزة، لا يسعنا سوى الاستمرار في إيصال مطالبنا المشروعة بوقف الحرب، بمختلف الوسائل، وألا نستهين بأي سبيل يمكن أن يوصل صوتنا للعالم، لبث الحياة في غزة وقهر الموت، وحقنا في تقرير المصير، دولة مستقلة، حرية مشروعة، كرامة إنسانية.

شاهد أيضاً

اختفاء الحاخام تسفي كوغان مبعوث حركة حباد الإسرائيلية في الإمارات

اختفاء الحاخام تسفي كوغان مبعوث حركة حباد الإسرائيلية في الإمارات

شفا- أعلنت جهات إسرائيلية؛ أمنية وسياسية، اختفاء الحاخام تسفي كوغان مبعوث حركة حباد الاستيطانية اليهودية …