2:21 مساءً / 23 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

التحدي الاّتي ومتلازمة غزة ، بقلم : د. غسان عبد الله

التحدي الاّتي ومتلازمة غزة ، بقلم : د. غسان عبد الله

التحدي الاّتي ومتلازمة غزة ، بقلم : د. غسان عبدالله

قرع الجرس (5)


التحدي الاّتي ومتلازمة غزة Gaza Syndrome
 
الحاجة إلى الاستعداد لمواجهة  تنامي أشكال العنف ،ألاضطرابات العقلية والسلوكية


تباينت الآراء والتحليلات والمعطيات الاحصائية حول جسامة الأضرار الاقتصادية بسبب ما يجري في الوطن المحتل جرّاء الاعتداء المتواصل على شعبنا في المحافظات الشمالية والجنوبية ،وتم البوح بالتكهنات عن المليارات الدولارات والفترة الزمنية المتوقعة لإعادة إعمار الحجر والنهوض بالاقتصاد الوطني الفلسطيني .


 للأسف ، لم ينبر أي من المؤسسات العالمية أو المحلية ببلورة رؤى عملية ، حتى البنك الدولي الذي كان قد أعدّ تقريرا خاص بالصحة النفسية في الضفة الغربية وغزة عام 2022،( باستثناء ما تعمل عليه مؤسسة CARE  مركز الدراسات والتطبيقات التربوية وبالتنسيق مع جهات ذات صلة ، رسمية وأهلية،مجتمعية ودينية  ) لاعادة بناء وتأهيل البشر، وفق معايير الصحة النفسيّة المعهودة ، باختلاف أعمارهم وفئاتهم الاجتماعية .

نعم نرى ونسمع بالتركيز على الجوانب الصحية الجسمانية، وقلما تم تناول الانعكاسات  السيكولوجية والسلوكية السلبية الخطيرة الآتية لا محالة ، والتي ستنعكس على كافة المجالات الحياتية الكثيرة  ليس فقط محليا وبل وستمتد الى كافة أرجاء المعمورة .


 نحن أمام تحديات ومسؤوليات جسام هائلة تتمثل في أمواج من  الاضطرابات السلوكية والعقلية وتنامي أشكال العنف جراء ما أنتجته هذه الاعتداءات الوحشيّة المتواصلة والتي لن تعرف اّثارها وانعكاساتها حدودا جغرافية أو حصرها في منحى حياتي محدّد، الأمر الذي يستدعي التركيز على ضرورة الاستعداد للتحديات  القادمة ( متلازمة غزة) والمتمثلة في مشاكل الصحة النفسية ، مما يستدعي وضع استراتيجيات خاصة بالحماية الاجتماعية والنفسية والاقتصادية( الجوع والحرمان والتهجير والبطالة  )، لا سيما أننا فقدنا الكثير من الأعزاء مقارنة بحجم مجتمعنا السكاني ، ومعروف سيكولوجيا أ، الفقدان أصعب حالة ذات اّثرمستدام ولكن بوتيرة متذبذبة، ما بعد الصدمة PTSD، ونجمت حالات  تشوه للجسم البشري والتي من شأنها أن تقوم بدورعوامل تذكير Reminders بتلك الصدمات ذات الانعكاسات السلبية الكثيرة والمتنوعة  .

يتفاوت مدى التأثر لدى الفئات المجتمعية ليس فقط بين أفراد الطبقة الاقتصادية العالية والطبقة العاملة ( على اعتبار انه بات لا وجود ملحوظ ،أو كما كان سابقا ، في مجتمعنا الفلسطيني للطبقة الوسطى – من وجهة نظر الكاتب )، مع بقاء  فئة الأطفال واليافعين والنساء ، لا سيما في التجمعات السكانية المهمّشة ، هم أكثر تأثرا ،  مقارنة مع الفئات العمرية الأخرى .

نعم نتوقع ارتفاعا ملحوظا ومتناميا في شكل / نمط الخسارة  والمعاناة النفسية والاجتماعية التي ستدفعها  هذه الفئة عاجلا أم اّجلا ،بعض من هذه :العنف الاسري،التنّمر،اضطرابات سلوكية مثل الخوف الدائم من الاتي،اللامبالاة،الانطواءعلى الذات والانزواء جانبا،انخفاض مستوى تقدير الذات ومستوى الدافعية ،ألتأتأة ،متلازمة ما بعد المرض، القلق ،الاكتئاب  ،الفوضى و هناك عوامل عديدة تقف وراء ذلك ، لعل منها


– حالات الفقدان الكثيرة بسبب الغارات والقصف  الوحشي المتواصل وتدمير الأحياء السكنية والمؤسسات التعليمية والصحيّة مما سبّب في فقدان عشرات الآلاف وفق احصائيات مؤسسات دولية مختصة بهذا الشأن   .


– هيمنة ثقافة الاشاعة والتسليم بها من قبل نسبة كبيرة من السكان جراء الخلفيات الثقافية المتفاوتة .

أثرت الشائعات ، والتي يذهب البعض لاعتبارها جريمة يحاسب عليها القانون ، على الرأي العام وقد يكون تأثيرها قد امتد الى بعض من صانعي القرار ،  حيث رأوا بما يجري شبيها بما جرى سابقا من اعتداءات ، دون القبول بأن ما يجري هو ضمن رؤيا ومخطط يشارك به أكثر من طرف لإنجاز الأهداف المتوخاة بغض النظر عن الثمن والمتمثل في القضاء على مشروعنا السياسي الوطني الناجز .


–  تواصل مسلسل انهيار القيم والاخلاق الحميدة وبشكل كارثي ،أحد ابرز اشكال الانهيار في القيم ،محليا التركيز على الربح المادي دون الاكتراث بالجوانب الانسانية ،مما عزّز الانانية والفردية بدلا من التفكير بالجماعة والمصلحة العامة ، عالميا المسرحيات العديدة في تقديم الاغاثة العاجلة ( محاولات استعراضية بهلوانية (انزال المساعدات ، بناء رصيف ميناء، التوصل الى هدنة  وجلسات المفاوضات حول مدتها ……..  وغيرها من الملاهي  ) ، في حين أن الأمر أبسط من كل هذا ، اذ يكفي فرض الوقف الفوري لإطلاق  النار.


–  غياب سياسة رادعة وواضحة لمواجهة الجرائم ضد البشر والحجر والانسانية جمعاء ، مثلما هو الحال المتمثل في غياب خطط فاعلة لمواجهة  والتقليل من الآثار النفسية والاجتماعية للمقتلة الدائرة المتواصلة، ناهيك عن تدني نسبة الوعي الذاتي لاهمية الصحة النفسية ، رغم الزيادة البطيئة على معدل الوعي  هذا ،مقارنة مع مجتمعات بشرية اخرى .


– للاسف الشديد ، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام دورا سلبيا ، تمثل في المساهمة بنشر ثقافة الاشاعة ، عن قصد أو غير قصد، ناهيك عن تصريحات ممن يفترض بهم القيام بدور توعية الشعب وتوجيهه الوجهة الصحيحة من خلال استذكار وعرض تجارب مثيلة صمد خلالها شعبنا – اجتياح جنوب لبنان ، احتلال بيروت وما عاناه شعبنا في انتفاضة 1987 والاجتياحات الاحتلالية منذ 2001 وحتى يومنا هذا، عمد مثل هؤلاء الى التهويل والمبالغة الزائدة دون التركيز الكافي على ضرورة تذويت الخطر الداهم من أشكال العنف والتدمير الشديدين للمؤسسات الصحيّة والتعليمية  . ، والتي تلعب دورا في رفع معنويات الشعب ، لما للعامل النفسي من دور في تعزيز المناعة لدى الإنسان  بعد فقدان المكان الاّمن والتفاعل الاجتماعي الذي يساهم في ظل الأزمات على توفير أمان نفسي وطمأنينة .


إذن ما العمل؟


لكل فعل ردة فعل . ليست هذه الحالة الاولى التي شهدتها المعمورة، وان كانت نتائج الاعتداءات الوحشية قد فاقت في أعدادها وأشكالها جرائمهم بشرية أخرى شهدها الكوكب عبر التاريخ .


تجيء الخطوة الثانية والمتمثلة في ضرورة استجابة كافة المؤسسات المحلية الرسمية والأهلية – دينية ومجتمعية- ، وكذلك المؤسسات الدولية ذات الصلة ، الى مبادرة مؤسسة CARE  لبلورة خطة وطنية شاملة بمثابة خريطة طريق لبدء العمل الجاد والمهني المدروس للوصول إلى  حالة من التوازن السلوكي من خلال :


–  تعزيز ثقافة ومفاهيم الصحة النفسيّة والعمل الجمعي الفئوي وخلق فرص التنافس الشريف  كي يتم بدء الولوج في مخارج صحة نفسيّة قابلة للتطبيق


–    مجابهة الهلع والهوس الذاتي أو العائلي ،ألبحث عن الايجابيات في سلوكيات الفرد/ العائلة وتكرار ترديدها وذلك من باب تحفيز الاخرين للاقتداء بهذا السلوك ،اغتنام الفرصة لتعزيز قيم التكافل والتعاضد مما يعمل على توليد غيرها الكثير ، حتى بعد الشعور بالرضا عن الذات والشعور بعمل شيء إيجابي من شأنه المساهمة في تغيير الأجواء ورفع مستوى التقدير للذات


– كمجتمع يميل الى التدين في غالبيته ، من المفيد جدا بل والمطلوب اللجوء الى ممارسة الشعائر الدينية  وأنماط الرياضة الروحية المتنوعة .

هناك  ضرورة  لبناء تكتيكات جديدة مهنية وعملية الانتقال  السلس بفكر ونمط حياة الناس الى أنماط جديدة ، تتواءم مع الظروف والمستجدات التي أوجدتها جرائم القتل والتدمير التي نشهدها ، اذ من الصعب ،بل والمستحيل أن تعود أنماط ما قبل عدوان السابع من أكتوبر على شعبنا  ، ولتكن البداية في اعادة النظر ببعض التشريعات والأنظمة التي تعيق المبادرات الذاتية والمؤسساتية الأهلية .


– أولى قطاعات المجتمع التي يجب بدء  التركيز عليها هي الأطفال واليافعين  والنساء ، وذلك من خلال برامج تثقيفية توعوية غير تقليدية ، وليكن التركيز فيها على اللعب والانشطة  والفعاليات الحرة ، مما يتيح فرص تعزيز مهارات التعاون والإصغاء والتعلم من الاخر ( التعلم التعاوني والجماعي)، ناهيك عن اكتساب مهارات التعددية والالتزام بالانظمة والقوانين المناسبة وأهمها تنظيم الذات self-regulation وادارة الوقت Time – management  وتعلم مبدأ win-to – win بدلا من الربح والخسارة win or lose  .

الشريحة الثانية  هي العائلة ،ولتكن البداية في ترشيد نمط الاستهلاك ، أي شراء ما أحتاج وليس ما أريد ، واختزال عدد المناسبات العائلية وضمن دائرة المقربين من الدرجة الأولى.


– يتأتى كل هذا عبر نظام التربية والتنشئة الاجتماعية ونظام التربية والتعليم اللذان يجب أن يتناغما معا في التركيز على تعليم المهارات النفسية والاجتماعية مثل : مهارات الاتصال والتواصل، مهارة القدرة على خلق وتعزيز التوازن ، مهارة حل المشكلات من خلال لغة الحوار ، مهارة اتخاذ القرارات ، مهارة النقد والنقد الذاتي ، مهارة التفكير الإبداعي والابتكار لا الاعتماد على النقل والتقليد .


 هكذا يمكن أن  نكون قد أرسينا أسسا لوضع خريطة طريق من شأنها العمل على اعادة بناء ذات الانسان للتكامل مع جهود إعادة بناء الاقتصاد الوطني ، ولمواجهة والحد من التأثيرات السيكولوجية والسلوكية اّنفة الذكر.
 

شاهد أيضاً

الاحتلال يغلق الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل

شفا – أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي الحرم الإبراهيمي الشريف، وسط مدينة الخليل، وفرضت طوقاً أمنياً …