مجزرة ” الطحين” فشل عسكري وأهداف سياسية، بقلم : راسم عبيدات
مجزرة ” الطحين” التي ارتكبها جيش الإحتلال أمس الخميس 29/2/2024 على شارع الرشيد “دوار النابلسي ” في قطاع غزة،والتي راح ضحيتها ما لا يقل عن الف شهيد ومصاب من الفلسطينيين،الذين أنهكم الحصار والجوع، لكي يحصلوا على كميات من الطحين من شاحنات المساعدة ،ويسدوا به رمق جوعهم وجوع أطفالهم،ولكن ألة الحرب” الإسرائيلي” استكثرت عليهم ذلك،وقصفتهم بوابل نيرانها لتحصد أرواحهم بين شهيد وجريح،ولكي تطلق ” اسرائيل” تبريراتها وذرائعها لتلك المجزرة،بالقول بأنها كانت نتيجة التدافع الكبير حول الشاحنات من قبل المواطنين،وأن جيشها اطلق النار في الهواء،من أجل تفريق المواطنين،ولكن بقدرة قادر سقط الف شهيد وجريح..؟؟.
المهم هذه المجزرة الرهيبة والتي لقيت ردود فعل منددة ومُدينة لها،شملت الدول الأوروبية،ودفعت بالرئيس الكولومبي “غوستافو بيدرو لوقف استيراد السلاح بشكل مطلق من ” اسرائيل” والمطالبة بقطع كامل العلاقات مع رئيس وزرائها نتنياهو،وموقف الرئيس الكولومبي وحملة الإدانة والتنديد العربية والإقليمية والدولية،ومطالبة الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة، قابلها موقف أمريكي حامي ل”اسرائيل” كالعادة من قرارات قد تتخذ في مجلس الأمن الدولي،تدين جرائمها ومجازرها وتحملها المسؤولية عن ذلك،كيف لا وهي صاحبة مشروع الحرب على قطاع غزة،ومن يقودها عسكرياً وأمنياً،تحت ما يعرف بالأمن القومي الأمريكي،ولذلك هي منعت صدور بيان رئاسي من مجلس الأمن الدولي،يعبر عن قلقه من هذه المجزرة الرهيبة،ويحمل ” اسرائيل” المسؤولية عنها،حيث دعت الجزائر على خلفية تلك المجزرة لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي.
وصدور مثل هذا البيان الرئاسي يحتاج الى إجماع دولي،ولكن هذا الإجماع الدولي لم يتحقق،فنال المشروع الجزائري 14 صوتاً وعارضته أمريكا.
من الهام القول بأن هذه المجزرة ،اتت في ظل عدوان ” اسرائيلي” مستمر ومتواصل على كامل قطاع غزة في يومه السابع والأربعين بعد المائة،دون تحقيق أي من اهدافه الإستراتيجية ، عسكرية وميدانية بنصر أو صورة نصر بالقضاء على المقاومة الفلسطينية وفي قلبها حماس وإستعادة الأسرى جنود ومدنيين بدون مفاوضات مع المقاومة الفلسطينية،وهذا يقول بشكل واضح،ليس كما يردد نتنياهو بانه بات قريب من القضاء على حماس والوصول الى قادة المقاومة وقتلهم او اسرهم،واستعادة الأسرى بدون مفاوضات مع المقاومة،والتي كسرتها المقاومة الفلسطينية في المرحلة الأولى من العدوان.
وسائل الإعلام “الإسرائيلية ” من صحيفتي ” هارتس” و” يديعوت احرنوت” العبريتين،ومحلل الشؤون الإستخبارية والأمنية في جريدة ” يديعوت أحرونوت” رونين بيرمان،قال بأن ما يتحدث عنه نتنياهو بما يعرف ب” النصر المطلق”،مجرد كذب وأوهام،فلا اسرى سيعودن بدون تفاوض ولا قضاء على حماس سيتحقق،ووجهة النظر هذه عبر عنها روؤساء وزراء وقادة اركان “اسرائيليين” سابقين يهود بارك ويهود اولمرت ودان حلوتس وغيرهم من القادة “الإسرائيليين”.
هذه المجزرة تزامنت مع إنسحاب جيش الإحتلال من حي الزيتون،بعد عمليات عسكرية شرسة استمرت احد عشر يوماً،دون ان يتمكن جيش الإحتلال من تحقيق اهداف العدوان،او أن يحرز تقدماً يبنى عليه،وأن حدة الإشتباكات وشراستها التي جرت مع قوى المقاومة، قالت بعكس ما قاله نتنياهو، بأن المقاومة ليست قريبة من الإنهيار، بل هي ما زالت قوية وقادرة على الصمود والمقاومة وإيقاع المزيد من الخسائر في صفوف جيش الإحتلال جنوداً وضباط ومعدات وأليات عسكرية.
بعد قمة باريس الأمنية الثانية، شنت ” اسرائيل” ومعها أمريكا والعديد من الفضائيات العربية الملتحقة بالركب الأمريكي – “الإسرائيلي” ،حملة اعلامية ونفسية شرسة ومركزة على قوى المقاومة الفلسطينية، بإشاعة الوهم عن تقدم في مفاوضات تبادل الأسرى،وبأن هدنة لوقف إطلاق النار باتت قريبة وفي متناول اليد ،والهدف من تلك الحملة، بأن تنجح أمريكا و”اسرائيل” ومعها العديد من دول النظام الرسمي العربي الوظيفي ، في التأثر على مواقف المقاومة من وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى، لجهة خفض سقوفها وشروطها للهدنة وصفقة تبادل الأسرى،أي أن ينجحوا عبر المكائد السياسية في تحقيق ما عجزوا عن تحقيقه في الميدان،وليأتي الرد من قبل المقاومة الفلسطينية،وعلى لسان العديد من قادتها،وفي المقدمة منهم اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد،بأن المقاومة أبدت مرونة في شروط التفاوض،ولكن دون التنازل عن ثوابتها في وقف إطلاق النار والإنسحاب “الإسرائيلي” الكامل من القطاع.
بعد هذا الفشل لجأت هذه الأطراف الى طريقة مجربة في العراق وسوريا ولبنان،بتشديد الحصار والتجويع والخنق الكلي لكل مصادر العيش لسكان القطاع،بمنع وتقنين دخول المساعدات الإنسانية،وخاصة للمناطق الشمالية من القطاع،وتخيير المواطن الغزي ما بين الموت جوعاً او عبر الأوبئة والأمراض او الموت عبر القصف والغارات.
قد نفهم بأن نتنياهو يضع العصي في الدواليب،ولا يريد ان يكون هناك صفقة تبادل،ولا تشكل له او لبن غفير وسموتريتش حياة الأسرى “الإسرائيليين” أولوية،وهو يعرقل عقد هذه الصفقة،ويستمر بالتلويح بالحرب الشاملة على رفح،لتحقيق ما يسميه ب” النصر المطلق”،وتوسيع الحرب لتشمل الجبهة الشمالية،والحقيقة أن ما يريده عدم تحقيق هذه الصفقة، لأنها قد تفجر حكومته من الداخل، بإنسحاب بن غفير وسموتريتش منها،وبما يتسبب بمحاكمته وسجنه وغيابه الكلي عن المشهد السياسي …ومن غير المفهوم،أن ” اسرائيل” بحاجة لمسار تفاوضي مستمر، وان لم يصل الى نتائج،ولكنه “يفرمل” من تصاعد الأوضاع ضد جرائم الإحتلال دولياً،مسار محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية،ومسار حلول شهر رمضان،وما قد يترتب على ذلك من وضع قيود على المصلين في شهر رمضان المبارك، من تفجر للأوضاع في القدس والضفة الغربية والداخل الفلسطيني- 48- .
ولكن ثمة هناك دوافع واهداف سياسية تقف خلف مثل هذه المجزرة،ولعل في مقدمتها دفع المقاومة الفلسطينية لوقف او تعلق مسار التفاوض بشأن صفقة تبادل الأسرى،أو ممارسة الضغوط على المقاومة ،لجهة تخفيض الشروط والسقوف لمطالب التهدئة وصفقة تبادل الأسرى،أو دفع الحاضنة الشعبية، تحت طائلة الجوع والحصار والأمراض والأوبئة والقصف المتواصل لتغيير نهجها وخياراتها ومواقفها من المقاومة،وهذا العامل اختبر وجاء بنتائج عكسية.
وثمة احتمال أخر،انه بفشل الأهداف العسكرية لهذا العدوان،قد يجري استدراج تدخل دولي لوقف إطلاق النار،كما حصل في لبنان عام 1996،عندما فشلت حملة ما يعرف ب”عناقيد الغضب” بوقف استمرار إطلاق صواريخ حزب الله على مستوطنات الشمال،حيث جرى إرتكاب مجزرة ” قانا” اللبنانية،ليفتح الطريق أمام وقف الحرب ،عبر بنود تفاهمات نيسان 1996 ،والتي كان من الصعب ترويجها بدون الربط بينها وبين تلك المجزرة والضغط الدولي لوقف تلك الحرب.
جريدة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية،تقول بأن الرئيس الأمريكي بايدن يعمل من أجل الوصول لتهدئة وصفقة تبادل قبل شهر رمضان المبارك،واذا ما شعر بأن نتنياهو يعرقل عقد الصفقة والقبول بالتهدئة، فإن الخلافات بينه وبين نتنياهو ستتصاعد،وسيسمع كلام أشد من بايدن،لأن صفقة تبادل أسرى هي خطوة أولى ضرورية في خطة أكبر، هدفها تغيير وجه الشرق الأوسط، وتشمل تسوية مع لبنان بوساطة مبعوث بايدن إلى الشرق الأوسط، عاموس هوكشتاين، وتطبيع علاقات بين إسرائيل والسعودية، وبداية إعادة إعمار قطاع غزة وضلوع معين للسلطة الفلسطينية، واستمرار المسار نحو دولة فلسطينية.
فلسطين – القدس المحتلة