سيبقى الأردن شامخاً، بقلم : نادية إبراهيم القيسي
تقف الإنسانية ارتباكاً وخجلاً في محراب ذلك الفرح العارم المنتشي بابتسامات صادقة لأطفال أبرياء ذاقوا في مائة يوم ونيف كل ما تقشعر له الأبدان، من ويلات حرب إبادة دموية تدميرية قلبت حياتهم لجحيم مستعر مستمر، ما آن له أن ينطفئ برغم كل المساعي والجهود المتفانية الطامحة لإيقاف هذا الجنون المطلق.
لقد كانت تلك اللحظات التي اسُتقبل فيها الإنزال الجوي الأردني للمساعدات العاجلة مليئةً بالعفوية المبتهجة، مترنحةً بالمشاعر الفياضة، ما بين عصي الدمع المتمسك بالصبر، وبين ذلك الفخر المملوء بالامتنان المنطوق في بضع كلمات (لا يفعلها إلا الأردنيون).
نعم، أي بني، لا يفعلها إلا الرجال الصادقون بما عاهدوا، الذين لا يخشون في الحق لومة لائم، والذين لم ولن تنحنِ جباههم إلا لخالقهم، مهما تكالبت عليهم الصعاب، وتآمروا عليهم من كل حدب و صوب.
نعم، يا بني، لا يفعلها إلا واثقو الخطى، ملوك هاشميون من نسل أشرف الخلق خاتم المرسلين، يحملون على عواتقهم إحقاق الحق بنصرة المغبون، إغاثة الملهوف، وإجارة المستجير، مهما عظمت العراقيل. (ما يقدمه الأردن للأشقاء الفلسطينيين هو واجب، ولن يلتفت لبعض المشككين) جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين.
إن الأردن ومنذ بداية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لم يتوانَ عن أن يكون هو السند والعضد لأشقاء الدم والروح، بكل ما أوتي من قوة، واستطاع من سبل، ودفع الغالي والنفيس ثمناً باهظاً، لمواقفه الثابتة المشرفة على مر السنين، بدءًا من دماء شهدائنا الزكية الطاهرة، وصولاً ليومنا هذا، وأقلها ما يتعرض له الأردن من حملات مغرضة حاقدة مسيئة، تهدف لزعزعة التلاحم الوطني القومي، والتشكيك بالموقف الأردني الراسخ بمبادئه الوطنية دوماً.
إن الأردن بشعبه العظيم قد وقف منذ بداية الحرب على غزة خلف قيادتنا الهاشمية الحكيمة، ممثلة بجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه، الذي لم يأل جهداً سياسياً دبلوماسياً وإنسانياً تحدى فيه كل المعيقات لنصرة الشعب الفلسطيني، والمطالبة بحقوقه العادلة، والدعوة لإيقاف حروب الإبادة والتهجير التي تمارس بحقه باستمرار.
بالإضافة لحشد الرأي العام العالمي لمساندة القضية الفلسطينية حتى في عقر دار الداعم الأول للاحتلال، حين ألقى جلالته خطابه السامي في البيت الأبيض في واشنطن عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية، رافعاً راية الحق، مطالباً بالعدل والإنصاف للشعب الفلسطيني، واسترداد حقوقه المسلوبة، وما نتج عن هذا الخطاب من ردات فعل إيجابية حول العالم، وبالأخص في المجتمع الأمريكي، الذي اعتبر بعضهم خطاب جلالته سابقة غير مشهودة من قبل لقول الحقيقة المطلقة الصادقة في مقر رئاسة الحكومة الأمريكية.
لكن برغم كل هذه المواقف الشامخة المترجمة بكثافة الجهود والمساعي السياسية والدبلوماسية، التي يخوضها الأردن في النضال من أجل القضية الفلسطينية، مازال هناك من يتربص بكل شاردة وواردة، ليتحين الفرص للطعن في جنبات الوطن، وإلصاق تهم دنيئة باطلة كأصحابها تصبو للإساءة بتشويه صورة الأردن النقية دوماً.
وقد يكون آخرها طرح أكذوبة الجسر البري لدعم الاحتلال المجرم، وكل ما رافق ذلك من تأجيج وتصعيد لا يمت للواقع بأي صلة، أو حتى يلامس نزراً من الحقيقة.
إن الأردن دولة قانون تكفل الحريات المدنية والعامة بما لا يتجاوز أنظمتها ومنظومتها، بما فيها من قوانين وتشريعات دستورية، لذا فإن التصرفات الفردية وحرية المقاطعة الاقتصادية من عدمها لدى بعض الشخوص، وإن تنافت مع التوجة العام، وخرجت عن المثل الأخلاقية والدينية، لا يمكن التعامل معها بشكل مباشر، أو إيقافها برغم قلتها ومحدوديتها، طالما لا يوجد أي انتهاك صريح وواضح للقوانين المنصوص عليها في الدستور الأردني.
لكن ها هنا يُطرح السؤال نفسه الذي تتحشرج به دوماً القلوب قبل العقول بحزن وأسى، مما ترى وتسمع إلى متى؟ إلى متى سيستمر مسلسل الاتهامات الباطلة المتوجة بمسمى الخيانة؟ ما هو المطلوب ليكفوا عن هذا العبث الأرعن؟
ما هي مآربها لكل هذه الحملات المتخبطة المتكررة بين فينة وأخرى بصور شتى متعددة؟ هل تبحث عن خريف عربي جديد يذهب الأمن والأمان ويدمر الأوطان؟ أم أنها مجرد حماقة ركوب للأمواج حصداً للشعبية المرجوة وتجهيزاً لحملات انتخاب؟
إن الأردن بموقعه الجيوسياسي الاستراتيجي، وبدبلوماسيته العالية المحنكة تحت قيادته الهاشمية الحكيمة، قدم وحقق بالقول والفعل ما عجزت عنه دول عظمى، ناهيك عن من يربطنا بهم صلات القومية والدين، القادرين على المنح والعطاء المفرط، بدعم لا محدود، لتخفيف الكثير من المعاناة بتقديم النصرة الفعلية لكل مظلوم.
لكن الأردن برغم كل الظروف القاهرة والمساومات الضاغطة المتجلية بصعوبات شتى، بقي وسيبقى هو الفاعل الحقيقي الشامخ، العصي العتي أمام كل المحن، ليكن ذخراً وسنداً شعباً وقيادة لأمتيه العربية والإسلامية، حاملاً لأماناته، وفياً مخلصاً لمعتقداته الأصيلة الممتدة الخالدة تحت رايتنا المجيدة “الله، الوطن، المليك”، تحت الراية الهاشمية. والله دوماً من وراء القصد.