3:38 مساءً / 23 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

الضرر بعيد المدى المتسبب لأطفال غزة، نتيجة الهجوم الإسرائيلي صار أمرأ واقعًا، بقلم: لمى بكري

الضرر بعيد المدى المتسبب لأطفال غزة، نتيجة الهجوم الإسرائيلي صار أمرأ واقعًا، بقلم: لمى بكري

الضرر بعيد المدى المتسبب لأطفال غزة، نتيجة الهجوم الإسرائيلي صار أمرأ واقعًا، بقلم: لمى بكري

صرّح مسؤولٌ كبير في منظّمة الأمم المتحدة للطفولة –يونيسيف، مؤخرًا، أنّ قطاع غزة قد أصبح المكان الأخطر، في العالم، بالنسبة للأطفال. وقد أيد هذه التصريحات أطباءٌ من منظمة “أطباء بلا حدود”، التي تضطلع طواقمها على مدار الشهور الماضية، بتقديم المساعدات الطبية الطارئة داخل القطاع.

إن الأسباب الداعية إلى ذلك كثيرة ومتنوعة: بدءًا من الإصابات العديدة والمعقدة نتيجة لاعتداءات الجيش، مرورًا بعدم تلقي الرعاية الصحية الكافية نتيجة نقص المعدات الطبية، والأدوية، والأطباء، والطواقم الطبية، ووصولًا إلى سوء التغذية، وصعوبة الحصول على المياه النظيفة، والظروف الجوية القاسية، في وسط الأمراض المعدية المنتشرة في المجمعات المؤقتة للخيام، والأحياء المدمّرة. وعلى الرغم من انتهاء العدوان لا يزال بعيدًا ، إلا أنه يمكننا، منذ الآن، تقدير الأضرار بعيدة المدى التي من الممكن أن تلحق بالأطفال – إلى جانب الأضرار الحالية المرئية – التي يسببها العدوان الإسرائيلي المستمرّ.

المعطيات، في هذا الشأن، مقلقة: فوفقًا لليونيسف، يحتاج طفل واحد من بين كل ثلاثة أطفال في غزة إلى علاج للصدمة، وذلك بعد التعرض لمواقف وأحداث صادمة في ظل الهجمات الإسرائيلية. كما تبيّن، من دراسة أجرتها منظمة Save the Children، أنّ 80٪ من الأطفال باتت لديهم أعراض الاضطراب العاطفي والقلق، في حين أفاد حوالي نصف هؤلاء أنهم قد فكروا بالانتحار. إلى ذلك، فإن ثلاثة من بين خمسة أطفال قاموا فعليًا بإيذاء أنفسهم. وقد أفاد أربعة من بين كل خمسة أنهم يعيشون في اكتئاب، وحزن، وخوف.

فإذا ما وضعنا بعين الاعتبار 17,000 طفلًا قد بقوا من دون أحد الوالدين على الأقل، في حين بقي آخرون من دون أن يكون لديهم أيّ بالغ مسؤول من الأسرة الممتدة، حتى، فإن مجابهة هذا الوضع تصبح أكثر صعوبة وفوق القدرة على الاحتمال.

إن الآثار بعيدة المدى المترتبة عن التعرض المستمر للأحداث الصادمة والتوتر المزمن، مقلقة للغاية. ولكي نتمكن من فهما، فإن علينا التمييز بين نوعين من هذه الأحداث: النوع الأول، حدثٌ صادم واحد، تتاح بعده عملية تعافي وعلاج وإعادة تأهيل؛ والنوع الثاني يكون عبارة عن تعرض مستمر للأحداث الخطيرة، التي يمكن أن تؤدي إلى صدمة تراكمية. ونتيجة لذلك، تزداد مخاطر حصول مشاكل في النموّ لدى الأطفال، إلى جانب الضرر اللاحق بالحصانة النفسية، وبالشعور الأساسي بالأمان والثقة بالآخرين والعالم، على جانب الاضطرابات النفسية والأمراض الجسدية و/أو النفسية – الجسدية.

يتعرض الأطفال الناجين من الكوارث التي يتسبب فيها البشر، إلى أنواع مختلفة من الأحداث الصادمة والحالات المستمرة من التوتر. فإذا ما تراكمت هذه الأحداث لوقت طويل، فإنها تقلّل من قدرة الأطفال على تجاوزها. لقد عاش الأطفال صدمة الحروب في قطاع غزة على مدى أكثر من ثلاثة أجيال بلا توقف: منذ الانتفاضة الأولى (1987 – 1993)، ثم انتفاضة الأقصى (2000 – 2005)، ثم عملية الرصاص المصبوب (كانون أول 2008 – كانون ثاني 2009)، ثم عملية عمود السحاب (تشرين ثاني 2012)، ثم عملية الجرف الصامد (تموز – آب 2014)، ثم مسيرة العودة الكبرى (2018 – 2019)، ثم عملية حارس الأسوار (أيار 2021)، وصولًا إلى العدوان الإسرائيلي الأكثر دموية على الإطلاق والمستمر حتى هذه اللحظة.

لقد نشأ أطفال القطاع تحت التهديد المستمر بالحرب، والأهوال الناجمة عنها، لقد عاشوا في خوف دائم على حياتهم، التي من شأنها أن تنقلب رأسًا على عقب في أية لحظة ، وقد دفعوا أثمانًا باهظةً جدًا، من أجسادهم ونُفوسهم. وقد بقي بعضهم مع ندوب وحروق وجروح دائمة، في حين أصيب آخرون بكسور وشظايا في أجسادهم. وقد فقد الآلاف منهم أطرافهم، في حين فقد آخرون بصرهم و/أو سمعهم، وغيرها الكثير.

إن الندوب النفسية، التي لا تكون جلية للعين دائمًا، ليست أقل مأساوية من كل ما ذُكر، فهي تضرّ بجودة الحياة، وتؤثر على أفكار الشخص ومشاعره، وسلوكه طوال الوقت. لقد تعرض أطفال غزة إلى أهوال على أرض الواقع ليس بوسع العقل البشري استيعابها.

تعجز الكلمات عن وصف هذه الأهوال، في حين أن أولياء أمورهم، يشعرون بالعجز، لكونهم غير قادرين على حمايتهم. يوضح ذلك مقطعَ فيديو تمّ تداوله في وقت سابق في بداية شهر شباط (فبراير)، حين أُخرجت فتاة من تحت أنقاض المبنى الذي كانت تعيش فيه، من قبل أحد المسعفين، وبدأت تسأل: “عمو, هذا حلم ولا بجد؟ هذا حلم ولا بجد؟ قلي يا عمو.. هذا حلم ولا حقيقة الي صار؟ يمكن كان حلم”.

بالإضافة إلى هذه الحالة ، هناك أمثلة أخرى كثيرة عرضت في وسائل الإعلام، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، لأطفال يصلون إلى غرف الطوارئ في المستشفيات، مصابين بالصدمة، أجسادهم ترتعش، وعيونهم مصوّبة إلى نقطة واحدة، ولا يستجيبون لنداءات من حولهم ولا لمحاولات إعادتهم مجددًا إلى الواقع.

يؤدي التعرض لهذه الأحداث الصعبة والصادمة إلى إحداث تغيّرات عميقة في النفس البشرية، ولهذه التغيّرات آثار عديدة على عملية نمو وتطوّر الأطفال الناجين فيما بعد، وعلى بنية شخصياتهم وآليات تعاملهم مع أنفسهم ومع العالم.

إن عوامل الخطر المتعلقة بالشخص نفسه وبالبيئة المحيطة هي ما تزيد امكانية تعريض قسم من الأطفال إلى وهن معين في وقت لاحق من حياتهم. يمكن أن يتجلّى هذا الوهن في الاضطرابات النفسية، وأكثرها شيوعًا هي اضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب، والقلق، والإدمان.

تنتظر كل من ينجو من العدوان الحالي سيرورة طويلة وصعبة من الحداد، واستيعاب الصدمة، والتعامل مع خسارة المنزل، وفقدان أفراد الأسرة، والحياة ما قبل العدوان. بانتظار الكثيرين أيضًا علاج وإعادة تأهيل للجسد والنفس (على افتراض أن الأمر سيكون متوفرًا) وحياة مليئة بالمواجهات النفسية لعواقب الحرب و/أو الإعاقات الجسدية. من شأن هذه السيرورة أن تكون صعبة، على وجه الخصوص، بالنسبة للأطفال الذين قد فقدوا طفولتهم وعاشوا الصدمة في أجسادهم وأرواحهم بقوة شديدة.

تتزايد منذ الآن، الأدلة المتعلقة بأعراض الصدمة لدى الأطفال: التوتر، والخوف، والقلق على سلامتهم وسلامة أفراد أسرهم، الكوابيس واسترجاع اللقطات (Flashbacks)، الهروب من الواقع (Dissociation)، والأرق، والتبول اللاإرادي، فيض المشاعر، وسرعة الانفعال، اعتزال المجتمع، والشعور بالاغتراب عن البيئة المحيطة.

وهذه ليست سوى بداية للعواقب بعيدة المدى للحرب، والتي من المتوقع أن تظلّ لدى أطفال غزة حتى وقت طويل.

من الصعب حاليًا تقييم حجم الكارثة وحجم عواقبها على حياة الأطفال الغزيين. وحتى لو توقف العدوان الإسرائيلي عمّا قريب، فإن مئات الآلاف من الأطفال ليس لديهم طعام وماء، ولا بيوت يعودون إليها، ولا مدارس يلتحقون بها، ولا تتوفر معدات طبية أو ومستشفيات نشطة، لتعالج جروحهم وأمراضهم. كما لا تتوفر خدمات الرعاية الاجتماعية والمرافقة النفسية للمساعدة على تعافي نفوسهم الجريحة. لا يفترض أن يفقد الأطفال والديهم و/أو إخوتهم و/أو أصدقائهم، ولا يفترض أصلًا أن ينكشفوا على الموت ويتعرضوا للصدمات في مراحل طفولتهم.

إن خلق بيئة آمنة هو شرط أساسيّ وواجب لأيّة عملية شفاء من الصدمات والحزن ، وإعادة التأهيل بعد ذلك. إن إعادة الإعمار، وترميم المدارس والمستشفيات، وخدمات الرعاية الاجتماعية، ومراكز المساعدة التي ستكون بمثابة ركيزة للعائلات والمجتمع، هي أمور ضرورية لعملية إعادة تأهيل المجتمع الغزّي. وقف إطلاق النار بشكل فوري، والنقل غير المحدود للمساعدات الإنسانية المنقذة للأرواح، وإتاحة إمكانية إنشاء بنية تحتية للمساعدات، هو السبيل الوحيد لوضع حدّ للمجزرة والتجويع وسحق نُفُوس وأرواح الأطفال في غزة.

شاهد أيضاً

سفير الصين في فلسطين يضع إكليلا من الزهور على ضريح الشهيد ياسر عرفات ويزور متحفه

سفير الصين في فلسطين يضع إكليلا من الزهور على ضريح الشهيد ياسر عرفات ويزور متحفه

شفا – وضع سفير جمهورية الصين الشعبية لدى دولة فلسطين تسنغ جيشن، اليوم السبت، إكليلا …