شفا – يصادف يوم غد الأحد، الذكرى الـ30 لمذبحة الحرم الابراهيمي الشريف الدموية في الخليل، التي أسفرت عن استشهاد 29 مصليا، وإصابة 150 آخرين من المصلين المسلمين العرب في الخليل الساجدين بصلاة الفجر برصاص مستوطن اسرائيلي وبتغطية وتأمين من الحكومة الاسرائيلية في صلاة الفجر يوم 25 فبراير من العام 1994.
ففي يوم الجمعة الخامس والعشرين من شباط/ فبراير 1994، الخامس عشر من شهر رمضان، نفذ المستوطن الإرهابي باروخ غولدشتاين، المجزرة الدموية عندما دخل إلى الحرم الابراهيمي، وأطلق النار على المصلين اثناء سجودهم في صلاة الفجر.
وأغلق جنود الاحتلال الإسرائيلي المتواجدون في الحرم أبواب المسجد لمنع المصلين من الخروج، كما منعوا القادمين من خارج الحرم من الوصول إلى ساحته لإنقاذ الجرحى، وفي وقت لاحق استشهد آخرون برصاص جنود الاحتلال خارج المسجد وأثناء تشييع جنازات الشهداء، ما رفع مجموعهم إلى 50 شهيدا، 29 منهم استشهدوا داخل المسجد.
وفي اليوم ذاته، تصاعد التوتر في مدينة الخليل وقراها وكافة المدن الفلسطينية، وبلغ عدد الشهداء الذين سقطوا نتيجة المواجهات مع جنود الاحتلال إلى 60 شهيدا ومئات الجرحى.
وإثر المجزرة، أغلقت قوات الاحتلال الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة لمدة ستة أشهر كاملة، بدعوى التحقيق في الجريمة، وشكلت ومن طرف واحد لجنة “شمغار”، للتحقيق في المجزرة وأسبابها، وخرجت في حينه بعدة توصيات، منها: تقسيم الحرم الإبراهيمي إلى قسمين، وفرضت واقعا احتلاليا صعبا على حياة المواطنين في البلدة القديمة، ووضعت الحراسات المشددة على الحرم، وأعطت للاحتلال الحق في السيادة على الجزء الأكبر منه، حوالي 60% بهدف تهويده والاستيلاء عليه، وتكرر منع الاحتلال رفع الأذان في الحرم الإبراهيمي مرات عديدة.
ويضم القسم المغتصب من الحرم: مقامات وقبور أنبياء، وشخصيات تاريخية، إضافة إلى صحن الحرم، وهي المنطقة المكشوفة فيه.
كما وضعت سلطات الاحتلال بعدها كاميرات وبوابات إلكترونية على كافة المداخل، وأغلقت معظم الطرق المؤدية إليه في وجه المسلمين، باستثناء بوابة واحدة عليها إجراءات عسكرية مشددة، إضافة إلى إغلاق سوق الحسبة، وخاني الخليل وشاهين، وشارعي الشهداء والسهلة، وبهذه الإجراءات فصلت المدينة والبلدة القديمة عن محيطها.
يذكر أن الإرهابي باروخ غولدشتاين الذي كان يبلغ من العمر (42 عاما) عند ارتكابه المجزرة يعد من مؤسسي حركة “كاخ” الدينية، وقد قدِم من الولايات المتحدة الأميركية عام 1980، وسكن في مستوطنة “كريات أربع” المقامة على أراضي مدينة الخليل.
“ولد بنيامين غولدشتاين في نيويورك، لعائلة يهودية متشددة، تلقى تعليمه في مدارس “يشيفا” اليهودية في بروكلين، ونال درجة الشرف من كلية ألبرت اينشتاين للطب في جامعة يشيفا، وحقق نجاحات باهرة في مجال الطب، ثم غير اسمه إلى “باروخ” في خطواته الأولى للعنصرية والإرهاب.”
لا عفوية قط في مجزرة الحرم الابراهيمي، ليس جنونا فرديا ذلك الذي قام به “باروخ غولدشتاين”، لأن الجنون الفردي ليس قادرا على حساب التفاصيل بدقة، والتخطيط لها، فاختيار الخليل وبالذات الحرم الابراهيمي، واختيار فجر الجمعة من رمضان، ولحظة سجود المصلين لتكون لحظة الذبح، لا يمكن أن يكون اختيارا من شخص مجنون. من كتاب “الجمعة الدامية.. عقيدة غولدشتاين”.
ويضيف الكتاب، الذي صدر عام 1994، وهو من تأليف: مازن حماد وعامر طهبوب ونادر طهبوب، أن المجزرة جزء من جنون جماعي، فالقاتل لم يوقفه الجنود على بوابات ومداخل الحرم، كما أنه استطاع الوصول بسهولة إلى مصلى المسلمين، واطلاق عدة صليات من الرصاص لمدة عشر دقائق دون تدخل جنود الاحتلال المرابطين على الحرم.
ترك الجيش غولدشتاين ينفذ مجزرته كاملة. رغم نقاط المراقبة المكثفة في محيط مسرح الجريمة، واستعدادهم الدائم للتحرك تجاه أي حركة أو نشاط مشبوه، وفوق ذلك كله شاركوا في اطلاق الرصاص على المصلين والمئات الذين هرعوا لنقل الاصابات وانقاذ المتبقين، ما أدى إلى ارتقاء شهداء آخرين وصل عددهم إلى أكثر من سبعة شهداء في باحات الحرم ومحيطه، وهم ينقلون الشهداء والجرحى.
وقد سبق للارهابي غولدشتاين، الاعتداء على الحرم الابراهيمي، وتم تبليغ رئيس وزراء الاحتلال آنذاك “رابين”، بإجرامه وحقده العلني والواضح، وخطورة تصرفات غولدشتاين ومستعمرين آخرين متطرفين.
وجاء في رسالة بعثتها “الهيئة الاسلامية العليا””، أن عددا من المستوطنين اعتدوا على ستة من حراس المسجد الابراهيمي وأحد المصلين، مساء الجمعة 8 تشرين الأول 1993، وقام المتطرف غولدشتاين بقطع آذان العشاء بعد اعتدائه على المؤذن.
قبلها بعام، في مساء الخميس 14 تشرين الأول 1992، قام غولدشتاين بإلقاء مواد كيميائية حارقة على سجاد المسجد، ولولا يقظة الحراس والمصلين، لوقعت مذبحة.
وما زال الاحتلال الإسرائيلي يحاول، ضمن سياسة ممنهجة، السيطرة على المسجد الإبراهيمي وإلغاء السيادة الفلسطينية، وإلغاء اعتباره وقفا إسلاميا خالصا، ففي عام 2020، أغلق الاحتلال المسجد الإبراهيمي 77 يوما، ومنع رفع الأذان فيه 599 وقتا.
كما شهد المسجد، طيلة العام المذكور، اقتحام العشرات من جنود جيش الاحتلال، إضافة إلى قيام رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، يرافقه عدد من وزرائه، باقتحامه، وهو أمر أدى إلى زيادة الاقتحامات والانتهاكات للمسجد، وأدى إلى تجرؤ المستوطنين على نصب “شمعدان” كبير على سطح الحرم الابراهيمي.
ولم تتوقف سلطات الاحتلال عن تنفيذ مخططاتها الخبيثة فيه منذ احتلال الخليل عام 67، فعلى سبيل المثال لا الحصر منعت دائرة الأوقاف الإسلامية من فرشه بالسجاد في تشرين الثاني 1967، وبعد أقل من شهر أدخلت إليه خزانة حديدية فيها أدوات عبادة يهودية، ثم أدخلت كراسي خاصة بهم إلى القاعة الإبراهيمية في حزيران 1968، وبتاريخ 25/9/1968 سمحت سلطات الاحتلال لفئة يهودية بالصلاة فيه، في تحدٍّ سافر لمشاعر المسلمين، وبعد أقل من شهر نسفت سلطات الاحتلال درع الحرم الإبراهيمي والبوابة الرئيسية المؤدية إليه وهما أثران تاريخيان.
وبتاريخ 11/10/1971 أدخل المستوطنون طاولة خشبية إلى القاعة الإبراهيمية، وفي 9/9/1972 مُنع المصلون المسلمون من أداء صلاة العصر في الحرم لأن المستوطنين كانوا ينشدون الأناشيد الدينية بأصوات مرتفعة وينفخون في البوق، وفي 17/12/1972 أصدر الحاكم العسكري الإسرائيلي أوامره بإغلاق الباب الشرقي للحرم الشريف.
وبتاريخ 1/10/1973 سمح الحاكم العسكري في الخليل بإدخال 50 كرسيًّا خشبيًّا إلى القاعة اليعقوبية من الحرم الشريف، وقامت سلطات الاحتلال بتغطية صحن الحرم 10/11/1973 في محاولة لتغيير معالمه الإسلامية.
وفي حزيران 1974 قامت سلطات الاحتلال بسلسلة من الحفريات في محيط الحرم الإبراهيمي، وأسفل الباب الثلاثي إلى الداخل، وإلى الغرب منه، وأسفل المدرسة الحنفية.
وفي مطلع عام 1976 اقتحم ثلاثة مسلحين يهود الحرم برفقة سبعة مستعمرين وعبثوا بمحتوياته، وبتاريخ 16/3/1976 منع المستوطنون المسلمين من أداء الصلاة في القاعتين اليعقوبية والإبراهيمية.
وفي 21/10/1976، حول جنود الاحتلال قسما من الحرم إلى ثكنة عسكرية، ووضعوا فيه أسرَّة وأمتعة للنوم، وفي 2/11/1976 اعتدى مستعمرون على الحرم وداسوا نسخا من القرآن بأقدامهم، واعتدوا على المصلين بالضرب، وفي 18/11/1976 أعلن الحاخام المتطرف مائير كهانا أنه سيحوِّل الحرم الإبراهيمي إلى قلعة للمتطرفين اليهود بهدف ترحيل المواطنين الفلسطينيين من مدينة الخليل.
وفي 8/3/1977 أعلنت الهيئة الإسلامية عن اختفاء مفقودات ذات قيمة بعد فترة من منع المسلمين دخول الحرم الشريف، وبتاريخ 16/5/1977 اقتحم عدد من المستوطنين الحرم برفقة الحاخام ليفنجر وقاموا بالرقص داخل القاعة الإبراهيمية، وأشهر أحد المستوطنين مسدسه تجاه عدد من المصلين أثناء صلاة الظهر بتاريخ 4/7/1977.
وفي 27/2/1978 اقتحم أحد المستوطنين الحرم وعبث بمحتوياته، وفي 24/4/1978 أدخل مستعمران إليه نسخة جديدة من التوراة وأقاما احتفالاً كبيراً بحماية جنود الاحتلال.
وفي 31 /5/1979 اقتحم جنود الاحتلال القاعة الإبراهيمية، ووضعوا فيها الكراسي، ومنعوا المسلمين من الوصول إلى الحرم، وفي 27/2/1979 اقتحم 20 مستعمرا الحرم وهم يرفعون الأعلام الإسرائيلية، وفي 24/6/1984 أجرى المستوطنون ختان طفل في القاعة الإبراهيمية، وفي 11/9/1984 قام الجنود بتركيب عدسات تلفزيونية داخل الحرم لمراقبة المصلين.
انتهاكات وممارسات سلطات الاحتلال وأذرعها المختلفة في مدينة الخليل لم تتوقف، فقد زرعت فيها عددا من البؤر الاستعمارية وأغلقت شوارعها، وارتكبت فيها أفظع الانتهاكات لحقوق الإنسان، من قتل وتدمير، وحظر للتجول، وحصار اقتصادي متواصل أدى إلى شلّ الحركة التجارية في أسواقها القديمة، كما تستمر الاعتداءات على ممتلكات أهلها بهدم المباني الأثرية والتاريخية في أبشع مذبحة تستهدف طمس معالمها الحضارية وتغيير هويتها العربية الإسلامية، وبشق طريق استعماري يربط بين مستعمرة “كريات أربع” والحرم الإبراهيمي الشريف وجميع البؤر الاستعمارية، بهدف تهويد المدينة.
قائمة أسماء شهداء مذبحة الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل 25/2/1994 :
1 – رائد عبد المطلب حسن النتشة
2 – علاء بدر عبد الحليم طه أبو سنينه
3 – مروان مطلق حامد أبو نجمة
4 – ذياب عبد اللطيف حرباوي الكركي
5 – خالد خلوي أبو حسين أبو سنينه
6 – نور الدين إبراهيم عبيد المحتسب
7 – صابر موسى حسني كاتبة بدر
8 – نمر محمد نمر مجاهد
9 – كمال جمال عبد الغني قفيشة
10 – عرفات موسى يوسف برقان
11 – راجي الزين عبد الخالق غيث
12 – وليد زهير محفوظ أبو حمدية
13 – سفيان بركات عوف زاهدة
14 – جميل عايد عبد الفتاح النتشة
15 – عبد الحق إبراهيم عبد الحق الجعبري
16 – سلمان عواد عليان الجعبري
17 – طارق عدنان محمد عاشور أبو سنينه
18 – عبد الرحيم عبد الرحمن سلامة
19 – جبر عارف أبو حديد أبو سنينه
20 – حاتم خضر نمر الفاخوري
21 – سليم ادريس فلاح ادريس
22 – رامي عرفات علي الرجبي
23 – خالد محمد حمزة عبد الرحمن الكركي
24 – وائل صلاح يعقوب المحتسب
25 – زيدان حمودة عبد المجيد حامد
26 – أحمد عبد الله محمد طه أبو سنينه
27 – طلال محمد داود محمود دنديس
28 – عطية محمد عطية السلايمة
29 – إسماعيل فايز إسماعيل قفيشة
30 – نادر سالم محمد صالح زاهدة
31 – أيمن أيوب محمد القواسمي
32 – عرفات محمود أحمد البايض
33 – محمود صادق محمد أبو زعنونة