2:40 مساءً / 23 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

نهاية المشروع الصهيوني وتنامي المشروع الوطني الفلسطيني (الجزء السابع) بقلم : غسان ابو نجم


ان اتفاقات اوسلو لم تشكل خطرا على القضية الفلسطينية فقط بل شكلت تحولا واضحا لموقف النظام الرسمي العربي من الصراع الذي انتقل من السر إلى العلن وشهد بدايات الانهيار الرسمي العربي عبر الهرولة المجانية نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني وبشكل معلن ضمن مخطط أعد بعناية في ان أوسلو لم يكن وليد صدفةٍ أو ابنًا غيرَ شرعي، بل ولد ترعرع في رحم الصراع الفلسطيني الصهيوني تاريخيًّا وأشرف على ولادته وتطوير ملامحه وتغير أدوات تطبيقه قوى الشر العالمي التي رسمت وترسم مستقبل الصراع بكلّ ما تفتقت به دوائر مخابراتها وأجهزة القرار فيها لوضع نهاية لآخر احتلال عرفه التاريخ المعاصر.
لقد شكّلت قيادة اليمين الفلسطيني لدفة الصراع وتساوقها مع مشاريع التسوية الهادفة بمجملها لتثبيت الوجود الكياني للاحتلال بدايةً لخلق نهجٍ تفريطي، وسأتعرض لأهمّ محطّاتِ التحوّل في البرنامج السياسيّ الفلسطينيّ عبرَ محطاتِ تاريخيه في المسيرة النضاليّة الفلسطينيّة، محاولًا وضع المواقف السياسية ضمن إطارها الزمني التاريخي.
شكل تغيير البرنامج السياسي لـ .م.ت.ف وتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني؛ بدايةَ التنازل والتفريط الفعلي بأرض فلسطين التاريخيّة لتسقط القيادة الفلسطينية المتنفذة وبعض حلفائها من اليسار خيار الدولة الفلسطينيّة على كامل التراب الوطني الفلسطيني واعتماد شعار الدولة الفلسطينيّة على حدود عام ١٩٦٧، لتسقط بذلك ثلثي أراضي فلسطين التاريخية بأيدي الصهاينة المغتصبين، ولن أدخل في هذه المقالة بالظروف الدوليّة والإقليميّة التي أحاطت بالمنظّمة في ذلك الوقت، ولكن ما يهمني هنا النتيجة العملية لذلك الموقف ولتلك السياسات التي أهدرت حق الشعب الفلسطيني بالأراضي المحتلة عام ١٩٤٨، واعترفت ضمنيًّا – ولاحقًا علنيًّا – بالاحتلال كصاحب أرضٍ وحقّ، ومن ثَمَّ مالك دولة على أرض اغتصبها، ورغم محاولات اليمين الفلسطيني تبرير هذه النتيجة، وجهود اليسار في صدّ هذا التدحرج نحو التنازل عبرَ سلسلةٍ من الخطوات السياسيّة والتنظيميّة، مثل: تشكيل جبهة الرفض ومحاولات محاصرة القيادة الفلسطينيّة المتنفّذة، رغمَ كلّ ذلك ظلّت الحقيقة القائمة على الأرض هي سقوط أراضي عام ١٩٤٨، من حسابات وبرامج قوى العمل الوطني الفلسطيني دون استثناء، وظل الارتباط بها عاطفيًّا وجدانيًّا فقط، وسقط برامجيًّا وعمليًّا في الواقع. ولم تقف قيادة م.ت.ف عند حد تعديل البرنامج السياسي للمنظمة وتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني، بل شاركت في العديد من المؤتمرات الدولية والإقليمية التي كانت المحصلة النهائية لقراراتها تثبيت الكيان الصهيوني وإضفاء الشرعية على وجوده على أرض فلسطين المغتصبة، ولم تكن لهذه التنازلات أن تتم إلا عبر صفقات ومحادثات سرية قادها شخصياتٌ فلسطينيّةٌ مدعومةٌ سرًّا من أطرافٍ سياسيّة.
لم تقف محاولات هذا التيار الذي بدأ يوسّع قاعدة تغلغله في أوساط وجسم الحركة الوطنية الفلسطينية عند اللقاءات الثنائية واللجان الحوارية، بل بادر إلى تحشيد مجموعات وأفراد في جسم الحركة الوطنية، ومن فصائل العمل الوطني الفلسطيني كافةً لتسييد فكرة الحوار والتفاوض وتحييد دور السلاح، بحجة إعطاء دورٍ للعقلاء، كما أسمتهم السيدة الأمريكيّة، خاصّةً أنّ السلاح الفلسطيني تم تشتيته في عدة عواصم عربيّة بعد اجتياح لبنان، مما أعطى للتيار التفريطي فرصةً كبرى لتمهيد الطريق أمام المزيد من التنازلات والتفريط.
لكن الانتفاضة الشعبيّة الكانونية أعادت إلى الواجهة اسم فلسطين التاريخيّة ووحدة الأرض والشعب، وحاصرت بذلك التيار التفريطي، وفرملت حالة الدحرجة التي بدأ بها؛ ولو التقط أبناء التيار اليساري وقواه – التي باسم الواقعية فرّطت بفلسطين التاريخية – هذه الحالة التي فرضتها الانتفاضة وانتقدت نفسها ومواقفها وتراجعت عن برامجها التي تنازلت فيها عن أرض فلسطين التاريخية؛ لأخذت القضية الفلسطينية منحى مختلفًا تمامًا، ولكن يبدو أن هناك أطرافًا داخل اليسار الفلسطيني، كانت تلهث خلف التسوية السياسية، باعتبارها أسهل وأقصر الطرق لتحقيق مكتسباتها الطبقية الضيقة. فبعد أن نجحت الانتفاضة الشعبية على الأرض بدأ النهج التفريطي باستغلال مكتسباتها لتحقيق تسويةٍ سياسيّة، وكان مؤتمر مدريد عام ١٩٩١، الذي نقل حالة الصراع إلى مصافٍ دولية، حيث لم يكتفِ هذا النهج التفريطي بانحنائه أمام حالة المد الصهيوني الذي اكتسبه من مقررات مؤتمر مدريد، بل حاول إبراز انتصاراته الوهمية في هذا المؤتمر، وإظهار الطرف الفلسطيني بأنّه خلق المعجزات، وأنه اكتسب صفةً شرعيّةً ووجودًا في المحافل الدولية؛ نتيجة فعل الانتفاضة الشعبية على الأرض، وكأن الثائر ينتظر أن يعترف عدوه بمشروعية نضاله. لقد كان من أكثر نتائج هذا النهج كارثيةً هو اتفاق أوسلو، الذي أعطى بما ما لا يدع للتحليل أو التأويل مجالًا؛ الحق للمغتصب الصهيوني بامتلاكه كامل الأراضي التي اغتصبها عام ١٩٤٨، مقابل الانسحاب من غزة وأريحا وإقامة سلطة حكم ذاتي محلي على أجزاء من الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧، وتدويل قضية القدس وتولي م.ت.ف إدارة هذه المناطق بالتنسيق مع المُغتصِب الصهيوني المحتل؛ ضمن لجان تنسيقٍ مشتركةٍ لتتحول الثورة بقيادتها وكوادرها ومؤسساتها إلى لجان تُسهل إدارة هذه المناطق تحت إشرافه، وفي مرمى نيران مدافعه لتسقط أراضي الضفة الغربية، تحت نير احتلالين: أحدهما صهيوني وآخر فلسطيني مثلته الجحافل العائدة من المنفى، ومن الفصائل الفلسطينية كافةً وكوادرها العاملة بالداخل لتتحول الثورة إلى جيش من الفاسدين وأصحاب بطاقات زرقاء.. فلم يكن اتفاق أوسلو حدثًا عاديًّا أو عابرًا في تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني، بل كان أخطر وأبشع ما قام به نهج التفريط، وكلّ من تساوق معه على الإطلاق، حيث أدّى المال السياسي دورًا خطيرًا في قلب مفاهيم الجماهير الشعبية تجاه الثورة، وأدت ما يسمى بالمؤسسات الأهلية المُسيّرة من الخارج دورًا تخريبيًّا خطيرًا، بالتوازي مع دور السلطة.
لسنا بصدد تقييم اتفاق أوسلو في هذه المقال بل ما يهم هنا كشف ممارسات نهج التفريط والتوجه المتسارع نحو مزيد من التفريط والتنازلات بحيث أصبح هذا النهج مؤسسيا يمتلك القوتين الاساسيتين المال والسلاح تمكنه من فرض وجوده على مكونات المجتمع المدني والشعب الفلسطيني ويمتلك مؤسسات قضائية وسجون لمحاسبة معارضيه وتمرير قراراته عبر مراسيم اداريه وتعميق حالة الانقسام الافقي والعمودي التي وصلت ذروتها في الفصل الجيوسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة… يتبع

شاهد أيضاً

الاحتلال يغلق الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل

شفا – أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي الحرم الإبراهيمي الشريف، وسط مدينة الخليل، وفرضت طوقاً أمنياً …