الإبادة الدموية في غزة و”انتصار حماس” بطهران! ، بقلم : موفق مطر
يتحدثون بشغف عن “النصر” لكن هذه المرة -منذ 137 يوما- من طهران، عاصمة (بلاد فارس)، ويضربون بعرض الحائط مسعى القيادة الفلسطينية لدى دول وحكومات -أكثر من 80 اتصالا واجتماعا- وحراكها مع دول عربية شقيقة لدى المنظمات الأممية المعنية -آخرها مجلس الأمن لإيقاف اطلاق النار فورا، وإنقاذ رقبة شعبنا من مقصلة منظومة الاحتلال الاسرائيلي، لكن رؤوس تيار طهران في حماس يصرون على بعث رسالة مسمومة إلى القيادة الفلسطينية، ودول عربية كبيرة، عنوانها: طهران ولي أمرنا وقرارنا!
لا يردعهم ضمير، مجردون من الأحاسيس والمشاعر الإنسانية، يستخدمون النصر والانتصار، كاستخدامهم للدين، وهذا ليس غريبا عن جماعة وعد أبرز رموزها لقاتل أخيه في الأمن الوطني الفلسطيني، بمقعد ودرجة مميزة في الجنة حسب الرتبة العسكرية (لأخيه الفلسطيني المسفوك دمه)، لا يفرقون بين التضحية الواجبة من أجل الوطن، المرهونة بإنجازات ملموسة لصالح الشعب، وقضية الحق الفلسطيني، وبين حشر المواطنين أهل البلاد، ودفعهم نحو ميادين الموت، وتعميم الدمار، وإبادة الآمال بالمستقبل في الوطن، وكل هذا بلا ثمن، حتى لو صارت دماء المواطنين في قطاع غزة نهرا، تصبغ مياه البحر الأبيض المتوسط، هذا البحر، الذي تمنى رئيس حكومة لإسرائيل الأسبق (إسحاق رابين) أن يستيقظ يوما ويرى غزة غارقة جوفه!، لكنه عاد وانسحب من قناعته وتراكمات تجربته العسكرية المدمرة، وقرر أن الإقرار بحق الشعب الفلسطيني، والاعتراف بممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، والانسحاب من عقلية الاحتلال والاستيطان هو السبيل الوحيد للسلام.
وقف أسامة حمدان المتحدث باسم حماس، وأمامه عشرات لاقطات الصوت (مايكرفونات) ليتحدث عن موقف ومواقف جماعته، لكن الفضائيات التي تبث مؤتمره الصحفي مباشرة، وكلامه المزيف عن “النصر والانتصارات” هي ذاتها التي تكذبه عندما تبث مباشرة تقارير من الواقع ومن الميدان، وقائع النكبة الثانية التي أرهص لها انقلاب جماعته الدموي سنة 2007، فضحايا دعاية حماس كغيرهم يشاهدون الحقيقة، ومشاهد المآسي والمعاناة، والدماء النازفة، والمجازر، ومحو أسماء أفراد عائلات بأكملها من السجلات الرسمية، ومشاهد الشهداء والجرحى -إن نجا أحد- جلهم أطفال ونساء ورجال شيوخ يخرجهم الأحياء من أعماق الركام،شهداء وجرحى وعلى وجوهم خلطة من دم طاهر، وبارود الهمجيين، وغبار المتاجرين بأرواحهم ومصائرهم، يتحدث حمدان عن النصر بينما طوابير المواطنين الفلسطينيين النازحين بعشرات الآلاف، الذين يدفعهم جيش الاحتلال الصهيوني اللاأخلاقي إلى حقول الرمي بالذخائر بما فيها الممنوعة بالقانون الدولي، أما مشاهد الدمار في مدن وبلدات ومخيمات قطاع غزة، فإن المشاهد يظنها من وثائق الحرب العالمية الثانية، لولا وقوف صحفي مهني بنبل، يتلو رسالته بأسى ومرارة، وكأنه يقول للمخدوعين -لا تصدقوا أحاديثهم من العواصم والفنادق ومراكز المؤتمرات الصحفية عن “النصر والانتصارات”، ولا تحليلات منتفعين من سلك عسكري وآخر سياسي، فالحقيقة تأبى إلا أن تهزم ادعاءات المتحدث، فهنا الدماء الإنسانية لأكثر من 110 آلاف مواطن فلسطيني مابين شهيد وجريح، مازالت تقطر من أطراف فولاذ آلة حملة الإبادة الصهيونية الاستعمارية العنصرية بغزارة منذ (7 أكتوبر حماس).
تبدأ خطوات النصر والانتصار بإلحاق الهزيمة الساحقة بالعقل الظلامي الظالم، والتحرر من عقدة التفوق، وبتعاميم التمييز والأنانية الشيطانية المطلقة، ويبدأ بضربة قاضية للفئوية وسلطانها الدموي، كما رسختها تعاليم وتعاميم سيد قطب وحسن البنا وغيرهما..
النصر والانتصار الحق يبدأ بالعودة إلى منهج سيادة العقل والحكمة، عندما يصير الانتماء الوطني والالتزام بمصالح الوطن العليا، منهجا مقدسا ناظما للفكر والعمل الوطني.. حينها تلوح بشائر النصر كحتمية طبيعية في آفاق الوطن، وليس في فنادق العواصم المترفة.