شفا – مع مرور الأيام، تقترب الأزمة المالية التي تعصف بالسلطة الفلسطينية من الوصول إلى مرحلة العجز الكامل، ما سيضع الاقتصاد في حالة ركود تام، في الوقت الذي تعكف فيه وزارة المالية الآن على إعداد موازنة صفرية حسب بعض المحللين.
ولم تخل تصريحات رئيس الوزراء سلام فياض أمس، خلال مقابلة له مع وكالة الأسوشيتيدبرس من لوم للدول العربية التي لم تلتزم بما وعدت به في آذار الماضي؛ بإنشاء شبكة أمان عربية تصل إلى 100 مليون دولار شهرياً.
وحذر فياض كافة الجهات الدولية من وقوفها ساكنة أمام استمرار الأزمة المالية غير المسبوقة، ما سيؤدي إلى تضاعف عدد الفلسطينيين القابعين تحت خط الفقر إلى أكثر من 50٪ من إجمال عدد السكان البالغ أربعة ملايين نسمة، بسبب الاقتراب من العجز الكامل.
وفيما يتعلق بالعجز الكامل، فإنه يختلف عن مرحلة العجز الحالية حسب المحلل الاقتصادي د. نصر عبد الكريم بأنه عدم قدرة السلطة على الوفاء بأية التزام، عدا عن توقف الأنشطة الخدمية والتعاقدات الحكومية مع الموردين، والذي يشكل في نهاية المطاف شلل تام.
وأضاف عبد الكريم أن تحذيرات فياض فيها واقعية، وذلك لعدم إيفاء العرب بالمساعدات وعدم وجود ضغوط دولية على إسرائيل للإفراج عن إيرادات الضرائب المستحقة للسلطة.
وبخصوص شبكة الأمان العربية، يرى المحاضر في جامعة بيرزيت أن قرار الدول العربية بإنشاء الشبكة كان مشروط بحجز إسرائيل لأموال الضرائب، ‘وفعلاً توقفت إسرائيل عن تحويلها، ما يعني دخول الشبكة حيز التنفيذ.’
لكن السلطة الفلسطينية لم تنتبه لوجود بعض الثغرات في اتفاق الدول بإنشاء الشبكة، فهنالك أمور لوجستية كانت غير واضحة، ومنها حصص الدول المفترض أن تدفعها نتيجة، وهذا الأمر حسب عبد الكريم ترك لظرف كل دولة على حدة.
وبدأت دول عربية بالخروج بذرائع لعدم التزاماتها المالية تجاه السلطة، في حين التزمت دول أخرى، كالجزائر والسعودية، في حين هنالك دول لم تدفع دولاراً واحداً منذ ست سنوات، إلا أن هنالك أسباب سياسية واقتصادية وحسابات إقليمية ودولية وضعت شبكة الأمان العربية على الرف.
وفيما يتعلق بالموازنة، يجد المحلل الاقتصادي أن السلطة يفترض أن تكون قد راجعت موازنة العام الماضي عندما رأت بعض التعثرات والضغوطات الاقتصادية عليها، وعملت على تقليص الموازنة بما يتماشى مع الوضع الراهن آنذاك، لكنها استمرت فينفقاتها تماماً كما أعلنت عنها.
أما العام الحالي، فإنها تعتمد بشكل أساسي على الصورة السياسية والاقتصادية، والتي إذا استمرت كما هي عليها فلن يكون للموازنة أن مضمون، ‘لأن السلطة تمو بحالة من اللا يقين فيما يتعلق بالمساعدات والإيرادات الضريبية.’
واقترح عبد الكريم إعداد خطة مرحلية لمدة عام يتم مراجعتها كل ستة شهور، ‘ووضع فرضيات سياسية واقتصادية لموازنة مرنة من نوع خاص تتماشى مع ظروفنا الحالية غير المستقرة، والتي تعكس الظرف القائم.’
وكان فياض قد صرح أمس أن حجم ديون السلطة لصالح القطاع المصرفي بلغ نحو 1.3 مليار دولار، إضافة إلى بضعة مئات من الملايين لصالح القطاع الخاص الذي توقفت بعض شركاته عن العمل مع الحكومة لتراكم الديون.
و حول إعادة السلطة طلب قرض من القطاع المصرفي، يجيب المستشار الاقتصادي لبنك فلسطين د. عاطف علاونة أن هذا القرار يعتبر أساسياً في السياسة المالية والتي تحددها الحكومة، ويعتمد على تعليمات سلطة النقد الفلسطينية وقانون المصارف ووضع البنوك العاملة في فلسطين، حيث أن قرار سلطة النقد بهذا الخصوص هو من يسمح للحكومة الاقتراض من البنوك أو لا.
ويضيف، ‘قرار سلطة النقد من عدمه هو من يسمح للحكومة بالتوجه إلى البنوك، لكن برأيي لجوء الحكومة للاقتراض من المصارف من خلال السندات سيكون متاحاً، خاصة إذا وجدت هذه السندات مشتري لها من البنوك وشركات القطاع الخاص والأفراد.’
ويردف قائلاً، ‘إن الدين العام يكون عبر السندات بالدرجة الاولى، وبالتالي فإن العملية تعتمد على ثقة المشتري بقدرة الدولة على السداد، و وجود توقعات مستقبلية بانفراج الأزمة عبر المساعدات الدولية أو غيرها بالنسبة للوضع في فلسطين.’
ويلفت علاونة النظر إلى أن صناديق تقاعد القطاع الخاص تعد أكبر مستثمر في السندات الحكومية، ‘وأرى أن إقرار الحكومة لصناديق تقاعد القطاع الخاص بالغ الاهمية في الوقت الحاضر باعتبارها ستكون أكبر مورد للإيرادات الحكومية (القروض)، وذلك لاعتماد الصناديق على سياسة الاستثمار طويل المدى، وتوفر السيولة لديها لشراء سندات الحكومية أو أذونات الخزينة في حال أصدارها.’