رقعة شطرنج! بقلم : نادية ابراهيم القيسي
ذكاء يتجلى بملامح عتيقة تستتر خلف وجوه متباينة تستمزج أهواؤها ما بين تلاعب فكري وعاطفي يقوده شحذ ذهني تترجمه قوة التخطيط الاستراتيجي بتنفيذ تدريجي يخلق فوضى عارمة تستدرج ببطء لمخططات الوقوع في شراك البهتان فتُسدد الضربات القاضية بالهزيمة تباعاً في كل صولة و جولة بمبدأ (إن الحرب خدعة)؛ فالغايات هنا دوماً تبرر الوسيلة مادام النصر لزاماً تحقيقه بأي طريقة أو ثمن كان فتتراكم جثث ضحاياه على هامش ساحات القتال المصطنعة حيث يتبارى دوماً الأبيض والأسود بممالكهم الممتدة فوق خطوط متقاطعة متعاكسة منها ما يتجاوز و منها ما لا يتجاوز بدءاً بصغار الجند في معارك أقرب منها للمناوشات في خطٍ أمامي دفاعي لا يملك إلا التقدم خطوة بخطوة ليقف حاجزاً حامياً لما خلفه من كيانات نزولها للميادين مشروط فقط بما تقضيه الأزمات بتصاعداتها وما يحاكي السيناريوهات المحكمة المسبقة الإعداد في معاقل الهيمنة. فما بين الفيلة المتأهبة وفوارس الأحصنة الجامحة بجانب تلك القلعة الصامدة بصعوبة بالغة المرتجفة رهبة وألماً في وجه عواصف الدمار تدار اللعبة بحنكة شيطانية خفية لتحقق الانتصار تلو الانتصار في عالم هرمي البنيان لا يسمح فيه لصعود القمم إلا بكل ما يقتضيه ذلك من قرابين و نُذر.
رقعة شطرنج مجرد لعبة في أعراف لا متناهية تجسد واقع الصراع الأزلي السرمدي الأبدي لكل تلك القوى الفاعلة ما بين قطبي النور الساطع والظلام الحالك.
إننا نحيا مجازياً في تلك الرقعة تقتات علينا صراعات وحروب ممنهجة بدءاً بالفكر والعقيدة لتغيير البنية المجتمعية باندثار المعايير الأخلاقية وتسويف الاعتبارات الانسانية تسهيلاً للانغماس في ملذات تُصاغ لتغليب الشهوات على العقول الراشدة. لتأتي بعدها الحروب الاقتصادية لزعزعة أي استقرار نوعي قد يشكل مصدر قوة حقيقية منجية ليصبح رغد العيش عند البعض أكذوبة عن أسطورة تُتلى من سالف الزمان ولم تُحيا أبداً.
فتصبح الطموحات ضرب خيال لا يحقق إلا بالانصياع لكل ما يُملى ويشترط بتكاليف باهضة الثمن تسحق كل ما يمكن أن يطال من مبادئ وقيم لتستمر مسيرة التطويع البشري بمبدأ (العصا والجزرة).
ليكون بعد ذلك الحروب السياسية لتقويض الإرادات الحرة وتفعيل الضغوطات الكبرى ما بين الثواب والعقاب لإحكام القبضة الفولاذية على كل المحاور في رقعة الشطرنج. وتستمر الحروب لتكتمل المشاهد بعدسات مخرج محترف يعزف بدقة احترافية على أوتار قيثارة الأحزان تارة و تارة أخرى يعيث فساداً بجنون العظمة اللامتناهي منتجاً أحداثًا مفجعة تقضي ما يتمم سير روايات درامية بعواقب وخيمة لا ذرة فيها لأي ضمير حي.
أوبئة عالمية زلازل فيضانات أعاصير مفتعلة مجاعات تدمير اقتصادات تغيير مسارات توزيع سلاسل الغذاء تغيير خطوط النقل والتجارة اجتياحات مليشيات احتلال وحروب إبادة جماعية كلها بيادق تلعب بين كر وفر لتحقق غايات منظومات عالمية فاجرة قاهرة بدأت منذ سالف الزمن وتمضي عبر العصور إلى يومنا هذا طوعاً وكرهاً (بلا مَساس).
ماذا بعد كل هذا؟! متى تنقشع الغمام السوداء الركام ليتبين المسير وما يكتنفه الدرب العسير فينجلي عن البشرية هذا الليل الطويل؟ ماذا تبقى و قد انعدمت كل الوسائل للمقاومة والدفاع ضد الطغيان الأعظم في معارك استنفذت كل طاقة وعي واحساس لتحول كل شيء لمجرد بلا أدنى شعور.
ماذا عن تلك القلعة المحمية؟ هل ستنهار أسوارها أكثر فأكثر لتصبح الضحية الكاملة المثالية باغتيالها في صراع الواقع ما بين مملكة الصدق ومحفل الأكاذيب أم هي لم تكن بالأصل سوى جزء في زاوية مهمشة للعبة وهمية ليس إلا ..!! وسينتهى وجودها بانتهاء دورها من بين الأدوار ليسدل الستار في حكايتها التي لم تتم يوماً و بذلك لن تتم أبداً؟ هل ستبدي لنا الأيام ما كنا نجهله! أم سنبقى في خضم كل هذه الحروب قطعة مكبلة بالأسر فوق رقعة شطرنج؟!.
و الله دوماً من وراء القصد