عوفر كاسيف.. “شاهد ملك” لدى محكمة العدل الدولية ” بقلم : موفق مطر
لم يعد ممكنا السماع لأقوال عوفر كاسيف المنطوية على الخيانة، لقد اختار الانضمام إلى واحدة من أكثر المبادرات تدميرا لأمن إسرائيل، يجب أن يجد نفسه خارج حدود الكنيست ومن الأفضل أن يكون خارج حدود إسرائيل”.
الكلام أعلاه لرئيس كتلة “إسرائيل بيتنا” عوديد فورير، الذي يقود حملة جمع تواقيع من أعضاء كتل في الكنيست الإسرائيلي بلغت (85 توقيعا) بقصد تقديم عريضة لعزل النائب التقدمي في الكنيست عضو كتلة الجبهة العربية للتغيير (عوفر كاسيف) والسبب أن الدكتور في الفلسفة السياسية، النائب كاسيف المعروف عنه مقاومته للعنصرية والاحتلال، والرافض للخدمة في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967، وبيافطته الشهيرة المصورة “نقاوم الاحتلال” قد دعم دعوى جنوب أفريقيا المطالبة بالتحقيق في جرائم إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في حرب إسرائيل المسماة “السيوف الحديدية”؟ أما الدوافع لدى المطالبين بعزله فهي كثيرة، لكن أهمها الرسالة التي تعمل منظومة الصهيونية الاستعمارية الاستيطانية الإحلالية بوجهيها الديني والسياسي المتطرف، على إبلاغها لمعارضي منهجها التلمودي العنصري التدميري، ومنتقدي سياسة حكومتها الأشد وضوحا – منذ إنشاء إسرائيل – في تجسيد سياسة إرهاب الآخر، أيا كانت جنسيته، وهويته الدينية والقومية، وحتى الإنسانية، فعوديد فورير المتخم بإرهاب العنصرية وعقلية التفوق، يطالب بنفي كاسيف إلى خارج الحدود، لأن كاسيف انتصر لإنسانيته التي حاولت الصهيونية الدينية والسياسية تجريده منها، ظنا أن كل يهودي في إسرائيل يسلم ويبصم على واقع الاحتلال والاستيطان الاستعماري الصهيوني، القائم أساسا على نظرية تهجير وإبادة الشعب الفلسطيني.
إن وضع منظومة الاحتلال الصهيوني في موقع المتهم بجرائم إبادة جماعية، ودعوى الحق التي تقدمت بها حكومة جنوب أفريقيا لمحكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا في غاية الأهمية نظرا لحيثياتها المثبتة بالأحداث والأفعال وحتى النوايا، ونعتقد أن المسار الآخر للمحكمة التاريخية لمنظومة الاحتلال قائم في المجتمع الإسرائيلي، وتحديدا فيما يخص منهج العنصرية المطبق على (يهود إسرائيل) على أسس عديدة ومنها الموطن الأصلي لليهودي وثقافته المستمدة من مجتمعه الأصلي، ونعتقد أن عقدة تفوق اليهود الأشكناز الغربيين على السفارديم الشرقيين، هي العنوان الأبرز، وهنا في هذا المقام لا نريد الحديث عن أكثر من “شاهد ملك” أدرك حقيقة هذه المنظومة بعد أن خدم في “لواء ناحال” أهم الوحدات الخاصة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، شاهد يعتقد أن “الصهيونية ككل، عمليا وربما من الناحية النظرية أيضا، تدعم التفوق اليهودي”.
ولم يغفل التأكيد على أنه “ضد أي نوع من التفوق العرقي أو القومي” لذلك كتب قبل أسبوع على (منصة إكس) :”إن واجبي الدستوري هو تجاه المجتمع الإسرائيلي وكل سكانه، وليس تجاه حكومة يدعو أعضاؤها وائتلافها إلى التطهير العرقي، بل وحتى الإبادة الجماعية الفعلية”.. وهنا بيت القصيد، فالرجل نائب في الكنيست، أي من قلب المؤسسة التشريعية لإسرائيل، التي أخرجت بالأغلبية قانون القومية العنصري بامتياز، رفض: “الحروب الانتقامية ودعوات الإبادة وإراقة الدماء في حروب لا طائل منها” ويشهد أن: “حكومة نتنياهو تعمل ضد المجتمع والدولة ومواطنيها عندما تضحي بهم وترتكب الجرائم باسمهم على مذبح الحفاظ على وجودها”!! ويشبهها: “بالحكومات الفاشية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي” ما يعني أن لكاسيف موقفا مبدئيا من إفرازات الصهيونية الحقيقية رغم ادعاء مؤسسيها بأنها حركة تحرر لليهود، وادعائهم بشعارات الديمقراطية والمساواة.” ..
فهذا الستيني قد خبر خداع الصهيونية وحكوماتها، بما يكفي لأن يكون سجله النضالي شهادة تضاف إلى الشواهد المادية الموثقة بالدماء والدمار، فكاسيف كشف عورة حكومات إسرائيل وأفظعها ائتلاف حكومة نتنياهو بقوله: “لا احتلال ولا فاشية ولا قومية عرقية ولا عنصرية” ..
وفي سنة 2018 قال في محاضرة ألقاها في الكلية التحضيرية الأكاديمية للجامعة العبرية: “أعطت الحكومة الإسرائيلية الشرعية لقتل العرب، هكذا نتدهور إلى الهاوية الألمانية التي كانت قبل 80 عاما”. الصهاينة العنصريون وصفوا كاسيف “باليساري الخائن” واعتبروه: “عارا على اليهود” لأنه “احترم القومية الفلسطينية” كما قالوا، ولم ينخدع بما طرحته المنظمة الصهيونية حول القومية اليهودية الإسرائيلية..
وهنا بكل بساطة تنكشف استماتة الصهيونية الاحتلالية الاستعمارية العنصرية، في منع حقيقة الوطنية الفلسطينية، والهوية القومية للشعب الفلسطيني، باعتباره الحقيقة السرمدية على هذه الأرض، حتى لو أدى ذلك إلى حملات إبادة دموية همجية كما يراها العالم على الهواء مباشرة منذ مئة يوم.