سياسة التجويع في غزة ، بقلم : أسماء ناصر أبو عياش
“إحنا مش أبطال ومش خارقين، إحنا من لحم ودم، حسوا فينا يا عالم”.
هو ليس صموداً كما يعزّي البعض نفسه، هم ليسوا آلهة ثبات، ليس لهم خيار سوى البقاء حيث هم. صيحات الشيوخ والمسنين وحاجتهم الماسة لقضاء حاجتهم دونما حرج، صرخات الأطفال من بقي منهم على قيد الجوع والوجع، مشاهد بتر الأطراف وفقء الأعين واستجداء الحق في الحياة… كل هذا لم تسجله كاميرا ولم يصدح به مايكروفون إلا اللمم وبما يرفع العتب.
كم من الرسائل والتقارير تفيض به هواتفنا وما يصلنا من عالم الميديا نحوقل ونحسبل ثم نعود إلى يومنا نمارس تفاصيله ونتجنب ما سجلته الذاكرة من مشاهد وأحداث لنتحايل على الواقع فيأتي صوت رسالة تقول:”الناس عريانة وجوعانة والحرامية مليَنوا والله لا يشبعهم.”
هذا الكلام وما استهل به المقال موثق بالاسم والساعة ولا مجال هنا للتعامي وادعاء النصر والصمود. عائلات عفيفة اضطرت للتسول والميسورين منهم استنفذوا ما ادخروا في سبيل ساتر يحجب أعين السابلة فيغبطونهم على نعمة الخيمة، لا ماء ولا غذاء ولا بيت يأوي الأحياء، لا قبر يضم رفات من استشهدوا وقد أضحت القبور أمنيات الأحياء يرون الموت شافيا والمنايا أمانيا وهم تحت وابل القصف والإبادة.
تقول إحدى السيدات في رسالتها: ” بضيع يومنا واحنا من الصبح لآخر الليل بس بنشتغل لندبر ماء ونار للطبخ، ناهيك عن ارتفاع الأسعار عشرات الأضعاف وعدم توفر أي دخل لمعظم الأسر وانقطاع السلع الأساسية.”
هذه السيدة تنتظر بين لحظة وأخرى آلام المخاض وتقول: ” هذه مش معاناتي لحالي هذه معاناة ما يقارب خمسين ألف حامل وألاف السيدات في قطاع غزة.”
في رسالة أخرى يقول مرسلها:”ما يقال عن صمود المدنيين الأبرياء تحت قصف الطائرات الاسرائيلية في ظل الفوضى والـــ … محسوبية وجشع التجار واستغلال ما تبقى من دماء ولحم المواطنين وانتشار البؤس والإحباط وانعدام ، كل هذا ليس صموداً إنما هو عجز. نحن ندفع ثمنا لا ذنب لنا فيه بل أصبحنا نحن الثمن في هذه الإبادة.”
وفي رسالة أخرى تنزُّ ألماً يقول كاتبها : “لا يكفي أن تتوقف الحرب بشكلها الحالي وتستمر بأشكال أخرى يتواصل فيها الموت، لا يكفي وقف الحرب وتستمر حرب الفوضى، لا يكفي وقف الحرب وتتواصل حرب التجويع والعيش على الـ ” الشحدة والكابونة ” وحرب الصحة والمرض، لا يكفي وقف الحرب دون رجوع الناس إلى مناطقهم، لا يكفي رجوع الناس إلى مناطقهم دون وجود بيوت تأويهم ومدارس ومستشفيات وجامعات، كل الشعارات لا تقدم أي حلول ولا تنقذ غزة من الموت.”
هذا غيض من فيض معاناتنا نحن القابعين بين مطرقة الجوع والاستغلال والرازحين تحت نير احتلال إحلالي صهيوني مصيره الزوال. ولفلسطيننا من مائها لمائها الحرية والاستقلال.