الحديث عن سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك- حفظها الله- حرم الشيخ زايد بن -رحمه الله- يستدعي الأفكار، فتتوالى الكلمات والجمل، في محاولة للحاق بجوانب ، ولو ضئيلة من مسيرتها، وفكرها النيّر، تلك المسيرة التي بدأت منذ زمن مبكر، وتحديدا في الستينات من القرن الماضي ، ففي تلك الفترة اقترنت بالأب القائد الشيح زايد – طيب الله ثراه – وقد كان آنذاك حاكما للمنطقة الشرقية.وعندما تسلم مقاليد الحكم في إمارة أبو ظبي، انتقلت معه إلى العاصمة في بداية أغسطس/آب من عام 1966م معه،ومنذ ذلك الحين سجلت مواقف مشرفة وكان للقائد أوفى معين وخير رفيق.
تعد تلك الفترة المبكرة من تاريخ المنطقة من أحلك الأوقات وأشدها قسوة وصعوبة، خصوصا مع انبثاق فكرة الاتحاد، وبداية العمل على تأسيسه حتى رأت دولة الامارات العربية المتحدة النور فتية، ومن أهم البلدان في العالم. ومنذ ذلك التاريخ بدأت رحلتها أيضا في التعليم مع القرآن الكريم والسنة المطهرة، فضلا عن دراسات في التاريخ واللغات وغيرهما من مجالات العلوم الإنسانية المختلفة، بل أن شغفها العلمي شمل الدراسات الحرة فتنوعت ثقافتها وأهتماماتها لتواكب متغيرات العصر ، وذلك برغم انشغالها بطيف من المسؤوليات كزوجة لحاكم إمارة ، فضلا عن تربيتها الابناء واجتهادها لغرس الفضائل والقيم العربية الاصيلة والمبادئ الاسلامية النبيلة في وجدانهم، ليكونوا قادة للأمة. لقد أدركت بنظرة ثاقبة أهمية تلك المرحلة، ولم يغب عنها أنها مرحلة انتقالية مهمة ودقيقة وبارزة المعالم من حيث الاهمية، ليس لإمارة أبو ظبي، وإنما لجميع الإمارات الأخرى.
عملت سمو الشيخ فاطمة بنت مبارك من أجل المرأة الإماراتية بجهد متوال، وكانت رؤيتها أن يكون العمل منطلقا من فكر مؤسساتي وغير فردي، لذا سعت منذ البداية لإنشاء جمعية نسائية يكون هدفها أن تلتقي من خلالها نساء إمارة أبوظبي، من أجل ان تشجعهن وتدفعهن ليعملن على تطوير أنفسهن ليكن حاضرات مع مسيرة النهضة التي بدأ انطلاقها صوب الوطن الجديد، والمجتمع الكبير الذي أخذ يتشكل على أرض الواقع. وعملت سموها لتزويدهن بالعلوم والمعارف التي من شأنها مساعدتهن على اتقان دورهن الاسري في تربية الاطفال التربية القويمة. ولعل أهم خطوات سموها لتحقيق نقلة فعلية للمرأة الإماراتية، كانت محو الامية التي كانت متفشية بين النساء والفتيات على حد السواء، لذلك بادرت الى إطلاق حملة لمحوها ، ونادت بضرورة تعليم الفتيات، وعرف عنها أنها قالت:” إن الأمية عدونا الأول”.
وفي الثاني من شهر ديسمبر\كانون الاول عام 1971م وفي ذلك الزمن الباكر من عمر دولة الامارات العربية المتحدة، بدأت جهودها لنشر العمل النسائي، واضعة نصب عينيها حقيقة أن المرأة نصف المجتمع وهي من تحمل على عاتقها تربية الاجيال القادمة، وبالتالي أستمرار هذه الاجيال في حماية الدولة الجديدة التي ظهرت لتوها على خارطة الكرة الارضية. وكانت من خطواتها الاولى أن فتحت مجلسها للنساء، فكانت تناقش معهن نظرتهن الى المستقبل فتسمع منهن ما يعتمل في نفوسهن من امال وما يعن لهن من مقترحات وما ينشدن من طموحات وبهذا اتاحت لهن العمل من اجل الاتحاد ، والمشاركة في بناء الدولة، ولقد كان واضحا لسموها ان ذلك ممكن تحقيقه فالوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، كان يدعو ويوجه بضرورة مشاركة المرأة في مهام بناء الدولة وترسيخ دعائم الاستقرار والامن. وبناء على ذلك لم تدخر سموها جهدا او توفر وقتا الا قدمته لتحقيق هذه الرؤية الثاقبة للوالد القائد، طيب الله ثراه. لذلك عملت على تطبيق هذه الرؤية على أرض الواقع، وقد كانتنظرتها صائبة عندما وجدت أن المرأة بحاجة الى مؤسسة يكون هدفها خدمة النساء والعمل من اجلهن وحل قضاياهن، وبادرت منذ وقت باكر جدا عام 1973م الى إنشاء “جمعية نهظة المرأة الظبيانية” فكانت أول تجمع نسائي في الدولة الوليدة الجديدة، ووضعت هذه الجمعية لبنات الاساس لما تحقق فيما بعد من انجازات عظيمة ومشرفة للمراة الإماراتية. وفي ظل الكيان الوحدوي الثابت. وفضلا عن الدور الرياد والتفكير الاستباقي، اذا صح التعبير فإن الوالدة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، حفظها الله، عملت سفيرة للمرأة الاماراتية لدى الوالد الشيخ زايد، رحمه الله. وانطلاقا من حرصها ومتابعاتها كانت تجتمع مرتين اسبوعيا بسيدات وفتيات فاعلات في المجتمع وعاملات، حتى جرى تأسيس “الاتحاد النسائي العام” سنة 1975م، فاصبح الممثل للمراة الاماراتية في مختلف المحافل الدولية، وكانت أولى مشاركاته في قمة المرأة التي عقدت في المكسيك عام 1975م، عبر مسيرته منذ انشائه الى يومنا هذا ، كان هذا الاتحاد خير معين للمرأة الاماراتية تتلمس به طريقها لتحقيق ذاتها وطموحاتها الى المشاركة والعمل لبناء الوطن وفقا لما اختطه الشيخ زايد – طيب الله ثراه – اكثر من نادى وامر بان تكون المراة مشاركة في صنع القرار وعلى مستوى بيتها ووسط ابنائها وبناتها ، معلوم لنا جميعا ان سمو الشيخه فاطمة، حفظها الله، قد غرست في أبنائها الشيوخ القيم والمثل وكل الصفات الحميدة، فكانوا من خيار الناس، وأفضلهم، قلوبهم على كل أبناء الامارات وبناتها ، في حاضرهم ومستقبلهم.
ولنا أن نفخر ب”أم الامارات” سمو الشيخة فاطمة التي انجبت وربت سمو الفريق اول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد ابوظبي نائب القائد الاعلى للقوات المسلحة، وسمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ، وسمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان، وسمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، وسمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، وسمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وسمو الشيخة شماء بـنت زايد آل نهيان، وسمو الشيخة اليازية بنت زايد آل نهيان . غني عن القول ان سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، تعد قدوة لكل النساء في العالم، في ذكائها، وبعد نظرها، ف”ام الامارات” اليوم رمز لنهظة الاماراتيات، ونموذج يبشر بان دور المراة الاماراتية فاعل وقوي في المجتمع ، ويؤثر ايجابا في جميع النساء على مستوى الوطن العربي، بل نموذج مشرف يجد التقدير والاشادة من المنظمات والاتحادات النسائية في العالم.
لقد أثبتت سمو الشيخة فاطمة، حفظها الله، أن المرأة ليست نصف المجتمع فحسب، بل هي النصف الفاعل والمؤثر فيه.
شاهد أيضاً
قرار المحكمة الجنائية الدولية: انتصار للعدالة أم خطوة رمزية؟ بقلم : م. غسان جابر
قرار المحكمة الجنائية الدولية: انتصار للعدالة أم خطوة رمزية؟ بقلم : م. غسان جابر بعد …