السلام هو الحل، بقلم : موفق مطر
“الإحساس لدى البعض أننا في طريقنا لوقف القتال خاطئ فبدون انتصار واضح لن نستطيع العيش في الشرق الأوسط”، الكلام هذا ليوآف غالانت وزير الحرب في حكومة منظومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصرية “إسرائيل”.
أما االكلام التالي وكلاهما موثق فهو لرئيس هذه الحكومة بينامين نتنياهو الذي أعلن افتخاره باغتيال عملية السلام فقد قال سنة 2017: “سأجتهد كي تبلغ إسرائيل عيد ميلادها المئة، لأن مسألة وجودنا ليست مفهومة أو بديهية، فالتاريخ يعلمنا أنه لم تُعمَّر دولة للشعب اليهودي أكثر من 80 سنة”.
وحتى تكتمل الصورة أكثر لا بد من قراءة ما يجول في عقل قادة المؤسسة الأمنية الاستخباراتية وجمعها مع عقلية أركان المنظومة السياسية والعسكرية الحربية ونموذجهما هنا نتنياهو وغالانت، فكلام تامير باردو الرئيس السابق لجهاز الموساد يقطع الشك باليقين بأن رؤوس أركان المنظومة قد بلغوا اليقين بأن دولتهم لا جذور تاريخية لها في المنطقة، وأنها مجرد مشروع استعماري دولي، مزودة بكل أسباب القوة العسكرية والاقتصادية لهدف حفظ مصالح الدولة الاستعمارية، فباردو كشف عن مكمن الخلل الأعظم في المنظومة بقوله: “إن التهديد الأكبر يتمثل بنا نحن الإسرائيليين، بظهور آلية تدمير الذاتي التي جرى إتقانها في السنوات الأخيرة، تمامًا مثل أيام تدمير الهيكل الثاني، مما يستدعي منَّا وقف هذا المسار الكارثي قبل نقطة عدم العودة، لأن إسرائيل تنهار ذاتيا”..
وبكل بساطة وبدون إسقاط أسباب دمار الهيكل الثاني حسب الأسطورة التلمودية، فإننا نعتقد أن السبب الرئيس لهذه القناعات المتجسدة في تصريحات رموز هامة في هذه المنظومة هو الصراع في المجتمع الإسرائيلي بين نزعتين: الأولى يعتقد معتنقوها بالردع الفتاك والإبادة الدموية لشعب فلسطين الموجود منذ فجر التاريخ في أرض وطنه فلسطين، وتهجير من يبقى حيا، وبين نزعة أخرى يعتقد معتنقوها بعد انكشاف الوجه الحقيقي للمنظمة الصهيونية بوجهيها السياسي والديني، وسقوط دعايتها بأنها “حركة تحرر لليهود في العالم” فهؤلاء قد تأكدوا بأن الصهيونية ضللت اليهود، فكريا وعقائديا وسياسيا، لتسهيل استخدامهم في أفظع جريمة ضد الإنسانية، لصالح الدول الاستعمارية، لذلك انتهجوا جادة السلام، وأعربوا عن رفضهم لسياسة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني، وباتوا ينادون علنا بالسلام مع الشعب الفلسطيني، على أساس حل الدولتين، باعتباره الحل الوحيد الممكن لإيقاف نزيف الدماء، وصد المخطط الاستعماري الدولي – الصهيوني القائم على أساس النفخ بالحروب الطائفية والعرقية والدينية في المنطقة، انطلاقا من فلسطين المحتلة باعتبارها المركز الرئيس لمشروعهم في منطقة الشرق الأوسط، وفي هذا السياق لا بد من الإشارة باهتمام إلى مظاهرة لأنصار السلام الإسرائيليين –رغم حضورهم الخجول– رفعوا يافطات كتب عليها: “السلام الآن” ولعلهم في هذه اللحظات يستعيدون بعضا من الواقعية السياسية التي جسدوها عندما كانوا الأغلبية في الشارع الاسرائيلي الى أن تمكن حزب الليكود برئاسة نتنياهو من اغتيال فكرة السلام في المجتمع الاسرائيلي، ووضعه في أتون صراعات داخلية، وحرب دموية على الشعب الفلسطيني، متعاضدا مع أعداء السلام ، وعنصريين من أفظع طراز، كرئيس حزب الصهيونية الدينية سموتيرتش، ورئيس حزب القوة اليهودية بن غفير، حتى صار مصير ومستقبل إسرائيل هاجسا عاما، باح به غالانت ومن قبله نتنياهو وباردو والكثير من رؤساء أركان ووزراء حرب أصبحوا فيما بعد رؤساء حكومات للمنظومة .
نحن الفلسطينيين الوطنيين ندرك جيدا أن انتصار حركة تحررنا الوطنية الفلسطينية بتحقيق سلام على أساس الأهداف المرتكزة على الثوابت الوطنية الفلسطينية المنسجمة مع قرارات الشرعية الدولية، التي تفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، هو انتصار للسلام، أي للحق الفلسطيني، انتصار سيعجل بتحرير اليهود من سيطرة المنظمة الصهيونية بوجهيها السياسي والديني، وعندما نقول إن “السلام هو الحل” فإننا نريد منع جريمة إبادة الشعب الفلسطيني كما رسم خطة تنفيذها الفعلي مؤسس الصهيونية هرتسل، فنحن وأنصار (السلام الآن) نعرف جيدا العقلية الناظمة لسياسة الرئيس الأميركي جو بايدن، وريث الدولة الاستعمارية العميقة، فهو القائل عندما كان عضوا في الحزب الديمقراطي “إن إسرائيل هي أفضل استثمار فعلته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بتكلفة 3 مليارات دولار.. ولو لم تكن هناك إسرائيل لكان على الولايات المتحدة أن تخلقها لحماية مصالحنا في المنطقة”.
لذلك كان رده على مطالب الرئيس أبو مازن اثناء زيارته الرسمية لفلسطين في بيت لحم “إن هذه تحتاج إلى السيد المسيح، صانع المعجزات كي يحققها” ونعتقد يقينا أن الرئيس أبو مازن ما طلب منه موقفا حاسما تجاه فكرة السلام القائم على حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية إلا لقناعته أن الأمر الأول والأخير فيما يتعلق بإسرائيل كان وسيبقى بيد الدولة نظام الولايات المتحدة الأميركية..
ولن تتغير هذه القناعة إلا عندما تتحول تصريحات بايدن إلى نهج عملي وفاعل في السياسة الأميركية، مثل قوله في بيت لحم: “إن الشعب الفلسطيني يستحق دولة ذات سيادة”..
وتصريحه أثناء حرب الإبادة: “ينبغي إعداد رؤية لما سيحصل في المستقبل عندما تنتهي هذه الأزمة.
وينبغي أن يتمثل الحل برأينا بحل الدولتين”.. ويستخدم نفوذ بلاده لمنع تهجير المواطنين الفلسطينيين من وطنهم قسرا، إلى افريقيا وبلاد أخرى كما كشف موقع (تايمز أوف إسرائيل)؟!