شفا – أكد رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض على أن الاتفاق الذي وقعه قبل أيام مع اللجان الشعبية للمخيمات لتنظيم استخدام الكهرباء فيها، يأتي كخطوةٍ إضافية للجهود الحثيثة التي تقوم بها السلطة الوطنية لضبط الإنفاق وترشيد استخدام المال العام في مختلف القطاعات، خاصةً في ظل الأزمة المالية الحادة والمتفاقمة التي توجهها، والتهديدات الإسرائيلية ضد شركة كهرباء القدس بالإضافة للقيود التي تواجهُها شركات التوزيع الأخرى.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن الاتفاق في جوهره يهدف إلى وقف هدر المال العام في قطاع الكهرباء، الذي كان قد بلغ ذروته عام 2007 حيث وصلت نسبةُ الهدر في هذا القطاع إلى حوالي 22% من إجمالي الموازنة العامة لذلك العام، أي حواليّ 570 مليون دولار، كما يهدف أيضاً إلى تحقيق العدالة، حيث كان هناك واقع لا يلتزمُ فيه قادرون على الدفع بتسديد التزاماتهم المالية المُترتبة على استخدامهم الكهرباء.
وقال:” يأتي هذا الاتفاق في إطار سياسة السلطة الوطنية لترشيد الإنفاق دون المس بالفئات الفقيرة، بل على العكس، بما يُمكن السلطة الوطنية من القيام بجهودٍ إضافيةٍ لتحقيق العدالة إزاء هذه الفئات”.
واستعرض فياض خلال حديثه أبرز بنود هذا الاتفاق الذي يتضمنُ تركيب عدادات مُسبقة الدفع من قبل الحكومة، وتطبيق التعرفة الصادرة عن مجلس تنظيم قطاع الكهرباء على جميع المشتركين على أن تُباع أول 150 كيلو واط للمستهلك بسعر التكلفة فقط مراعاةً لظروف المخيمات. وتقوم وزارةُ الشؤون الاجتماعية وبالتنسيق مع اللجان الشعبية في المخيمات، بتقديم المساعدات للحالات الاجتماعية بالإضافة للمساعدات الحالية المقدمة من الوزارة، وكذلك للحالات المُسجلة لدى الشؤون الاجتماعية في وكالة الغوث، وبقيمة 150 كيلو واط وذلك كدعمٍ حكوميّ للفئات الأكثر فقراً من أبناء المخيمات، بينما تقدمُ شركةُ كهرباء القدس وشركاتُ توزيع الكهرباء الأخرى مجموعةً من التسهيلات للمؤسسات العاملة داخل المخيمات لتمكينها من القيام بواجباتها الاجتماعية والثقافية والصحية.
وشدد رئيس الوزراء على تصميم السلطة الوطنية على المضي قدماً لضمان الوقف الكامل لهدر المال العام في قطاع الكهرباء، وبما يشمل قطاع غزة، وقال: “نسعى للوصول إلى نقطةٍ نتمكنُ فيها من وقف كامل لهدر المال العام في قطاع الكهرباء، وبما يشمل بالتأكيد قطاع غزة، ومرةً أخرى دون المساس بغير القادرين على الدفع”.
وشدد فياض على أنه ورغم التقدم الكبير الذي تحققَ خلال الأعوام الماضية فإن إجمالي صافي الإقراض، أي الدعم دون قرار ودون معايير تتصل بالعدالة الاجتماعية، ما زال يُشكل استنزافاً للخزينة العامة وهدراً للمال العام وبما لا يُمكن القبول باستمراره، وخاصةً في قطاع الكهرباء الذي ينبغي أن يكون مصدراً للدخل، وليس باب استنزافٍ له.
واعتبر أن أهم المعايير التي وضعتها السلطة الوطنية أمامها للاستثمار الأفضل للموارد، وترشيد استخدام الكهرباء هو الالتزام بالتعليمات المُعتمدة من مجلس تنظيم قطاع الكهرباء والتي تشمل التعرفة، وآلية التوزيع، وآلية الجباية، والرقابة على الحسابات البنكية، مُشيراً إلى أن تنفيذ هذه التعليمات في المحافظات الشمالية أدى إلى رفع نسبة تحصيل الفواتير من 30% عام 2007 إلى أكثر من 80% عام 2011، في حين ما زالت نسبة التحصيل في قطاع غزة تتراوح بين 20- 30% فقط.
وأكد رئيس الوزراء على أن استنزاف الموارد في قطاع غزة يتطلب القيام بسلسلة من الإصلاحات الجوهرية والفورية في قطاع الكهرباء فيها من خلال إدارةٍ حازمةٍ ورشيدة وعادلة تحمل على عاتقها مسؤولية الجباية لتسديد النفقات الجارية، مُشيراً إلى أن السلطة الوطنية تتحمل تكلفة 60 إلى 70% من الكهرباء المتاحة لقطاع غزة من خلال تسديد فاتورة شركة الكهرباء الإسرائيلية بالكامل، بالإضافة إلى بعض نفقات المشاريع التطويرية في قطاع الكهرباء.
وشدد فياض على أن السلطةُ الوطنية راكمت الخطى خلال الأعوام الماضية لتحصين الانجازات التي حققها شعبُنا وتحقيق المزيد من المنعة الوطنية من خلال بلورة وإقرار توجهات سياسة مالية كفيلة بتعزيز القدرات في الاعتماد على الموارد الذاتية. وأكد رئيس الوزراء على أن الحكومة عملت بكل جدية على ترشيد الإنفاق وتحقيق المزيد من العدالة، وأشار إلى أن وقف استنزاف وهدر المال العام في قطاع الكهرباء يأتي في صدارة هذه الأولويات دون المساس بغير القادرين على الدفع، سواء كانوا من سكان المخيمات أو غيرها من المناطق.
وأشاد رئيس الوزراء بالجهود التي بذلتها اللجانُ الشعبية في المخيمات للتوصل إلى هذه الاتفاقية، وثمن دورها الوطنيّ والخدماتيّ المتميز والهادف إلى الإسهام الفعّال في تطوير الخدمات المُقدمة للمخيمات، وبما يُساهمُ في تعزيز صمود أبناء شعبنا فيها، هذا بالإضافة إلى دورها في الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم والتصدي لكل محاولات تقليص الخدمات المُقدمة لهم من قبل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”، من جرّاء عدم توفير ما يكفي من التمويل من قبل مانحيها ودون المساس بحقوقهم السياسية والقانونية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي.
وشدد فياض على أن السلطة الوطنية ترى في الاحتجاجات المشروعة التي تقوم بها اللجان الشعبية، لمواجهة محاولات تقليص الخدمات المُقدمة من قبل الأونروا بسبب الأزمة المالية التي تواجهها، عنصر مساندةٍ ودعمٍ لجهود الأونروا في سعيها الدائم والمتواصل لوضع المانحين للوكالة أمام التزاماتهم المالية، والاستمرار في توفير التمويل اللازم لها من قبل هذه الدول والجهات المانحة لضمان استمرارها ليس فقط في تقديم الخدمات، بل وفي تطويرها والارتقاء بنوعيتها أيضاً.
وأكد رئيس الوزراء على ضرورة التعاون من قبل كافة مكونات المجتمع لإيجاد الحلول العادلة والعملية الكفيلة بحماية المال العام والاستثمار الأفضل للموارد، وقال: “هذه هي مسؤولية جماعية وفردية على كل مواطن وكل مؤسسة”.
وشدد على أن الأوان قد آن للاقتداء بالنموذج الإيجابيّ وليس البحث عن التساوي في الإصرار على الممارسات الخاطئة والنموذج السلبيّ”، مُشيداً ببعض المخيمات التي سجلت نموذجاً في الالتزام بتسديد فواتير الكهرباء، وقال: “أخص بالذكر مخيم عين السلطان، فقد استحق أن يكون نموذجاً يُحتذى به ليس فقط على صعيد المخيمات بل المدن والقرى والبلدات الأخرى”.
وأشار فياض إلى أن النجاح في مواجهة ما يتعرضُ له شعبنا من ضغوط وابتزاز وقرصنة إسرائيلية يقضي بأن نرتقي جميعاً إلى مستوى التحديات الماثلة أمامنا، ودون أن يعني ذلك إعفاء المانحين وخاصةً الأشقاء العرب من مساندتنا في هذه المحنة التي نمرُ بها كي نتمكن من اجتياز الحلقة الأخيرة في معركة التحرر الوطنيّ والبناء الديمقراطيّ، وتجسيد سيادتنا الوطنية على أرض دولتنا العتيدة وعاصمتها القدس الشريف.
وقال: ” هذا هو طريق من ضحوا، ومن سبقونا في تقديم الغالي والنفيس من أجل حرية الوطن واستقلاله، وهذا ما نحنُ على ثقة بتعاظم التفاف شعبنا حوله. ورغم ما يبدو من صعوبات في الطريق، فهي ليست إلا اللحظات التي تسبقُ الفجر الآت بإرادة شعبنا وإصراره على نيل حقوقه”.