“كورونا” والعنف الأسري ، بقلم : دينا الأمير
يُعدّ العنف الأسري واحداً من أكبر انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم، قبل تفشّي فيروس كورونا الجديد، حيث أن ثلث النساء حول العالم تعرضن لعنف جسدي أو جنسي من قبل الشريك أو أحد أفراد العائلة، والقليل منهن طلبن المساعدة أو تقدّمن ببلاغ لدى الشرطة ضد المعتدي عليهن، لذا لا توجد إحصائيات دقيقة حول أعداد المعنفات في الكثير من الدول.
بعد الإغلاق والحجر المنزلي والتي فرضته الحكومات كجزء من من التدابير والمخططات لاحتواء ومكافحة تفشي فيروس كورونا، فإن العنف الأسري والعنف الموجه ضد المرأة وصل إلى مرحلة كبيرة من التصعيد، وأصبح الإبلاغ والحصول على المساعدة أكثر تعقيداً، حيث يصعب على مزودي الخدمات الطبية والقانونية والنفسية الوصول إلى النساء المعنفات وتقديم المساعدة اللازمة لهن، كما أن المحاكم والتي يمكن عبرها تحريك دعوى قضائية ضد المعنفين والمعتدين معطلة، إضافة إلى إغلاق وتعطيل بعض مراكز الإيواء لمنع انتشار الوباء بين النزيلات أو امتلائها، الأمر الذي دعا الأمم المتحدة إلى تحرك عاجل لمكافحته.
في وقت سابق من شهر أبريل الماضي، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى اتخاذ تدابير لمعالجة “الطفرة العالمية المروعة في العنف المنزلي” ضد النساء والفتيات، المرتبطة بحالات الإغلاق التي تفرضها الحكومات كنتيجة لجهود الاستجابة لجائحة كوفيد-19، ويشير تقرير الأمم المتحدة إلى تسجيل زيادة كبيرة في الشكاوى من العنف الأسري وطلب الحماية، خلال فترة الإغلاق. ففي فرنسا بلغت نسبة الزيادة في العنف الأسرى منذ بدء إجراءات الإغلاق في 17 مارس، 30 في المئة. أما في الأرجنتين، فقد بلغت الزيادة في شكاوى العنف المنزلي منذ بدء إجراءات الإغلاق في 20 مارس حوالي 25 في المئة. وفي قبرص وسنغافورة ارتفعت شكاوى العنف الأسري بنسبة 30 و33 في المئة على التوالي.
أما في العالم العربي، يتوقّع تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) أن المرأة تتحمّل الوزر الأكبر لما تولّده الجائحة من مخاطر صحية وعنف في العالم العربي. ومن لبنان جاءت أولى التصريحات الرسمية التي تعكس حجم مشكلة العنف المنزلي على ضوء تفشي فيروس كورونا. فقد صرحت قوى الأمن الداخلي أن الخط الساخن المخصص لتلقي شكاوى العنف الأسري شهد ارتفاعاً في عدد الاتصالات التي وصلت نسبته مئة في المئة في شهر مارس من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
كما لفتت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية في حملتها التي أُطلقتها بالتعاون مع المُديرية العامة لقوى الأمن الداخلي إلى أنه “في ظل الحجر الصحي المنزلي الذي فرضته الحكومة اللبنانية للحد من انتشار فيروس كورونا يعود موضوع العنف ضد النساء والفتيات إلى الواجهة، إذ أن الوجود الدائم للنساء المعنفات في المنازل مع أفراد الأسرة، يعرضهن أكثر لخطر العنف الأسري”. وقد أعلن مؤخراً عن مقتل طفلة سورية في طرابلس لا يتجاوز عمرها خمس سنوات بعد تعرضها للضرب المبرح على يد والدها.
الأمم المتّحدة تدعو لمكافحة العنف المنزلي
في هذا السياق حذّرت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة دوبرافكا سيمونوفيتش، من ارتفاع معدلات العنف المنزلي المتفشي بحسب ما أشارت إليه التقارير الأولية للشرطة والخط الساخن، مشيرة إلى أنه “بالنسبة إلى العديد من النساء والأطفال، قد يشكّل المنزل مصدر خوف وسوء معاملة. ويزداد هذا الوضع سوءًا إلى حد كبير في حالات العزل على غرار الحجر التي يفرضه وباء فيروس كورونا المستجدّ. وعلى جميع الدول أن تبذل جهودًا جبّارة للتصدي لخطر الفيروس، ولكن يجب أن تشمل هذه الجهود أيضًا النساء والأطفال ضحايا العنف المنزلي، لأن إهمالهم قد يؤدي إلى زيادة العنف المنزلي، بما في ذلك قتل النساء على يد الشريك الحميم، ويتفاقم الخطر عندما لا يتوفر ما يكفي من الملاجئ ومن خدمات المساعدة للضحايا، وعندما يصعب الوصول إلى الملاجئ والخدمات التي لا تزال متاحة، وعندما يتلاشى الدعم المجتمعي، وتتراجع تدخلات الشرطة وتنخفض القدرة على الوصول إلى العدالة في ظلّ إقفال العديد من المحاكم”.
وأشارت خبيرة الأمم المتحدة إلى أن إجراءات الطوارئ اللازمة لمكافحة فيروس كورونا المستجدّ زادت من أعباء العديد من النساء على مستوى العمل المنزلي ورعاية الأطفال والأقارب المسنين وأفراد الأسرة المرضى، وما يزيد الأمر سوءًا هو أن القيود على الحركة والقيود المالية والغموض العام يشجع الجناة ويزودهم بمزيد من السلطة والسيطرة.
ودعت الحكومات إلى عدم تأجيل حماية الضحايا وحثتهم على مواصلة مكافحة العنف المنزلي في زمن كوفيد-19. فتدابير حماية الضحايا يجب أن تبقى متوفّرة أو أن يتم اعتمادها خلال الأزمة، ومنها ضمان الوصول إلى الحماية عن طريق إصدار الأوامر بعدم التعرّض للضحايا والحفاظ على ملاجئ آمنة وخطوط ساخنة للمساعدة. وعلى الشرطة أن تبذل المزيد من الجهود على مستوى التدخل السريع.
وعلى الدول أيضًا أن تتوصّل إلى حلول جديدة ومبتكرة لدعم النساء، ولا تسمح للظروف الاستثنائية والتدابير التقييدية المفروضة للتصدي لفيروس كورونا المستجدّ أن تؤدي إلى انتهاك حق المرأة في العيش بمنأى عن العنف.
إجراءات لتحسين وضع المرأة:
حثت الأمم المتحدة جميع الحكومات على منع العنف ضد المرأة، وأن تجعل من جبر الضرر الواقع عليها من جراء هذا العنف جزءً رئيسياً من خطط الاستجابة الوطنية الخاصة بكوفيد-19، وحددت العديد من الإجراءات التي يمكن اتخاذها لتحسين الوضع، بما فيها:
- زيادة الاستثمار في الخدمات الإلكترونية ومنظمات المجتمع المدني.
- التأكد من استمرار الأنظمة القضائية في مقاضاة المعتدين.
- إنشاء أنظمة الإنذار طارئة في الصيدليات والمتاجر.
- إعلان ادراج الملاجئ في فئة مرافق الخدمات أساسية.
- إيجاد طرق آمنة للنساء لالتماس الدعم، دون تنبيه المعتدين عليهن.
- تجنب إطلاق سراح السجناء المدانين بالعنف ضد المرأة، بأي شكل من الأشكال.
- تكثيف حملات التوعية العامة، وخاصة تلك التي تستهدف الرجال والفتيان.