هل الإنسان مسيّر أم مخير… تأملات فكرية ! بقلم : أ.د. أفنان دروزة
سؤال يطرأ على فكر كل إنسان، هل الإنسان مسير أم مخير؟ وكواحدة من الناس فقد فكرت في السؤال وتأملت به مليا ورأيت من وجهة نظري أن الإنسان مسير، ومن يقول أنه مخير، فأقره الرأي ـ فقط ـ في الأمور التي تساعده على الحياة والسعي من أجل البقاء والتطور ليس إلا.
والدليل على ذلك أن الإنسان عندما يصاب بمصائب وآفات وأمراض فهي خارجة عن إرادته لأنه لا أحد يريد لنفسه الشر ولا أحد يحب أن يلقي بنفسه إلى التهلكة.
وعندما يموت الإنسان، فيوافيه الأجل أيضا دون إرادته لأنه لا أحد يريد لنفسه الموت أو يحب أن يجلب لنفسه المصائب.
وكذلك قد يصادف من الخير والنعم والناس الخيرين وقت الشدة دون تخطيط أو سابق إنذار، فتحدث الأمور فجأة دون سابق إنذار، وهذا أيضا يدل على أن الإنسان مسير وليس مخير.
وصدق الله في محكم آياته عندما يقول: “أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن الخالقون”، ولو الإنسان هو خالق نفسه لخلقها على أحسن صورة وأجملها، ولكنه يأتي إلى هذه الدنيا بمواصفات معينة وصورة محددة وجنس ولون محدد وبذكاء معين واستعدادات فطرية موروثة لا دخل له في تشكيلها.
وكذلك لدى التأمل في خلق السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار، والكواكب المنتثرة في السماء، والنجوم المضيئة، والشهاب الثاقبة، والبحار بتعددها، والمحيطات بضخامتها، والأشجار ببساقتها، والمخلوقات بعجائب تكوينها ودقتها وعظمتها، كلها تدل على وجود إله خلاق مبدع معجز تحار في خلقه العقول وتعجز عن الوصول إلى قدرته الأفهام.
وإذا ما نظرنا إلى اختلاف الليل والنهار، والفلك التي تجري في البحر، والقمر وبزوغه، وتشكله في هلاله وبدره ومحاقه، وتعاقب الفصول من شتاء وربيع وصيف وخريف، وحركة النجوم والكواكب حول محاورها ومداراتها بدقة متناهية ونظام دقيق بلا تأخير ولا تبديل، وخلق الإنسان وقدرته على التعلم وإبداعه وإنجازاته وعقله وحضارته، كلها تدلنا على أننا جزء من الخلق ومسيرين في حياتنا وخاضعين لمشيئة الله، لقوله تعالى: “وبأنفسهم أفلا يبصرون”.
إن عملية خلق الكون بنباتاته وسماواته وفلواته، نجومه وكواكبه وأجرامه هي معجزة في حد ذاتها وكلها تدل على الإعجاز في الخلق والذي يدل على وجود الله وقدرته وخلقه كما يشاء هو لا كما نشاء، لقوله ” وتفكروا في خلق السموات والأرض”.
كما أن الكواكب مسيرة بأمر رباني وليست مخيرة، وهو القادر على أن يجمع الشمس والقمر ويخسف القمر ويقيم القيامة متى يشاء ولسنا نحن، لقوله، ” فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر”, ولقوله، “إن في اختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب”.
من ناحية أخرى، إن الدورة السائرة في الخلق والموت والتجديد والبعث يدلنا على أن هناك برنامجا منظما مزروعا في كل كائن حي، بحيث يعلم ما عليه القيام به دون تأخير أو تبديل، أو فوضى أو تغيير.
فالبذرة هي نواة الخلق وفيها برنامجها وشيفرتها التي تحدد شكلها وطولها وورقها وخضرتها سواء أكانت هذه البذرة بذرة إنسان أو حيوان أو نبات.
وما يقوم به الإنسان من عمل إلا لتهيئته الظروف المناسبة لنموها ونضجها وحياتها كحرث الأرض وسقايتها، وبذر البذور والعناية بها، وتحصينها من الأمراض والجراثيم.
وهذه القاعدة متعلقة أيضا بالكواكب ودورانها حول محاورها، والإنسان وتكاثره، والنبات ونموه.
بمعنى آخر فإن كل كائن حي منظم ومبرمج له عقل يعي ما عليه القيام به ليحافظ على خلقه وحياته.
وما دامت هذه هي القاعدة فلا نستبعد أن يكون هناك مخلوقات فضائية تعي وتتحرك وتنتقل بأجسام نورانية أو بغازات وعناصر كيماوية تدور وتتحرك ما دامت حركة هذا الكون منظمة.
وقد يأتي زمن يرى فيه الإنسان هذه المخلوقات الفضائية المدركة لله ولكن بأجسام مختلفة وأشكال متنوعة وتتحرك بسرعة ضوئية كما نحن نتحرك بسرعة تتفق ونوعية جسمنا المكون من التراب.
ولا عجب إن كانت هذه الكائنات الفضائية من الكبر بحيث إذا انطلقت في السماء لاكتشاف الكون مثلنا، بأن تنطلق بسرعة فائقة كالشهاب الثاقبة فتدك الأرض دكا وتحرقها بإشعاعاتها وتموجاتها الكهرومغناطيسية فتجعلها هباء منثورا، عندها سيقول الإنسان أين المفر، وعندها سيعرف أن الساعة آتية يكاد الله يخفيها، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الشمس والقمر بحسبان, وكل شيء هالك إلا وجهه لقوله تعالى، “إذا الشمس كورت وإذا الكواكب انتثرت”.
وعندها ينتهي أجل الكواكب ويختل توازن الكون وتختل الأفلاك بحركتها وسيرها ومداراتها، عندها يحدث الاصطدام والجمع والفصل والتجاذب والنفور ( إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت، وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت وأذنت لربها وحقت)، وعندها تأتي الساعة وتقوم يوم القيامة فيقول الإنسان يومئذ أين المفر، كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر.
وبناء على هذه الحقائق الكونية، فالحروب النووية ليست هي التي تكون سببا في قيام يوم القيامة وإنما ما يدك الأرض من الكواكب الخارجية نتيجة حدوث خلل في الحركة والمسار، ونتيجة لوجود الكواكب الذكية المدركة التي تتجه إلى الأرض بأمر من الله فتدكها دكّا وتجعلها هباء منثورا والله أعلم.
ثم يعيد الله الخلق كما بدأه أول مرة لقوله هو يبدأ ويعيد.
إن مثل هذه الحقائق والتأملات تدلنا على أن الإنسان واحد من بين المخلوقات، وأنه مسير داخل إطاره العام الذي رسمه الله له، ومخير في الجزئيات التي هي داخل هذا الإطار العام والتي تتعلق بنمط حياته ونوع أكله وشربه ولبسه ومستوى تعليمه وبيئته الاجتماعية وغيرها من السلوكات المكتسبة نتيجة تفاعله مع البيئة الخارجية، وهذا ما يفسر أن الله أعطى الإنسان حرية الاختيار دون غيره من سائر المخلوقات. سبحان الله.