3:16 صباحًا / 8 سبتمبر، 2024
آخر الاخبار

التربية تبدأ من البيت ، بقلم : أ.د. أفنان دروزة

التربية تبدأ من البيت ، بقلم : أ.د. أفنان دروزة

التربية تبدأ من البيت ، بقلم : أ.د. أفنان دروزة

الكل يدرك أن تربية الطفل تبدأ من البيت, وأن بذور شخصيته تتكون في الخمس سنوات الأولى التي تنمو ‏وتترعرع في حاضنة البيت والأسرة, لتشكل فيما بعد صفاته التي يتسم بها, وأخلاقه التي يتخلق بها, وأعماله التي ‏يمارسها, وعلاقاته التي يكونها مع الآخرين سواء أكانوا أهلا, أم أقارب, أم زملاء, أم أصدقاء, أم معارف, أم أحباب. ‏


وهذا يعني أن البيت هو المنبت الأساسي للأخلاق, وأن الأسرة هي المسؤولة عن تربية الطفل وتعليمه قواعد السلوك ‏والأدب والأخلاق, فهي التي تعلمه ألا يكذب, وألا يسرق, وألا يغش, وألا يعتدي على حقوق الغير, ولا يؤذيهم؛ وهي ‏المسؤولة عن تعليمه مفاهيم الحلال والحرام, والمسموح وغير المسموح, والعيب واللائق وغير اللائق, والنظافة والنظام ‏واحترام الآخرين وحقوقهم؛ وهي المسؤولة عن تعليمه قواعد الأخلاق والصفات الجميلة والمعاملة الحسنة مع الناس, ‏مما سيؤثر لاحقا في صقل شخصيته وكيفية تعامله مع الآخرين, ومدى صلاحه وفساده في المجتمع.‏


البيت الصالح كالتربة الصالحة ‏ ومن المعروف أن البيت الصالح كالتربة الصالحة لا تنتج إلا أطفالا صالحين ومربيين وصادقين وخلوقين ‏ومستقيمين, والبيت الطالح كالتربة الفاسدة لا تنتج إلا أطفالا كذابين وسراقين ومنحرفين ومعتدين على الغير آثمين.


‏لذا فإن أي استخفاف في البيت والإستهانة بتعليم مبادئ الأخلاق والآداب والنظام والاحترام على مستوى الأسرة ‏سيكون استهتارا بالآداب العامة ومعايير المجتمع وحقوق الناس والصالح العام لاحقا.


فالطفل الذي تعود أن يكذب ‏على أمه وأبيه إخوته وأخواته وزمرته منذ صغره سيتعلم أن يكون كذابا في تعامله مع الآخرين مستقبلا, والطفل الذي ‏تعود أن يرمي القاذورات من شباك منزله ولم يقل له أحد من أفراد أسرته هذا عيب وهذا تصرف غير لائق, سوف ‏يرمي الحجارة على الجيران عندما يكبر, وسوف يرمي التهم جزافا على الناس, وسوف يكتب الشهادات الكيدية ‏لزملائه, وسوف يلفق التهم لهم ويؤذيهم باطلا وزورا وبهتانا, وسوف يخرب ويدوس ويعيث في الأرض فسادا وبين ‏الناس ؛ وما كل ذلك إلا لأنه نشأ وتربى على الاستخفاف بحقوق الآخرين وكرامتهم, وسلك في بيته طريق الكذب ‏والغش والخداع, لتحقيق مآربه الشخصية والهيمنة على إخوته وزمرته وجيرانه وأقاربه, مما جعله إنسانا مهزوز ‏الشخصية يضر الآخرين دون أن يرى حرجا في ذلك, فالأساس الذي تربى عليه في الصغر يظل واحدا, ألا وهو ‏الإستخفاف بحقوق الآخرين والإستهانة بهم وحقوقهم وكرامتهم والعمل على أذيتهم وضررهم.


‏ وقد ينظر الأبوان إلى كذب طفلهم وسوء تصرفه على أنه شيء تافه ومجرد خيال وهمي أو نوع من الفهلوة ‏يصدر عن طفل لم يبلغ الخامسة أو السادسة من العمر, وأكثر من ذلك فقد يعززونه ويكافئونه عليه كنوع من ‏التحبب والإعجاب, ولكن هذا الكذب والتصرف غير اللائق قد لا يكون تافها بعد ذلك إذ سيخرب الطفل الكذاب ‏مجتمعا بأكمله عندما يكبر وخاصة إذا احتل موقعا أو مركزا حساسا؛ مما سيعكس كذبه وسوء أخلاقه على أسرته ‏ومعارفه وأهله وزملائه الذين يتعامل معهم وأصدقائه وأبناء شعبه.


والطامة الكبرى إذا ما أنيط لمثل هذا الشخص ‏مسؤولية تعليم ناشئة في سن التكوين يتخذونه مثلا أعلى في قولهم وأفعالهم معتقدين أن ما يقوم به من تمويه وكذب ‏ونفاق هو السلوك الصحيح وجزء من قواعد الأدب والأخلاق, وذلك لصغر سنهم وعدم تمييزهم بين الخير والشر ‏والأسود والأبيض, أو لاقتدائهم بمعلمهم أو مديرهم وإعجابهم به.


وهنا سيكون التحطيم ليس فقد للفئة القليلة التي ‏يتعامل معها وإنما للمجتمع بأكمله.‏


إن ما يفعله الأولاد من سوء تصرف في البيت وعدم إكتراث الوالدين لهم سوف يكون له أثره السيء في ‏المستقبل على المجتمع ككل, فكذبة صغيرة قد لا تكون شيئا ذا قيمة في البداية, أو تستحق أن يلفت نظر الطفل ‏إليها, ولكنها قد لا تكون كذلك في المستقبل, حيث أنها ستكبر وتعرش وتضر وتهدم كل ما حولها.


وما المصائب ‏التي نراها أمام أعيننا في المؤسسات ما بدأت إلا بمثل هذه الأشياء الصغيرة التافهة, وما الكوارث التي تصيب ‏المجتمع والناس إلا نتيجة لسوء الأخلاق التي تربى عليه الطفل في البيت والتي أخطرها الكذب والنفاق.


من هنا, ‏فالبيت يظل هو الأساس في التربية, فإن كان صالحا فسينتج أطفالا صالحين وهذا ما يريده الجميع ويتمناه الجميع, ‏وإن كان طالحا فسينتج أطفالا طالحين وهذا ما لا يريده الجميع ولا يتمناه أحد من العالمين.

شاهد أيضاً

قوات الاحتلال تعتقل 3 شبان وتنكل بهم في الخليل

قوات الاحتلال تعتقل 3 شبان وتنكل بهم في الخليل

شفا – اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، الليلة، 3 شبان فلسطينيين من قرية الطبقة بمدينة دورا …