هل يعرف المعلّم دلالات التعلم! بقلم : أ.د. أفنان دروزة
قد يتساءل المعلم وكثير من الأباء والأهالي، ما هو التعلم، وما معناه، ومتى يحدث، وما هي دلالاته، ومتى نعتبر الإنسان متعلما، وكيف نحكم على ذلك؟ أسئلة كثيرة حيرت الأهل والمعلمين والفلاسفة وعلماء النفس والتربية والاجتماع والانثروبولوجيا منذ آلاف السنين ولم يجدوا لها حلا شافيا إلى الآن، ومع هذا فلم يهنوا ولم ييأسوا وظلوا يقومون بالدراسات والأبحاث المتواصلة وملاحظة سلوك الإنسان وأقواله وأفعاله في بيئات مختلفة لسنوات طويلة، على أمل الوصول إلى نظرية موحدة تفسر التعلم وتحدد عناصره وطريقة قياسه وتقويمه، وتفهم سلوك الطالب ونفسيته وتحل مشاكله، ومن ثم تساعد المعلمين على التعليم وفق الطريقة التي يتعلم بها الطالب وذلك من أجل تحقيق أهداف العملية التعليمية التعلمية المنشودة.
وبناء على ذلك، فلقد وضح التربويون دلالات مختلفة للتعلم انطلقت من مدارس تربوية مختلفة، فالمدرسة السلوكية على سبيل المثال، لا تعتبر الإنسان متعلما إلا إذا اكتسب سلوكا إيجابيا مرغوبا، وأصبح هذا السلوك جزءا من نفسه وأخلاقياته يمارسه على مدى حياته.
فمثلا، إذا تعلم الإنسان صنعة معينة وأصبح يمارسها بشكل جيد، نقول أنه تعلم، وكلما كثرت السلوكات الايجابية التي يكتسبها الفرد في حياته، وأصبح يمارسها كجزء من نفسه، نقول أنه تعلم.
في حين ينظر علماء نفس الإدراك إلى التعلم بأنه عملية تنسيق وبرمجة للمعلومات التي يستقبلها الإنسان عن طريق حواسه الخمسة، والقيام بتخيلها وإدراكها وتحليلها وتفسيرها وتقويمها وتبويبها في فئات، ثم خزنها في الذاكرة طويلة الأمد، وذلك من أجل استرجاعها عند الحاجة.
وبهذا المفهوم فهم لا يرون الإنسان متعلما إلا إذا استخدم عقله، وعالج المعلومات التي يتعلمها بطريقة صحيحة، وقام بخزنها في ذاكرته بطريقة تساعده على استرجاعها وقت الحاجة.
أما علماء الاجتماع فهم يرون التعلم بأنه عملية اكتساب الثقافة التي ينتمي لها الفرد، واكتساب أخلاق المجتمع الذي يعيش فيه، وتقمص عاداته وتقاليده وقوانينه وهويته وطريقة حياته، ومشاركته في العمل والبناء.
وعلماء البيئة يرون التعلم بأنه نتيجة لإدراك متبادل وتفاعل بين الفرد وبيئته، إنه إدراك لما تقدمه البيئة له وما يقدمه لها ؛ ولذا فإن قدرة الفرد على إدراك البيئة والتفاعل معها وما يحدثه فيها من تغييرات، والمحافظة عليها، ما هو إلاَ انعكاس لتعلمه.
وأيا كانت مفاهيم التعلم فالكل يدرك أن التعلم بحاجة إلى تفكير وتدبر وإمعان في الشيء المتعلم، وبحاجة إلى نشاط وحركة وعمل دائب، وبحاجة إلى حب ورغبة وتفاعل مع الموقف التعليمي، وبحاجة إلى بذل الجهد والوقت والطاقة في الشيء المتعلم، وبحاجة لأن يكون الطالب ايجابيا نشطا متحمسا محبا للتعلم، وبحاجة لأن يعكس ما يتعلمه على الآخرين ويستفيد منه ويفيد الآخرين.
ومن ناحيتي فإنني أرى، ومن خلال خبرتي كأستاذة في علم التعلم والتعليم, أن التعلم لا يحكم عليه إلا من خلال الممارسات التالية: إذا اكتسب الطالب شيئا جديدا مفيدا سواء كان هذا الشيء سلوكا حسنا، أو تصرفا جيدا، أو خلقا حميدا، أو اتجاها إيجابيا، أو معرفة أو معلومات أو مهارة مفيدة لم تكن موجودة عنده من قبل.
إذا طبق الطالب ما تعلمه من معرفة ومعلومات وما اكتسبه من أخلاق واتجاهات وسلوكات على أرض الواقع فاستفاد منه وأفاد غيره بما يخدم الصالح العام والآخرين.
بمعنى آخر، فالمتعلم لا يعتبر متعلما إلا إذا ظهر علمه وعم وشاع وذاع واستفاد منه الآخرون.
إذا عدل الطالب سلوكا أو تصرفا أو عادة أو خلقا أو اتجاها أو معرفة أو معلومات أو صنعة كانت موجودة عنده ولم تكن متعلمة بالشكل الصحيح.
أي أن الطالب لا يعتبر متعلما إلا إذا استفاد من أخطائه وعمل على تطوير نفسه ومحيطه نحو الأفضل.
إذا تخلص الطالب من سلوك ضار أو خلق سيء أو اتجاه سلبي أو آراء هدامة أو عادة سيئة.
بمعنى آخر، لا يصبح الطالب متعلما إلا إذا تخلص من الأشياء التي تضره، وساعد الآخرين أيضا على التخلص مما يضرهم، إذا طلب منه ذلك.
ومجمل القول على المعلم أن يعرف أن التعلم ليس شيئا ثابتا يستمر مدى الدهر، وإنما سلوك يتذبذب بالاتجاه الإيجابي كلما اختلفت الظروف والأحوال سواء أكانت هذه الظروف متعلقة بالطالب وميوله ورغباته واتجاهاته وقدراته وعقله وذكائه ونشاطه ونفسيته الخ، أو متعلقة بالبيئة الخارجية المحيطة به من جغرافية واجتماعية ودينية وسياسية ومعلوماتية واقتصادية وسكانية الخ.
وكلمة أخيرة لا بد من قولها أن الطالب لا يكون متعلما ولا يحكم عليه بأنه متعلم إلا إذا انعكس علمه على نفسه وسلوكاته وتصرفاته وأخلاقه ومجتمعه ووطنه أينما ذهب وأينما حلً، ولا يمكن أن يكون هناك علم بدون أخلاق ولا أخلاق بدون علم وتربية، وإلاَ يصبح العلم لا قيمة له ولا وزن ولا فائدة ولا يستحق ما يبذل في تحصيله من مال ووقت وجهد، إذ لا خير يرتجى من إنسان متعلم بدون أخلاق.