ما هي المنشطات الإدراكية ؟ بقلم : أ.د. أفنان دروزة
تعتبر المنشطات الإدراكية عنصرا أساسيا من عناصر المنهاج، وركيزة أساسية في تأهيل المعلم، انطلاقا من فرضية مفادها ” أن كثيرا من الطلبة يتعلمون ويخزنون ما يتعلمون ولكنهم ينسون ولا يستطيعون أن يتذكروا ما يتعلمون. أما إذا ما استثيرت ذاكرتهم ونشطت بالشكل الصحيح فسوف يسترجعون المعلومات التي تعلمون ويطبقونها في مواقف تعليمية جديدة.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هي منشطات استراتيجيات الإدراك وما أنماطها وكيف تعرض في غرفة الصف ومتى، وكيف على المعلم أن يستخدمها في أثناء تدريسه حتى ينشط من ذاكرة المتعلم ويجعلها أقوى في استرجاع المعلومات المتعلمة ومن ثم التعلم، مثل هذه الأسئلة وغيرها هي ما نحاول أن نجيب عنه في ضمن هذه السلسلة من تأهيل المعلم.
لعل من المفيد أن نعرف استراتيجيات الإدراك قبل أن نعرف المنشطات التي تثستثيرها وتحفزها، ولكي نوضح مفهوم استراتيجيات الإدراك علينا أن نوضح معنى كلمتين: 1) استراتيجية، 2) وإدراك.
إن كلمة استراتيجية تعني الطريقة أو الأسلوب أو العملية التي نوظفها لعمل شيء معين؛ في حين تعني كلمة إدراك، التبصر والرؤية والاستيعاب والمعرفة. من هنا فإن “استراتيجية الإدراك” تعرف بأنها ما تقوم به ذاكرة المتعلم من عمليات عقلية تؤدي به إلى الفهم والتبصر والاستيعاب ومن ثم التعلم. وبهذا التعريف تعتبر منشطات استراتيجيات الإدراك نمطا عقليا يتميز به الفرد عن غيره من الأفراد، مما يجعله يتباين عن غيره من المتعلمين في طريقة تفكيره وتعلمه. ويعرفها البعض بأنها الطريقة التي يعمل بها العقل لدى معالجته الأحداث والمواقف والموضوعات والأشياء من حوله، بحيث يتوصل من وراء ذلك إلى معرفة وفهم ورؤيا وبصيرة، ثم العمل على استرجاعها عند الحاجة.
وبناء على هذه التعريفات، فإن “منشطات استراتيجيات الإدراك” تعرف بأنها كافة المعينات المعرفية التي تعتمد على الرمز، أو اللغة، أو الشكل، أو الصورة، في استثارة العمليات العقلية، وتحث المتعلم على توظيف العملية العقلية المناسبة في أثناء تعلمه، من تخيل، أو تحليل، أو استنتاج، أو تصنيف، أو تنظيم وغيرها، بهدف إدخال المعلومات إلى الذاكرة ( Input )، أو بهدف تنسيقها ومعالجتها في الذاكرة ومن ثم خزنها ( Processing )، أو بهدف استرجاع المعلومات واستخراجها من الذاكرة ( Output ). وبالتالي، فإذا ما قلنا أن إستراتيجيات الإدراك هي العمليات العقلية التي يوظفها المتعلم بغية الفهم والتبصر والتعلم، فإن هذه الاستراتيجيات تحتاج إلى منشطات عقلية لاستثارتها سواء في حالة إدخال المعلومات، أو في حالة معالجتها وتنسيقها، أو في حالة استرجاعها، كأن نعطي الطالب ملخصا للمادة الدراسية التي درسها لكي يتذكر ما تعلم.
وأيا كانت الاستراتيجات التي يوظفها الفرد المتعلم، والمنشطات العقلية التي تستثيرها، فعلينا أن نعرف أن المنشطة العقلية الواحدة قد تستخدم لاستثارة عدة عمليات عقلية، وأن عدة منشطات عقلية قد تستخدم لاستثارة عملية عقلية واحدة، وأن هذه المنشطات تتباين نوعا وكما وقالبا وفق خصائص الطلبة، وصعوبة المادة الدراسية التي يدرسون، ومستوى الهدف التعليمي الذي سيحققون، والوقت الذي ستطرح فيه المنشطة العقلية، وغنى وتنوع الظروف والمواقف التعليمية التي تستخدم في ظلها.
والمنشطات العقلية تتنوع بتنوع العمليات العقلية التي توظفها الذاكرة، فالذاكرة قد تقوم بالتخيل والتذكر، وقد تقوم بالتحليل والتفسير، وقد تقوم بالربط والتنظيم والتبويب والتجميع والاستنتاج والتشبيه والتقويم واشتقاق القوانين وغيرها من العمليات العقلية التي لا حصر لها بهدف الفهم والاستيعاب ومن ثم التعلم. من هنا فقد نجد من المنشطات العقلية التي يستخدمها المعلم: القصص التشويقية، والجمل والعناوين، والمقدمات التمهيدية، والتعليمات الإرشادية، والصور الحسية، والصور الذهنية، والملاحظات الصفية، والمراجعات، والتلخيصات، والتشبيهات، والعلاقات، ورؤس الأقلام، وخارطة المعلومات، والأسئلة التعليمية، والأهداف التربوية وغيرها من المنشطات التي من شأنها أن تستثير ذاكرة المتعلم وتنشطها لإدخال معلومات إليها، أو مساعدتها على معالجتها وتنسيقها وبرمجتها، أو مساعدتها على استرجاعها وتوظيفها والاستفادة منها.
هذه المنشطات العقلية قد يعرضها المعلم على الطلبة بقالب لفظي مسموع، أو قالب صوتي مسموع، أو قالب رمزي مقروء بما يناسب تعلم المادة الدراسية وتعلم الطلبة في آن معا.
أما عن فوائد استخدام المعلم للمنشطات العقلية في أثناء تدريسه فيمكن إيجازها بالنقاط التالية: تحث المتعلم على توجيه انتباهه لما يراد تعلمه، حتى إذ ما ركز المتعلم انتباهه، يسهل عليه استقبال المعلومات، وتنسيقها، وبرمجتها في الذاكرة بطريقة أعمق، ومن ثم استرجاعها.
تحسن أداء المتعلم وخاصة المبتدئ، إذ بينت الدراسات التربوية أن إتاحة الفرصة للمتعلمين أن يستخدموا المنشطات العقلية كمجموعة تجريبية أدى إلى تفوق أدائهم على أداء نظائرهم الذين لم تتح لهم مثل هذه الفرصة كمجموعة ضابطة.
والتفوق كان لا يقتصر على مستوى واحد من التعلم، وإنما تعداه إلى المستويات الأخرى كالتذكر، والفهم، والتطبيق، والتحليل، والتركيب، والتقويم، وفق تصنيف بلوم للأهداف.
تساعد المنشطة على زيادة كمية المادة التعليمية المدروسة، حيث يضاف إليها المادة التي تتضمنها المنشطة العقلية إلى جانب مادة المنهاج المدرسي، وهذا من شأنه أن يساعد المتعلم على توظيف عدد أكبر من العمليات العقلية.
تساعد المتعلم التركيز على الأفكار الرئيسة المهمة، إذ بينت الدراسات أن هناك علاقة إيجابية بين الإلمام بالأفكار الرئيسة ومستوى التحصيل.
فالمنشطات العقلية التي توجه انتباه المتعلم إلى مثل هذه الأفكار ستعمل على زيادة تحصيله، ومن ثم تحسين عملية تعلمه.
ولما كانت إحدى وظائف الذاكرة ربط المعلومات الجديدة بالمعلومات القديمة المخزونة، ولما كانت إحدى وظائف المنشطات العقلية ، من ناحية أخرى، المساعدة على ربط المعلومات الجديدة بالمعلومات القديمة، فإن استخدام مثل هذه المنشطات سيساعد على تقوية ذاكرة المتعلم، ومن ثم رفع عملية التعلم، وهذا لا يتم إلى عن طريق خلق روابط معرفية بين ما هو متعلم، وما يراد تعلمه.
يعدّ استخدام المنشطات العقلية وسيلة لترميز المعلومات، ومن ثم خزنها في الذاكرة طويلة الأمد (Encoding)، ووسيلة لاسترجاع المعلومات أيضا عند الطلب (Decoding ).
والسؤال الذي يجب أن يطرح هنا قبل الانتهاء من موضوع المنشطة العقلية كمهارة أساسية في تأهيل المعلم، ما الأمور التي يجب أن يراعيها المعلم لدى تصميمه المنشطة العقلية، أو استخدام الجاهز منها لكي تحقق الأهداف التعليمية التعلمية التي استخدمت من أجلها؟ بمعنى آخر ما هي مواصفات المنشطات العقلية الجيدة ومعاييرها؟ ولكي نجيب عن هذا السؤال نورد المواصفات التالية للمنشطة وفق ما بينته الدراسات النفسية والتربوية في مجال الإدراك والذاكرة:
أن تكون المنشطة العقلية واضحة بعيدة عن التعقيد والفلسفة والغموض.
أن تكون ذات تعليمات واضحة واستراتيجيات تبين كيفية توظيفها واستخدامها.
أن تكون متنوعة في نمطها بحيث يستخدم منها الأسئلة التعليمية والمقدمات والملخصات والملاحظات والمقارنات التشبيهية والقصص التشويقية والخطوط تحت الأفكار المهمة..الخ.
أن تستخدم في أوقات مختلفة من الدرس: قبله وخلاله وبعده وفق الهدف التي تريد أن تحققه، أو توضع في أمكان مختلفة من المنهاج المدرسي.
أن تعرض بأشكال مختلفة: لفظيا وسمعيا وبصريا لكي تلائم أذواق الطلبة.
أن تعمل على تحقيق الهدف المنشود الذي وضعت من أجله ألا وهو تنشيط ذاكرة المتعلم ومساعدته على برمجة المعلومات في دماغه، ومن ثم استرجاعها وقت الحاجة والاستفادة منها.
أن تلائم المادة التعليمية المدروسية بحيث تعمل على توضيحها وتعلمها.
أن تتناسب مع خصائص المتعلمين ومستوى ذكائهم وقدراتهم ومرحلتهم التعليمية.