حرب بلا اهداف محددة وآفاق واضحة .. وصفقة تبادل تتبلور ، بقلم : راسم عبيدات
المرحلة الثانية من الحرب التي أتت بعد مرحلة اولى استمرت 48 يوماً أعقبها هدن مؤقتة لمدة سبعة أيام، جرى فيها تحرير 240 أسيرا من النساء والأطفال في سجون” اسرائيل” وإطلاق سراح 80 مواطنا اسرائيليا والعديد من حملة الجنسية المزدوجة، ومن بعد ذلك عاد نتنياهو ومعه مجلس حربه المصغر لحربه العدوانية مجدداً على قطاع غزة، مردداً نفس الأهداف الاستراتيجية الكبرى في المرحلة الأولى التي لم يتمكنوا من تحقيقها، وهي القضاء على المقاومة الفلسطينية وفي قلبها “حماس” وقتل قادتها، وتدمير قدراتها العسكرية والتسليحية والأنفاق الهجومية واستعادة الأسرى لدى المقاومة بدون مفاوضات معها، وإنهاء سلطة “حماس”، والعودة للخيار العسكري في مرحلته الثانية المستمرة حتى اللحظة ،تستخدم فيها قوة نارية وتدميرية اكبر واوسع بكثير من المرحلة الأولى جواً وبراً وبحراً.
كل الخبراء العسكريين والمحللين السياسيين، وحتى قادة جيش الاحتلال وقيادات وازنة عسكرية وامنية وسياسية يجمعون، بأن هذه الحرب الشاملة والتدميرية، والتي لا تطال سوى اهدافا مدنية من قطاع صحي ،مشافي ومراكز صحية ومحطات كهرباء وماء ودور عبادة ومدارس وحتى مراكز ايواء ومقار دولية، لم تحقق أي هدف أو انجاز عسكري وميداني وسياسي، بل ما نشهده ان غزة تحولت الى مستنقع لجيش الإحتلال ودباباته وآلياته ومدرعاته، كلما توغلوا في القطاع، كلما ارتفعت خسائرهم في الجنود والضباط والآليات والدبابات والمدرعات، والتي وصلت الى أكثر من 477 جنديا وضابطا باعتراف ” اسرائيل” و 720 دبابة وآلية ، حسب ما ذكره ابو عبيدة الناطق الرسمي باسم المقاومة.
هذه الحرب المستمرة والتي يريد لها نتنياهو وغالانت ان تتوسع وتتعمق وان تنتقل من مرحلة الى أخرى، واللذان يديرانها ويقودانها بأفق شخصي، بدلاً من ان تحقق اهدافها العسكرية والسياسية والميدانية، نجد بأنها تعمق وتزيد من خسائر “اسرائيل” العسكرية، حيث تم سحب لواء جولاني 13 ” النخبة” من قطاع غزة، اذ فقد 35% من قواته، بما فيهم قائد اللواء و88 من ضباطه وجنوده، وكذلك هذه الحرب والتي نتج عنها، تتداخل في الازمة الاسرائيلية السياسية مع الاخفاق العسكري ومع الاخفاق في تحقيق اهداف الحرب وفي الصراعات حول أولوية اعادة الاسرى والمحتجزين، مع الاثمان الهائلة للحرب والاضرار الاقتصادية التي لا يمكن تقديرها بشكل دقيق ولا تقدير اسقاطاتها على الاقتصاد والمجتمع في الاعوام القادمة، كل ذلك يضاف اليه الضغوطات الهادفة الى تسريح اعداد كبيرة من جنود الاحتياط، لتشكل جميعها قوة ضاغطة نحو تغيير وتيرة الحرب، وفي تناقض مباشر مع رغبة اطراف الائتلاف الحاكم بالبقاء في السلطة والابقاء على تماسكهم.
إطالة أمد الحرب والإنتقال بها من مرحلة الى أخرى يتطلب بالضرورة تغيير مسارها والتحول من حرب دمار شامل من طرف واحد الى إبقاء التواجد العسكري الاسرائيلي الذي بات احتلالا واللجوء الى عمليات محددة واستهداف قادة “حماس” والجهاد وفقا للتقديرات الأمنية والعسكرية، كما تأتي هذه التقديرات تعبيرا عن تراجع الدعم الدولي للحرب الاسرائيلية على غزة والذي بدأ يلحق الضرر سياسيا بإدارة بادين وبالأمن القومي الامريكي كما تفهمه الادارة الامريكية، وذلك لدرجة التململ داخل اصدقاء اسرائيل في الكونغرس وحتى من الحزب الجمهوري وابرزهم ليندزي غراهم صاحب الباع الطويلة في مساعي التطبيع بين السعودية واسرائيل والذي يرى ان اسرائيل تفوّت الفرصة.
بعد قتل جيش “اسرائيل” لعدد من أسراه في قطاع غزة ،وما تبثه المقاومة الفلسطينية من أشرطه لهؤلاء الأسرى التي يدعون فيها حكومة نتنياهو ومجلس حربه الى إطلاق سراحهم، فهم في كل لحظة معرضون لخطر الموت بهجمات طائرات الإحتلال وقواته البرية … خاطبوا حكومة الإحتلال قائلين ” لا تدعونا نشيخ”، والمقاومة قالت بأن مصير هؤلاء الأسرى اذا لم تقبل حكومة الإحتلال بشروط المقاومة وصفقة التبادل ” الكل مقابل الكل”، كمصير واحد من ثلاثة الجندي شاليط ،او مصير الملاح الإسرائيلي رون اراد، الذي اسقطت طائرته في لبنان عام 1986 ،واختفت اثاره منذ ذلك التاريخ، او القتل بواسطة طيران وجيش الإحتلال ،وهذه الأشرطة التي تبثها المقاومة تلعب دورا تحركيا عند الرأي العام الإسرائيلي، وخاصة اهالي الجنود الذين باتوا يمارسون ضغوطا كبيرة على نتنياهو ومجلس حربه عبر تظاهراتهم واحتجاجاتهم الواسعة والمتواصلة، بأن يجري توقف الحرب وأن تكون الألوية لإستعادة ابنائهم الأسرى عند المقاومة، وهذا يتطلب إعادة تحديد الاهداف لهذه الحرب، والتراجع عن خطابات “الابادة والقضاء على حماس” تغييرا ملموسا في اسلوب الحرب وطبيعتها واهدافها الميدانية، وكذلك اعطاء الاولوية أكثر لمسألة الاسرى والمحتجزين الامر الذي يتطلب تنفيذه هدنة طويلة نسبيا.
واضح بأن حكومة نتنياهو تعيش تحت ضغوط داخلية كبيرة، وكذلك تبدد جبهة الدعم الدولي لحربها العدوانية على قطاع غزة ،ناهيك ان حربها على القطاع لم تحصد سوى المزيد من القتل في صفوف المدنيين وتدمير كل مظاهر الحياة في غزة، أي أنها في حربها الهمجية والمجنونة على القطاع، تنتقل من فشل الى فشل أكبر، وتزداد المعارضة والانتقادات لحربها هذه، داخلياً وخارجياً ،وحالة الصمود الأسطوري الفلسطيني، قالت بشكل واضح بان المقاومة وفي قلبها “حماس” ليست قريبة من الإنهيار او الاستسلام، كما يطالب نتنياهو من اجل وقف حربه العدوانية على قطاع غزة… أمريكا والعالم واهالي الأسرى لدى المقاومة، يريدون من نتنياهو تغيير أسلوب الحرب وطبيعتها واهدافها، بحيث تصبح حربا تنفذ من خلالها ضربات منتقاة واستهداف لقادة المقاومة وفي المقدمة منهم السنوار والضيف ومروان عيسى… وتحت هذه الضغوط نتنياهو يقول بأنه مستعد لهدنة مؤقتة تمتد لأسبوعين ،حتى تستطيع “حماس” ان تجمع الأسرى المطلوبين، في صفقة تبادل يعرضها على الحركة، ولن يوافق على وقف إطلاق نار مؤقت او دائم، ولكي يشعر اهالي الأسرى من جنوده بالاطمئنان، أرسل مدير موساده ديفيد برنياع الى وارسو واوسلو للقاء مدير وكالة المخابرات المركزية وليم بيرنز والشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس وزراء قطر ،للبحث في صفقة تبادل ،تضمن الإفراج عن 400 أسير فلسطيني، بما فيهم من تقول اسرائيل ان ” ايديهم ملطخة بالدماء”، وكذلك التقى برنياع المصريين والقطريين أكثر من مرة لهذه الغاية، ولكن حركة “حماس” وفصائل المقاومة على لسان قادتها ومسؤوليها، قالوا لا صفقة تبادل في ظل عدم وقف إطلاق نار شامل ورفع الحصار وإنسحاب اسرائيلي من القطاع، ولا عودة للهدن المؤقتة.
نتنياهو في مأزق كبير، واستمرار “اجترار” العبارات والخطابات منه ومن اعضاء مجلس حربه حول القضاء على حركة حماس وقتل قادتها وقادة المقاومة واستسلامها وتسليم قادتها … يدرك نتنياهو بأن هذه اهداف غير واقعية وموجهة للداخل الإسرائيلي، فهو في المرحلة الأولى للحرب العدوانية خرج لتحقيق هذه الأهداف، ولم يستطع تحقيق أي منها…ودخل في عملية تفاوض مع المقاومة ووافق على هدن انسانية وإدخال المحروقات والمساعدات الإنسانية والطبية.. ورضخ لشروط المقاومة في عمليات التبادل … ولذلك مأزقه الميداني وفشله العسكري وأزمته السياسية المتعمقة وتزايد الضغوط الداخلية والخارجية عليه.. وخوف الأمريكي من ان يجر نتنياهو لحرب إقليمية تشكل تهديدا جديا لمصالحها في المنطقة، ما يدفع نحو رضوخ نتنياهو للموافقة على شروط المقاومة في صفقة التبادل التي من المتوقع ان تنضج شروطها أوائل العام القادم، تمهيداً لصفقة تبادل شاملة ” الكل مقابل الكل” وتبيض السجون الإسرائيلية من الأٍسرى الفلسطينيين، وفي المقدمة منهم القيادات الفلسطينية السياسية والعسكرية من مختلف الفصائل.