النفاق الدولي بين احتضان أوكرانيا وتجريم المقاومة الفلسطينية، بقلم : د. طلال أبو غزالة
على مدى عقود، واصل الشعب الفلسطيني نضالاً طويلاً ومؤلماً لتحرير أرضه وتقرير مصيره عليها. وبالرغم من محنته وتخاذل المجتمع الدولي، لا يزال صامداً في تصميمه على ضمان تحقيق أهدافه الوطنية والحفاظ على حقوقه وأمنه.
إنَّ النفاق الدولي، خاصة في دول الغرب، بين احتضان أوكرانيا وتجريم المقاومة الفلسطينية، يثير تساؤلات حرجة حول مدى اتساق وعدالة الروايات الدولية. وتطرح العديد من الأسئلة حول السبب في وصف أحدهما بالبطولة في حين يوصف الآخر بالإرهاب.
فالحق في تقرير المصير مبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي، وحق أساسي من حقوق الإنسان يجب أن يتمتع به كل شعب كما هو منصوص عليه في العديد من قرارات الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية، وهو يرتكز على مبادئ العدالة والمساواة واحترام كرامة وحقوق جميع الأفراد والمجتمعات.
إنَّ معاناة الفلسطينيين العميقة وطويلة الأمد قوبلت، للأسف، بصمت مزمن من جانب المؤسسة الدولية في كثير من الحالات. وقد ساهم هذا الصمت المطبق في إفلات الكيان الغاصب من العقاب.
في المقابل، واجه الفلسطينيون التهجير، والاحتلال، والصعوبات الاقتصادية، والقيود المفروضة على حركتهم، والعنف، وكل ذلك بينما هم مصممون على نيل حقوقهم في تقرير المصير والاستقلال والحياة الكريمة.
ومن المؤسف أن إحجام المجتمع الدولي عن تحميل إسرائيل المسؤولية عن أفعالها قد سمح لها باستمرار الإفلات من العقاب. مع ذلك تطورت قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود والاعتماد على الذات مع مرور الوقت، إذ أنه اعتمد تاريخياً على الدعم العسكري العربي للدفاع عن قضيته، ولكن على مر السنين، شق طريقه نحو الاعتماد على نفسه في النضال من أجل تقرير المصير.
لقد عزز نضال الفلسطينيين من أجل العدالة والكرامة والاستقلال شعوراً عميقاً لديهم بالتكيف والصمود في وجه التحديات العديدة التي واجهوها طوال تاريخهم، حيث تمثل عملية اكتساب الحصانة في هذا السياق، قدرة هذا الشعب المقاوم على التنقل بين التضاريس الجيوسياسية المعقدة التي يجد الشعب نفسه فيها، ليصبح أكثر كفاءة في الدفاع عن أرضه وحقوقه ومصالحه بالاعتماد على الذات.
لا شك في أنَّ خطورة الوضع الحالي واضحة لأولئك الذين يراقبون التطورات الجارية، خاصة أن من غير الممكن لهذا الوضع أن يستمر إلى ما لا نهاية، والمجتمع الدولي هو الذي يتحمل المسؤولية المعنوية والأخلاقية عن كل ذلك.
إنَّ محنة الشعب الفلسطيني هي مأساة طويلة الأمد تتطلب اهتماماً عاجلاً وإجراءات حاسمة. كما يجب أن يتحقَّق السلام العادل والدائم، خالياً من الاحتلال وقائماً على احترام القانون الدولي. ومن الضروري أن يتصرف المجتمع الدولي باقتناع وتصميم لبث الحياة في هذه الرؤية، وهذا يستلزم إنفاذ القانون الدولي، وتفكيك المستوطنات غير الشرعية، وإنهاء الممارسات التي تديم المعاناة الإنسانية.
من خلال هذه الجهود المتضافرة فقط يمكن للمجتمع الدولي أن يفي بالتزامه بالحفاظ على الهوية الفلسطينية والحفاظ على مبادئ العدالة والمساواة وتقرير المصير، بما يضمن أن يصبح الوعد بالسلام العادل والدائم حقيقة واقعة للشعب الفلسطيني وفلسطين، والمنطقة بأكملها.