غزة ليست سوى البداية والقادم اخطر، بقلم : راسم عبيدات
ما يتعرض له شعبنا في قطاع غزة من حرب إبادة جماعية وتطهير عرقي وعقوبات جماعية،والتي وصلت حد منع مقومات الحياة الأساسية من ماء وكهرباء ودواء وغذاء ومحروقات ..وإستهداف لكل المؤسسات المدنية والخدماتية من مشافي ومراكز طبية ودور عبادة من مساجد وكنائس ومدارس وابراج سكنية ومؤسسات اعلامية وصحفية وصحفيين ،في حرب تدميرية لما يشهدها التاريخ لا في قديمه ولا حديثه ….حرب خرجت لها دولة الإحتلال من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف الكبرى المتطرفة متمثلة في سحق حركة حماس وقوى المقاومة الفلسطينية والقضاء على كل قدراتها العسكرية والتسليحية والأنفاق الهجومية وإستعادة الأسرى من جنوده ومستوطنيه المأسورين لدى قوى المقاومة الفلسطينية ..وطرد وتهجير عدد كبير من سكان القطاع وخاصة شماله الى منطقة سيناء ،وأبعد من ذلك يقترح الفاشي سموتريتش وزير مالية الإحتلال ، توزيع سكان القطاع على العديد من الدول ،وإرسال جزء كبير منهم الى استراليا ونيوزيلندا حتى يعيش سكان مستوطنات غلاف القطاع بامان ورفاهية ،وكذلك بحث خيارات ومستقبل القطاع بعد ما يسمونه بحكم حماس وطرح مجموعة من السيناريوهات التي يفترضوها من بعد نجاح مشاريعهم ومخططاتهم في الأهداف الثلاثة الأولى وصولاً الى الهدف الأكبر إعادة رسم خرائط المنطقة وتشكيلها من جديد وفق ما يعرف بالشرق الأوسط الجديد ،على غرار مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي بشرت به وزير الخارجية الأمريكية المغدورة كونداليزا رايس في حرب تموز العدوانية تموز/2006 التي شنتها دولة الإحتلال “الإسرائيلي” لأول مرة بالوكالة عن أمريكا على حزب الله والمقاومة اللبنانية،ولكن تمكن حزب الله من قبر هذا المشروع،عندما عجزت “اسرائيل” عن هزيمة حزب الله.
الحرب على قطاع غزة والتي تشنها دولة الإحتلال تحت ما يسمونه بحرب “الإستقلال ” الثانية والتي تخوضها وتقودها أمريكا مباشرة عسكرياً وأمنيا تحت ما يسمى بالأمن القومي ،هي في أهدافها تتعدى قطاع غزة بكثير ،ولذلك نجد أمريكا التي تقف الى جانب دولة الإحتلال ب” الباع والذراع” ،برفضها لوقف العدوان أو وقف إطلاق نار مؤقت،وتتبنى سرديتها وروايتها المزيفة والمفبركة فيما يتعلق بالإتهامات للمقاومة الفلسطينية في قطع رؤوس أطفال يهود واغتصاب نساء يهوديات ومن ثم ارتكاب مجازر في المشافي ،مجزرة مشفى المعمداني ،ومن ثم الإستخدامات العسكرية لتلك المشافي ،حيث جرى التركيز على مشفى الشفاء بشكل خاص،وجعله قضية محورية ومركزية في تلك الإتهامات،وتصوير بأن اقتحام تلك ” القلعة العسكرية”،سيحقق لحكومة الإحتلال ولنتنياهو ولبايدن وجوقة تابعيه من زعامات الغرب الإستعماري المستشار الألماني شوالاتز ورئيس الوزراء البريطاني سوناك والرئيس الفرنسي العنصري ماكرون ،إنجازاً غير مسبوق، بأنهم لا يشيطنون حركة حماس والمقاومة الفلسطينية،بل ها هي الأدلة الدامغة على استخدامها المشافي كمقرات لقيادات المقاومة وكبنى عسكرية ومخازن صواريخ وأقبية لإحتجاز أسرى ،ولكن رغم كل هذه الببروغندا والتجييش الإعلامي الضخم واستخدام طريقة وزير الإعلام النازي غوبلز في الحرب العالمية الثانية أكذب ثم اكذب حتى يعتقد الناس أنك تقول الحقيقة،وليس مهم ان تكون الرواية مفبركة وكاذبة،ولكن المطلوب ان المتلقي لهذه الرواية يصدقها ويأخذ بها ،ولكن للأسف ” تمخض الحبل فولد فأراً”، ولتُمنى “اسرائيل وبايدن وإدارته بفضيحة كبرى ،حيث عملية الإقتحام الكبيرة لهذه ” القلعة العسكرية” ،لم يسفر سوى عن إنتصار لجيش ” عرمرم” على أطفال خداج واطفال رضع، وقمع وتنكيل وإطلاق نار على نازحين احتموا بالمشفى وعلى أطباء وممرضين ومسعفين وأقسام المشفى المختلفة .
ورغم كل هذه الحقائق وإنكشاف زيف روايات دولة الإحتلال والبراعة في الفبركة ،هي وشريكتها الإدارة الأمريكية،ذات الباع الطويل في تلك العمليات،فنحن لا ننسى ما قاموا به من إحتلال وتدمير وقتل لأكثر من 2 مليون عراقي وتشريد ما يزيد عن هذا الرقم،تحت ذريعة إمتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل،وكل عمليات التفتيش التي قامت بها وكالة الطاقة الذرية،من عمليات تفتيش شملت القصور الرئاسية،لم يتم العثور على أسلحة دمار شامل،وبعد ذلك خرج وزير الخارجية الأمريكي أنذال كولن باول ليقول بأن المخابرات المركزية الأمريكية قد خدعتهم ،ولم يتم العثور على أٍسلحة دمار شامل في العراق،والهدف واضح ومعروف من هذا الإتهام والتدمير ،تفكيك الجيش العراقي ومؤسسات الدولة المركزية ،والسيطرة على نفطه وغازه،وضمان امن دولة الإحتلال ” الإسرائيلي” والحفاظ على تفوقها العسكري.
المخطط والمشروع في قطاع غزة ،والإصرار على التدمير الممنهج للمشافي والمراكز الصحية،ورفض وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الطبية والغذائية والمحروقات ،لا يتعلق فقط بعمليات تهجير واسعة لعدد كبير من المنطقة الشمالية من قطاع غزة ،والسيطرة على ما مساحته 60 كيلو متر طول،بعمق 2 -3 كم2،من أجل إقامة منطقة عازلة،توفر الأمن لمستوطنات جنوب غزة وتضمن عودتهم لمنازلهم،والمخطط يشمل ترحيل 40 -50 بالميه من سكان شامل غزة الى جنوبها،وليقيم السكان على 56% من مساحة القطاع، وعلى أن يترافق ذلك بتجريف 30% من مساحة الأرض الزراعية،ورشها بالمبيدات السامة.
بعد عمليات تجميع السكان وتدمير كل الخدمات الصحية ،يجري قصف السكان وامام الكارثة الإنسانية وهول المصائب،يضطروا الى التدفق نحو مصر،حيث يجري الضغط على النظام المصري لفتح الحدود لهم،فهذا النظام مثقل بالديون والأزمات الإقتصادية،ولم يتمكن من منع اثيوبيا من اتمام عمليات ملىء سد النهضة،الذي يضر بالأمن المائي المصري ويعطش أكثر من 100 مليون مصري.ولذلك يراهنون على عدم قدرة النظام المصري على الصمود ومواجهة الضغوط.
امريكا قدمت الى المنطقة مباشرة بعد معركة ” طوفان الأٌقصى ” ووزير خارجيتها ووزير حربها ورئيسها ومسؤول القيادة المركزية لجيوشها ،واستقدموا بوراجهم الحربية وحاملات طائراتهم،ونصبوا بطاريات الصواريخ الإعتراضية من “ثاد” وقبب حديدية” وجلبوا المستشارين والخبراء من جنودهم وقوات نخبتهم،وزودوا دولة الإحتلال بأحدث الطائرات والذخائر والقنابل،والأهداف هنا تتعلق بحماية المصالح الأمريكية الإستراتيجية في المنطقة ،وحماية وقواعدها وبوارجها من القصف والإستهداف،من قوى المقاومة اليمنية والعراقية واللبنانية والسورية.
أمريكا تريد ان تعيد تموضعها الجيو استراتيجي في المنطقة من غرب اسيا الى منطقة الشرق الأوسط،وخوض معركة قطاع غزة والإنتصار فيها،بالنسبة لها مسألة أمن قومي، فإنتصار المقاومة في قطاع غزة،يعني إنتصار محورها وروسيا والصين،وهذا يكون على حساب مصالحها ووجودها في المنطقة،ولذلك هي تسعى لكي تهزم المقاومة ولو كلف ذلك الإبادة لثلثي سكان القطاع،فهي تريد أن تحاصر التحالف الروسي- الصيني – الإيراني وأن تقطع الطريق على المشروع الصيني الإقتصادي،الحزام والطريق،والعودة بطريق الحرير الى الطريق القديم من الهند الى الخليج والشرق الأوسط عبر السعودية والإمارات و”اسرائيل” ومن ثم الى الموانىء الأوروبية،نقل الغاز والبترول الى أوروبا.
وهذا يستدعي منها عدم خسارة المنطقة بأي شكل ،بعد ان خسرت الحرب في اوكرانيا مع روسيا، فغزة فيها غاز يقدر ب 500 مليون متر مكعب .. يضاف لذلك غاز البحر المتوسط وما تمتلكه ” اسرائيل” من غاز ،ومن هنا كان قرار تدمير ميناء بيروت وقصف ميناء اللاذقية ،لكي يبقى ميناء حيفا المنفذ الوحيد الذي يجري من خلاله ضخ الغاز الى أوروبا ..ويضاف لذلك ايجاد طريق بديل لقناة السويس ،وهذا يتطلب تهجير سكان شمال القطاع،لفتح الطريق أمام مشروع قناة” بن غوريون”.
هي حرب طرد وتهجير واقتلاع وإبادة جماعية،ليس فقط بحق سكان قطاع غزة،بل ستكون القدس والضفة الغربية والداخل الفلسطيني- 48 – في قلب هذا المشاريع،وسيكون الأردن الضحية الكبرى لهذه المشاريع.
ولذلك غزة التي أصبحت حجر الرحى في التحالفات الإقليمية والدولية وصراعاتها،اذا ما توسعت حربها لأكثر من جبهة وخسرتها أمريكا ودولة الإحتلال ومعها القوى الغربية الإستعمارية،ففجر عالم القطبية المتعددة الأكثر عدلاً وإنسانية،ستكون غزة مساره وطريقه،أما هزيمة قوى المقاومة في قطاع غزة، فهذا يعني أن الخسارة ستكون شاملة لمحور المقاومة ومعه روسيا والصين …غزة عليها تتوقف المعادلات ورسم خرائط العالم الجديدة وتحالفاته.
فلسطين – القدس المحتلة